خلال عام أو يزيد أصبح تنظيم داعش أو ما يسمي بالدولة الإسلامية في العراق والشام من أخطر التنظيمات الإرهابية بالعالم بعد أن فاقت صور جرائمه ما فعله المغول والتتار بتلك المنطقة من قبل، ففي مدة زمنية وجيزة استطاع هذا التنظيم الذي لا ندري من يقف وراءه ويمده بما يلزم علي هذا النحو المتقدم أن يتفوق علي الجيش الحر وعلي جبهة النصرة بسوريا وعلي الجيش السوري ثم تجاهله في نفس الوقت لقوة تنظيم القاعدة وتحذيرات قائده أيمن الظواهري تجاهه، حتي استطاع هذا التنظيم بقيادة أبو بكر البغدادي أن يسيطر علي أجزاء كبيرة من سوريا بالقرب من الحدود التركية العراقية ومرتكبا أبشع الجرائم، ثم تحول هذا التنظيم فجأة بعد بسط نفوذه في سوريا إلي العراق بعد أن تأكد من انهيار الجيش العراقي بسبب انهيار معنوياته ومعنويات أفراد الشرطة العراقية وغيرها من المشكلات السياسية والعرقية والدينية التي نشأت بسبب فشل إدارة المالكي للعراق وسنوات حكمه التي أدت إلي انقسام العراق وانهياره علي هذا النحو وبما لا يدعو إلي وجود بوادر أمل لتعافي العراق في القريب، فالجيش العراقي يملك السلاح ولكنه بعد مواجهاته الخاسرة مع داعش في أكثر من موقعة أثبت أنه فاقد للعزيمة القتالية وروح الدفاع عن العراق و مدنها وحرماتها ومقدساتها بعد أن أصبحت مهمته ومهمة أجهزة الشرطة هو الدفاع عن بقاء المالكي المهيمن علي الدولة وليس مهمة الدفاع عن وحدة العراق وأمنه مما أدي إلي سيطرة داعش علي مدن عراقية كثيرة ومنها نينوي وعاصمتها الموصل وصلاح الدين وديالي وأجزاء كبيرة من كركوك والبيجي والخالدية ومن قبلها الأنبار والفالوجا مع سيطرة داعش أيضا علي الآبار النفطية لضمان التمويل وشراء الأسلحة المتطورة التي تمكنهم من التوغل في الأراضي العراقية لتكوين دولتهم الإسلامية ووقوع الكثير من الأسلحة العراقية في أيديهم بعد انسحاب الجيش العراقي وتركه لأسلحته دون قتال حتي أصبح يسمي بجيش الرواتب بسبب عدم الانتماء والسلبية والتخلي عن روح الدفاع عن الدولة، ناهيك عن الانقسام السياسي والعرقي والديني والعشائري الواضح في العراق الذي يعتبر المالكي سببا رئيسيا فيه لفشله وتسلطه في الحكم وضيق أفقه وعناده وإصراره علي البقاء بالحكومة برغم الحالة التي آلت إليها العراق الآن، الأمر الذي سوف يؤدي حتما إلي سقوط بغداد كما سقطت المدن والمحافظات العراقية في يد داعش والتنظيمات الإرهابية من قبل وعلي غرار ما حدث بالموصل ومدي الجرائم التي ارتكبت في حق أهلها من جانب تنظيم داعش، إن ضعف وهوان العراق في نظر التنظيمات الإرهابية وطمعها في السيطرة عليه يرجع أيضا إلي تفكك العراق كدولة لعدم وجود إرادة سياسية عراقية ودولية تسعي بشكل جاد لإعادة وحدته وأمنه واستقراره مما أدي إلي جعله مكانا جامعا للتنظيمات الإرهابية والجهادية بالعالم، كما أدي ذالك إلي تغليب الأقليات والعرقيات لأهدافها ومصالحها الخاصة علي مصالح ووحدة العراق مما أدي إلي التناحر والشقاق والصراع بين الفصائل المختلفة علي الحكم وشيوع فكرة التقسيم والانفصال ومنها علي سبيل المثال سعي كردستان العراق بقيادة مسعود البرزاني إلي الانفصال عن العراق وسيطرته علي آبار النفط والأراضي العراقية بالشمال، ومن عوامل الضعف أيضا انشقاق الكثير من قيادات الجيش العراقي