الأزمات المتفاقمة والبرلمان المقبل أخطر التحديات الإخوان وحلفاؤهم يستعدون لجولة الصراع القادمة في انتخابات مجلس الشعب الأحزاب لا تزال مختلفة حول القانون وحول التحالفات!! حقق المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي فوزًا كاسحا في أول انتخابات رئاسية في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، جاءت النتائج مبهرة في ظل شهادات دولية وإقليمية ومحلية أكدت حيدة الانتخابات ونزاهتها.. لقد أصابت النتائج جماعة الإخوان بصدمة كبيرة، اربكت عناصر الجماعة وحلفاءها، واجهضت مخططاتهم التآمرية حال استجابة الجماهير لنداء المقاطعة الذي أطلقته الجماعة في أوقات سابقة.. صحيح أن ردود الفعل الرسمية الأمريكية والغربية لم تظهر بشكل واضح حتي الآن.. ربما انتظارا لإعلان النتيجة بشكل رسمي، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن واشنطن وحلفاءها يراجعون مواقفهم السابقة، ويعتزمون فتح صفحة جديدة بعد أن أدركوا عمليا أن الشارع المصري قد حسم أمره بالفعل، وأن نتائج الانتخابات الرئاسية لم تكن إلا حلقة أخيرة في ملف التغيير الشعبي ونهاية حكم الإخوان.. لقد سادت الشارع المصري حالة من الفرحة العارمة، خرج الناس إلي الشوارع يحتفلون، تساءل المحللون في غمرة الحدث، وماذا بعد؟! خلال الساعات القليلة المقبلة، وربما يوم الأربعاء المقبل أو الخميس علي أقصي تقدير، سوف تعلن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية، خاصة بعد أن حققت في الطعون التي تقدم بها المرشح الرئاسي حمدين صباحي.. وانتهت إلي رفضها وعدم تأثيرها علي النتيجة الانتخابية العامة.. في أعقاب إعلان النتيجة الرسمية، تشير التوقعات إلي قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاء خطاب هام يحدد فيه ملامح المرحلة المقبلة، ورؤيته المستقبلية للخروج من المشكلات التي تعترض البلاد، خاصة الأمنية منها والاجتماعية والاقتصادية. لقد سبق للرئيس عبد الفتاح السيسي أن أعلن في خطابه في السادس والعشرين من مارس الماضي عن رؤية محددة طرحها كمرشح رئاسي، وكان من أبرز التحديات التي تحدث عنها هي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد في أعقاب ثلاث سنوات من الفوضي وتفاقم الأزمات. لقد تحدث السيسي في هذا الخطاب أيضا عن ثلاث قضايا هامة: القضية الأولي.. إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة. عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكومين، يحدد الواجبات والحقوق علي الطرفين. إعادة الهيبة إلي الدولة ومؤسساتها.. ولا أظن أن خطاب السيسي المنتظر، يمكن أن يخرج عن هذه العناوين، خاصة أنه يمتلك برنامجا ورؤية متكاملة، تم إعدادها بواسطته ومشاركة خبراء في كافة المجالات. وفي هذا السياق يتوقع أن يطلب الرئيس السيسي من المهندس إبراهيم محلب الاستمرار في أداء عمله كرئيس للحكومة، حتي وإن جري تغيير بعض الوزراء الذين لم يستطيعوا تحقيق النجاح المأمول في الفترة الماضية. وبعيدا عن التحديات الراهنة التي ستواجه الرئيس الجديد من مشكلات متفاقمة، فإن التحدي الأخطر خلال حوالي شهر ونصف الشهر من الآن هو 'تحدي البرلمان المقبل' والذي يمتلك سلطات كبيرة من شأنها أن تكون سندًا أو معوقًا لأداء رئيس الجمهورية القادم.. لقد أكد السيسي أكثر من مرة أنه لن يلجأ إلي تأسيس حزب سياسي، لكنه بالقطع لن يكون ضد أي تكتل وطني، ولذلك دعا قادة الأحزاب والقوي السياسية خلال لقائه بهم قبيل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية إلي البحث عن صيغة لتوحيد هذه القوي ودخول انتخابات