نظم منتدي الحوار بمكتبة الإسكندرية مساء أمس السبت ندوة بعنوان "مصر وأفريقيا بين الواقع والمأمول"، والتي تحدث فيها هاني رسلان؛ رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل التابع لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ورئيس تحرير ملف الأهرام الإستراتيجي، وأدارها الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية. وقال رسلان إن مصر وأفريقيا متكاملان عضويا ولا يمكن أن ينفصلا؛ حيث إن علاقتهما قَدَر ومصير وممتدة منذ القدم، لافتا إلي أن أول حضارة نشأت في القارة والعالم كانت في مصر، كما أنه من تلك البلد انتشرت الأديان السماوية في أفريقيا. وأضاف أن مصر كان لها دور قيادي غير منازع في أفريقيا عقب قيام ثورة يوليو عام 1952؛ حيث أسهمت في دعم حركات التحرر الوطني الأفريقية واستقلال بلدانها عن الاستعمار الأجنبي، حتي إن الكثير من بلدان القارة قطعت علاقتها بإسرائيل تضامنا مع مصر أثناء احتلال سيناء، كما أنها كانت تصوت دائما لصالح مصر في المحافل الدولية. وفي هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلي أن القارة تضم أكثر من 50 دولة، مما يجعلها قوة تصويتية كبيرة في المحافل الدولية. وأشار إلي أن تلك العلاقات بدأت في الانحسار عقب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979؛ إذ اتبعت مصر مفهوم التنمية من الداخل وتسخير الدبلوماسية من أجل التنمية، مما أدي إلي تراجع الدائرة الأفريقية من اهتمامات السياسة الخارجية المصرية. ترتب علي ذلك حدوث تغيرات في القارة لم تكن مصر مساهمة فيها، وبالتالي فهي تحصد حاليا ثمار هذا الوضع السلبي. وأوضح رسلان أن مصر بدأت تلحظ أهمية القارة الأفريقية في تسعينات القرن الماضي حين ظهرت علي السطح بقوة دعوات إصلاح الأممالمتحدة وتمثيل القارة السمراء بمقعدين دائمين في مجلس الأمن. توقعت مصر آنذاك أنه نظرت لمكانتها ودورها التاريخي في القارة، فإن حصولها علي مقعد دائم في مجلس الأمن مضمون، إلا أنه تبين في مفاوضاتها مع دول القارة أنها لا تحوز التأييد الكافي، نظرا لظهور قوي أخري علي الساحة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا. وأكد أن الفتور الذي شاب العلاقات المصرية مع دول القارة في الفترة من نهاية السبعينات إلي منتصف التسعينات، أثّر كذلك علي علاقات العالم العربي مع تلك الدول، مما أدي إلي عودة إسرائيل بقوة إلي المسرح الأفريقي، وبدأت تظهر دعاوي تشير إلي أن أفريقيا هي دول جنوب الصحراء، بينما دول شمال أفريقيا لا تنتمي إلي القارة وأن ولاءها للعرب، وهذه نظرة تمييزية خطيرة. وأشار إلي أن عودة الاهتمام بالدائرة الأفريقية في السياسة الخارجية المصرية بدأت بطيئة، مضيفا أن مصر لم تلعب دورا كبيرا في تشكيل الاتحاد الأفريقي الذي حل محل منظمة الوحدة الأفريقية، مما ترك آثارا سلبية علي المكانة المصرية في القارة. كما أنها انضمت متأخرة إلي السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا "الكوميسا"، إلا أنها أصبحت الآن الطرف الرئيسي والأكبر في التبادل التجاري مع الدول المنضوية في تلك السوق. وشدد هاني رسلان علي أهمية سياسة النفس الطويل في التعامل مع دول القارة؛ حيث إن النتائج الإيجابية تتطلب وقتا كي تظهر، منوها إلي أن مصر بدأت تسهم بقوة في العمل الجماعي الأفريقي عبر مؤسسات الاتحاد الأفريقي، كما أنها تلعب دور رئيسي في مبادرة "النيباد" التي تهدف إلي الشراكة من أجل تنمية دول القارة. ولفت إلي أن عودة مصر إلي القارة الأفريقية تتطلب