وانضمامهم مع جيش الطريقة النقشبندية، وبقايا حزب البعث، وأنصار السنة وجيش المجاهدين إلي تنظيم داعش إضافة إلي الصراع بين الشيعة والسنة، ثم الأخطر من كل ذالك هو تخلي أمريكا متعمدة عن مساعدة العراق ضد تلك التنظيمات الإرهابية والانفلات الأمني وخاصة بعد انسحاب الجيش الأمريكي عن العراق عام 2011م وهو ما أدي إلي انهيار العراق وضعفه وسقوطه تحت براثن التنظيمات الإرهابية وضياع مفهوم الوحدة العراقية. إن سقوط الموصل مؤخرا في أقل من نصف ساعة وتمكن 800 من تنظيم داعش من هزيمة أكثر من 5000 جندي عراقي ومثلهم من رجال الشرطة يكشف مدي الضعف في قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية للعراق إضافة إلي روح الانكسار والخوف التي تنتاب المدنيين عند هجوم داعش علي المدن العراقية خوفا من جرائمهم الوحشية مما يؤدي إلي نزوح العراقيين وتركهم لديارهم مما يثبت انهيارًا كاملًا في قدرات الدولة العراقية وبما يأتي في صالح سيطرة داعش العراقية وحلمها المرتقب بالسيطرة علي بغداد في وقت لاحق وإقامة دولتها. لقد أصبحت داعش الآن علي مشارف مدينة سمراء الواقعة علي الضفة الشرقية لنهر دجلة بمحافظة صلاح الدين، كما أن عناصر هذا التنظيم يرتكبون خلال غزواتهم أبشع الجرائم من قتل وحرق وتخريب وتهجير وتعدٍ علي أهل الديانات الأخري من سكان العراق الأصليين وقيامهم بتفجير الكثير من المراقد والأضرحة الدينية بالموصل وغيرها من المدن والتي يرجع تاريخها إلي 800 عام قبل الميلاد وتعتبر ملكا للإنسانية، وهم عازمون أيضا علي تفجير المراقد الشيعية بسمراء التي تشكل تراثًا تاريخيًا ودينيًا قديمًا لتلك المحافظة وعندها سيقع ما لا يحمد عقباه بين الشيعة والسنة بالعراق ومنه إمكانية نشوب حرب دينية كبري، صحيح أن بغداد مازالت بعيدة نسبيا عن أيادي داعش ولكنها تمر بما هو أسوأ عندما أصبحت مدينة للأشباح مع انعدام الأمن وانتشار العمليات الانتحارية والتفجيرية والمسلحين في ربوعها، وهو ما يجعلها ممهدة أمام داعش إذا ما فكرت في غزوها، كما أن المالكي لا ينتظر منه شيء بعد أن أصبح مكروها من شعبه ومن المجتمع الدولي أيضا وبما لا يسمح بمساندته وبذلك تصبح بغداد آيلة للسقوط إن لم يتدخل المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للعراق وتصديه لتنظيم داعش علي غرار تصديه للقاعدة من قبل، ويبدو أن أمريكا الحليف الاستراتيجي للعراق قد تخلت عن الوقوف إلي جواره مما يثبت تورطها ورضاها عن وجود هذا التنظيم الذي أدي ويؤدي إلي مزيد من الدمار بالعراق بل وبالعالم أجمع إذا لم تتحرك أمريكا والغرب لدحر هذا التنظيم وهو أمر ما يزال مستبعدا بعد أن أكد البنتاجون علنا عدم نيته في أي تدخل عسكري بالعراق وتركه مهمة دحر داعش للحكومة والقوات العراقية أو بمساندة من دول الجوار وهي دول تبدو عاجزة في الوقت الحالي لكثرة مشاكلها و أزماتها، وتلك الأسباب مجتمعة تدعو إلي القلق علي مستقبل العراق ووحدته وتجعلنا نخشي علي مصير بغداد إذا ما وقعت تحت يد داعش كما وقعت المدن العراقية الأخري من قبل، وعندها لن تكون الدول العربية المجاورة للعراق بعيدة عن خطورة هذا التنظيم الذي يمكن أن يكون نواة تتجمع حولها كل التنظيمات الإرهابية بما فيها القاعدة وبما سيهدد معه المنطقة والعالم بأسره أيضًا.