عبر تاريخ مصر الإسلامي الممتد عرفت مصر الكثير من الأحداث التاريخية والمظاهر الاحتفالية المختلفة لأعيادها ومناسباتها الدينية والوطنية والاجتماعية، وكان ضمن تلك المظاهر التي اهتم بها المصريون واحتفوا بها وشكلوا من خلالها الكثير والكثير من العادات والتقاليد الموروثة دخول شهر رمضان علي المصريين ليأتي إليهم حاملا معه الفرحة والبهجة التي تنير حياتهم وتوقظ ضمائرهم وتملأ قلوبهم بالتقوي والإيمان وتصبح فيها الوجوه المسلمة الصائمة ضاحكة مستبشرة يعم خيرها الوفير علي أسرها المصرية بأغنيائها وفقرائها لأنهم جميعا وبكل طبقاتهم الاجتماعية يجودون بما لديهم من خير من أجل الإنفاق تقربا إلي الله، ويوسعون في أيامه علي أنفسهم وأهلهم وجيرانهم فيطعمون الطعام ويصلون تضرعا إلي الله والناس نيام، ويفيضون بكل أفعال الخير من جود وإحسان وإنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضاته ولهذا فهم يجتهدون في كل أنواع العبادات لينالوا الأجر والجزاء الأوفي عوضا عما فاتهم من تقصير في أركان العبادة خلال العام، فتجد لتلك المظاهر نفحات وتجليات ربانية ونعم لا حصر لها لأن أبواب الجنة خلاله مفتوحة وتطلب أصحابها من أهل العبادات والطاعات مقابل أبواب النار المغلقة والشياطين المصفدة حتي يكون الإنسان حرا طليقا في كل أعماله وتجد النور الرباني يدخل إلي بيوت الصائمين جميعا وتراه أيضا ينير السموات فينير المساجد والشوارع والأزقة، وتمتلئ المحلات بالشوارع والميادين والقري بمصر بالخيرات من كل شكل ولون وتراها بأجمل مما تراها عليه في باقي شهور العام ويقبل الناس بكل طبقاتهم علي الشراء استعدادا للإفطار والسحور فتجود البيوت علي أصحابها الذين يجودون هم أيضا علي كل من حولهم فيصبح رمضان كريما في نظر المصريين كريما في جوده وكريما في عباداته وكريما في احتفالاته وخيراته، وفيه يسعي الإنسان إلي تحقيق الوصل الرباني مع الله ومع الأهل ومع الناس وتري الناس في مصر في شهر الصوم يتراحمون فيما بينهم تراحم الغني مع الفقير وتراحم الكبير للصغير وتراحم المسلم مع أخيه المسيحي هم جميعا عباد الله إخوانا يحتفلون ويهنئون بعضهم البعض ويتراصون علي موائد الرحمن سواء كانت بالبيوت أو بالشوارع أو بالمساجد معا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، كما تراهم يتراصون ويتزاحمون ليلا في المساجد التي تكون عامرة بأصحابها لأداء صلاة العشاء والتراويح ثم الفجر، ويملأ الحب والتسامح والتراحم القلوب وتجد ذلك بين الأب وأبنائه وبين الأخوة بعضهم البعض وبين الجار وجاره والصديق وصديقه يتزاورون ويتحابون ويتناولون طعام بعضهم البعض بالتناوب، وفي نهار رمضان تجد الروح المصرية الأصيلة بكل قيمها باستثناء أخوة الشياطين من الإنس الذين ليس لهم مكان بيننا، فتجد الرفق والتسامح بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان والطير والحيوان وتجد البشاشة والفرحة بين الصائمين كذلك تجد السعادة والبساطة تتملك الناس لحرصهم في هذا الشهر علي التحلي بالقيم الأصيلة والفضائل ومنها السمو علي الذات والصبر علي المحن والنكبات، الأكثر من ذلك أن تجد الحمد والشكر لدي المصريين علي النعمة بقليلها وكثيرها وفقرها وغناها وحلوها ومرها تجدها جميعا حلوة في نظر الصائمين فلا جشع ولا أنانية ولا بخل ولا شح ولا جحود ولا ضغينة أو غرور لأن الصيام في رمضان وعبر تاريخه استطاع أن يصبح عند المصريين كغيرهم من المسلمين ركنا قويا من أركان الإسلام ولا مجال فيه عند المصريين الصائمين إلي ارتكاب سلوك يؤدي إلي فقدانه لأنهم لا يعرفون إلا السمو علي الذات وتحقيق الدرجات العلا لنيل رضا الله ونيل الجنة ليصبح رمضان عند المصريين بمذاق خاص وطبيعة تميزه عن غيره من الدول الأخري رغم مظاهرها الاحتفالية الغنية بسبب المظاهر والطبيعة الخاصة عند المصريون التي قال عنها إدوارد لين في كتابه المصريون المحدثون بأنهم ' يجاملون بعضهم البعض لأقصي حد وتري في تحيتهم وسلوكهم رقة ووقار ولديهم ذوق ومهارة سلسلة في طبيعتهم، كما يتفاخر أهل مدنهم بحسن الأدب وإتباع المنهج وقوة الذكاء وطلاقة اللسان، كما يمتاز المصري علي اختلاف طبقاته بالبشاشة والأنس والكرم والجود، كما أنه من المألوف أن يتحدث اثنين معا دون معرفة مسبقا وكأنهما صديقين قديمين حتي يقدم أحدهما شبكه للآخر ليظل صديقين، كما أن أغلب المصريين رغم طبقاتهم الاجتماعية يحبون الدعابة إلي أقصي حد ويتغلبون بها علي المحن والشدائد ولذلك فحديثهم مؤثر وحار ويحبون أن يتخاطبوا أمرهم بينهم بألفاظ القرابة ' ومن هنا فليس غريبا عليهم وعبر تاريخهم أن يلبسوا العادات والتقاليد المصرية الأصيلة أو الوافدة طابع مصريا خاصا جعل أيام رمضان كعدد السبحة التي سموها سبحة رمضان التي تتكون من 33 حبة منها 30 حبة لشهر رمضان و 3 لأيام عيد الفطر المبارك.