يهل علينا شهر الصوم هذا العام، وقد تبدلت أحوالنا، واستشعرنا نسائم الاستقرار في حياتنا اليومية ، بعد أن قضينا رمضان العام الماضي في حالة من الحزن والفزع والاضطراب فرضتها علينا ممارسات جماعة استهانت بمشاعر المصريين وروحانيات الشهر الفضيل، وقضينا طيلة شهر الصوم في متابعة التفجيرات هنا وهناك والشهداء والمصابين من ضباط وجنود ومواطنين أبرياء، ناهيك عن اعتصامي رابعة والنهضة اللذين غيمت ظلالهما السوداء علي معظم المصريين. هذا العام اختلف الوضع ونسأله سبحانه وتعالي أن تتحسن الاوضاع يوما بعد يوم حتي يفيق المصريون من حالة الاضطراب التي عانوها طيلة أشهر بعيدة، ولعل هذه الأجواء الجديدة تعتبر فرصة لالتقاط الانفاس بعد طول عناء والعودة إلي مظاهر الاحتفاء بالشهر الفضيل من صوم وعبادة وصلاة وقيام الليل وصلة الأرحام. شهر الصوم بما يحيطه بهالة من القدسية يبدل المشاعر ويغير السلوكيات، فالصيام ليس امتناعًا عن الطعام والشراب ولكنه امتناع عن كل ما يغضب الله عز وجل، علينا ان ندرك جيدا حقيقة الصوم ومعناه حتي ننال الثواب المرجو والمكافأة المستحقة، علينا ان ننتهز الفرصة ونتدارك كثيرًا من الاخطاء والذنوب والسلوكيات الخاطئة، فالصوم بما يعنيه من تهذيب للنفس والجوارح يمكن ان يستثمر في تطويع السلوكيات والاخلاقيات لما يحبه الله ويرضاه. في شهر الصوم تكثر العبادات وقراءة القرآن تقربًا إلي الله، وهو أيضًا فرصة للتزاور والاجتماع علي مائدة الافطار بين الأهل والأصدقاء، وبما أن مشاغل الحياة لا تعطي الناس متسعًا من الوقت طيلة أيام العام للالتقاء إلا في المناسبات، فإن شهر رمضان يمنحنا هذه الفرصة التي تقرب بين النفوس وتزيد أواصر المحبة بين الناس. رمضان شهر التعبد فلا يجب ان يأخذ منحا بعيدًا عن الحكمة منه، في قضاء الوقت مثلا في النوم طوال النهار والسهر طول الليل لمتابعة البرامج والمسلسلات التي تتسابق شاشات الفضائيات علي انتاجها بكثافة خصيصًا في شهر رمضان. كما لا يجب أيضًا ان يخرج عن الحكمة منه في الاحساس بالفقراء والمساكين، ترك كل ذلك جانبًا والاسراف والتبذير في اعداد الولائم الرمضانية وإلقاء الفائض منها في القمامة كما تفعل بعض الأسر. علينا في رمضان ان نتذكر فقيرا لا يجد قوت يومه يبحث في سلال القمامة في المناطق الراقية ما يسد به رمقه، وان نتذكر مسكينًا يتعفف عن سؤال الناس، فيبات هو وأهله جوعي، علينا ان نتذكر السؤال عن الأهل والاحباب ولا تشغلنا هموم أنفسنا عن تجاهل معانٍ جميلة تعطي للحياة طعما آخر.