دور مصري في حل النزاعات والمشاركة في قوات حفظ السلام، والاهتمام بالعمل الجماعي القاري، والحديث في المحافل الدولية عن هموم القارة، وتقديم المساعدات من أجل التنمية؛ والتي تتمثل في الاستثمارات والتبادل التجاري وتوفير التدريب وتقديم المعونة الفنية. ونوّه إلي أن أزمة مياه النيل كشفت عن الضرر في العلاقة بين مصر ودول القارة؛ حيث فوجئت مصر بوجهات النظر المتطرفة لعدد من دول حوض النيل حيال تلك القضية، وتلكؤها في العودة إلي المفاوضات، وتوقيع بعضها لاتفاقية عنتيبي والضغط علي الدول التي لم توقع للانضمام إليها. وأكد في هذا الإطار أن التصريحات الأخيرة لملس زيناوي؛ رئيس وزراء إثيوبيا، والتي ألمح فيها إلي احتمال نشوب حرب بين مصر وبلاده بسبب أزمة مياه النيل، تنم عن ضعف وتوتر؛ إذ إنه لم يستطع تفعيل اتفاقية عنتيبي لتقاسم مياه النيل لرفض بوروندي والكونغو التوقيع عليها، وهو ما يشير إلي أن عودة مصر إلي الاهتمام بالقارة بدأ يعوق الإرادة الإثيوبية. وقال رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل التابع لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن طريقة تسوية أزمة مياه النيل هي التي ستحدد تعامل مصر مع بعدها الأفريقي، لافتا إلي أن مصر لديها المقومات التي تستطيع من خلالها استعادة دورها الرائد في القارة؛ حيث إن لديها أكبر قوات مسلحة، كما أنها صاحبة أكبر تمثيل وحضور دبلوماسي في القارة، ولديها ثاني أكبر اقتصاد، إضافة إلي قوتها الثقافية والحضارية، ورسوخ مؤسسات الدولة. وأضاف أن المسار المصري لحل أزمة مياه النيل يتسم بالنجاح حتي اللحظة، فهي خاطبت المانحين الدوليين لعدم تمويل مشاريع يمكن أن تؤثر علي حصتها من مياه النيل، والسعي لعدم توقيع دول أخري علي اتفاقية عنتيبي، وتهدئة الأزمة كي لا تتحول إلي صراع مكشوف، إضافة إلي جمع أوراق ضغط يمكن أن تدعم موقفها التفاوضي. وأشار رسلان إلي أن هناك وجود إسرائيلي محدود في إثيوبيا وأوغندا وكينيا، إلا أنه مؤثر، نظرا لأنه ينحصر في مشروعات اقتصادية ذات عائد ربحي سريع، إضافة إلي الجانب الأمني، منوّها إلي أنه لا يجب المبالغة في الدور الإسرائيلي ووضع الأمور في نصابها. من جانبه، قال الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، إن المكتبة اهتمت منذ نشأتها بالدائرة الأفريقية؛ حيث استضافت مئات المفكرين والأدباء والعلماء والشباب الأفارقة منذ عام 2002 حتي الآن. كما أنها دشنت عام 2008 حملة لإهداء 46 جامعة أفريقية مطبوعات مكتبة الإسكندرية. واستضافت حفل جائزة مو إبراهيم للحكم الرشيد في أفريقيا، والتي تم بث فعالياتها مباشرة ل 30 دولة أفريقية، وحضرها نخبة من الشخصيات من دول القارة. وأضاف أن الأديب النيجيري ويل سوينكا؛ الحائز علي جائزة نوبل للآداب، كان عضوا في مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية. ونوّه عزب إلي أن الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، سيتسلم جائزة إنجاز العمر الإفريقية 2010 في مجال البحث العلمي، وهي أحد فروع جوائز التميز الألفية 2010، بعنوان "إعادة تشكيل إفريقيا: قيم جديدة واستراتيجيات جديدة"، في احتفال رسمي يقام يوم 4 ديسمبر المقبل بالمقر الرئاسي بأكرا، غانا. ويتسلم الدكتور سراج الدين الجائزة من كل من البروفيسور جون إيفانز اتا ميلز؛ رئيس جمهورية غانا، وجلالة ملك الأشانتي أتومفو أوساي توتو الثاني؛ راعي جائزة إنجاز العمر الأفريقية، والدكتور أتوكوي أوكاي، رئيس مجلس حكماء جوائز التميز الألفية لعام 2010.