البرلمان الجديد.. إن أول التحديات التي يمكن أن تواجه رئيس الجمهورية في الفترة القادمة هو أن يتحول مجلس الشعب إلي أداة للفوضي التشريعية والقانونية والرقابية حال فوز عناصر معادية لرؤية الرئيس بأكثرية المقاعد البرلمانية. إن المواد التي تضمنها الدستور الجديد منحت مجلس الشعب سلطات كبيرة، تمكنه من أن يكون هو وحده صاحب القرار الفصل في تشكيل الحكومة وأيضا اسقاط الرئيس، وهي أمور كلها إن لم يتم حسمها في إطار توافق وطني انتخابي، فسوف تدخل البلاد إلي حيز أزمة مفتوحة قد تؤدي إلي انهيارات كبيرة.. صحيح أن الإخوان فقدوا رصيدهم الشعبي وصحيح أن هناك قوانين سوف تحد من ترشح العديد من رموزهم، إلا أن الجماعة بدأت منذ فترة في الاستعداد للانتخابات القادمة، سواء عبر عناصر وخلايا نائمة غير معروفة، أو من خلال استقطاب عناصر غير إخوانية ودفعها للترشح مع تحمل الجماعة لكافة التكلفة المالية لهؤلاء المرشحين.. وهناك أيضا بعض التيارات السلفية، التي تسعي لأن تحل محل الإخوان كبديل لهم في البرلمان القادم، وهؤلاء أردنا أم لم نرد سيدخلون في صدام مع العديد من القوي المجتمعية، وهم بالتأكيد لديهم رؤية تنطلق من أساس ديني، وتنعكس علي الأداء السياسي سوف تتسبب في مشكلات وأزمات كبيرة مع الرئيس الجديد وأركان حكمه.. إن السؤال المطروح، هل تنجح الأحزاب والقوي المدنية في تحقيق توافق وطني بينها علي مرشحي البرلمان المقبل؟.. دعونا نقل أولا.. إنه حتي الآن لم تصل الأحزاب والقوي إلي توافق كامل، صحيح أن أكثر من اجتماع عقد مؤخرا بحضور ممثلي قوي وأحزاب أساسية للتنسيق هي: جبهة مصر بلدي وحزب المؤتمر، وحزب الحركة الوطنية والمصريين الأحرار وغيرها، إلا أن هناك قوي أخري عديدة لا تزال غائبة عن هذا المشهد لسبب أو لآخر.. وفي هذا الشأن، فإن هناك خلافات جوهرية بين العديد من هذه القوي، حول قانون انتخابات مجلس الشعب، الذي تضمن انتخاب 480 نائبا بالنظام الفردي و120 نائبا بالقائمة المطلقة. وبعيدا عن أسباب هذا الخلاف ومبرراته الذاتية والقانونية والدستورية، فإن الاتجاه السائد حتي الآن هو اعتماد الصيغة المقدمة، رغم الاعتراضات العارمة سواء تلك التي تطالب بالأخذ بالنظام الفردي وفقط للحيلولة دون تسرب الإخوان للبرلمان، وبين من يعترضون علي نظام القائمة المطلقة ويطالبون بالقائمة النسبية. إن الغريب في الأمر أن كافة المختلفين قد اتفقوا فيما بينهم علي أن نسبة تمثيل المرأة '24 نائبة' في القوائم الثمانية المطروحة، هي نسبة كافية ومتجاهلين عن عمد دور المرأة في الثورة وفي الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والمشاركة المجتمعية، وهو أمر سوف يضع الجميع أمام مأزق كبير، في ظل حالة رفض نسائي عارمة لهذا التمثيل المتدني، والذي يعكس تهميشًا للمرأة ودورها. إن التحديات التي تواجه الأحزاب والقوي السياسية في الوقت الراهن هي تحديات كبيرة، خاصة أن هذه القوي إذا لم تتوصل فيما بينها إلي صيغة توافق حول القانون وحول قوائم الترشيح سواء كانت الفردي أو القائمة، فإن ذلك من شأنه أن يفتح الطريق أمام الآخرين للفوز بعدد كبير من المقاعد في البرلمان القادم بغرض إفشال الدولة وإفشال الرئيس.. إن الأموال المرصودة من قبل هذه التيارات المعادية للانتخابات البرلمانية سوف تفاجئ الكثيرين وهي أمور بالقطع سيجري استغلالها لصالح مرشحي هذه الجماعات بقصد وصولها إلي ساحة البرلمان. وإذا كانت القوي المعادية 'الإخوان والمتحالفون معهم' قد فشلوا في عرقلة انتخابات الرئاسة، فإنهم يرون أن الساحة الحقيقية للصراع هي انتخابات مجلس الشعب المقبل.. فهل ينجحون؟!