نجحت المخابرات المصرية في تحقيق المفاجأة، والصفعة، والهدف، في آن واحد، رغم التقدم المذهل لمخابرات العدو، وحليفته أمريكا. فحقق الجهاز المصري طلقة مدوية من عيار ثقيل ضد عدو ثقيل، موساده يُعَدُّ قويًا بعد المخابرات الروسية والأمريكية والبريطانية والمصرية. فكانت قفزة مذهلة في تاريخ جهاز مذهل، علما بأن المخابرات المصرية لم تكن تلعب فقط مع الموساد، ولكنها كانت تلعب أيضًا مع المخابرات الأمريكية في نفس الوقت وبصفة مباشرة. غير أن خطة الخداع الاستراتيجي التي صنعتها المخابرات المصرية العريقة، حطمت أسطورة الموساد والCIA المصنفين من أكبر أجهزة المخابرات بالعالم. وحدث ذلك بالعقلية المخابراتية المصرية الفتاكة، لجهاز مصري عتيد، خدع كل أجهزة العدو المتطورة، كما خدعهم في موعد الحرب والإجراءات الوهمية، وخطط الخداع الذكية حتي تأكد الموساد والعالم أن الجيش المصري لن يقدر ولن يقوي علي التحرك. وخصوصًا أن إسرائيل اعتمدت في دعايتها علي الحرب النفسية وعلي حالة التفوق العسكري في مختلف الأسلحة ونشوة انتصارهم في حرب يونية. واستطاعت مصر قطع الذراع الطويلة لإسرائيل، وتدمير خطوط الدفاع الإسرائيلية في الساعة الأولي للحرب. ونجح الجندي المصري بإيمانه بالله ووطنه وقضيته، في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، بل أسر قياداته. العقلية المخابراتية المصرية، تستطيع أن تقول الآن: نعم أقدر.. نعم أستطيع.. نعم أنتصر ولا أنكسر.. أقهر المستحيل.. وأمحو كلمة مستحيل. والدليل علي ذلك أن مخابراتنا وجدت حلًا لمشكلة أنابيب النابالم وسد الفتحات من خلال نوع من الخشب يشرب الماء، وينتفخ لسد هذه الفتحات. وبالفعل نجحوا في غلقها يوم 5 أكتوبر73. علمًا بأن الجيش الإسرائيلي كان يُقدم يوميًا علي تجربة صباحية قبل طلوع الشمس، من أجل اختبار أجهزتها الفولاذية. وفي 5 أكتوبر، أي بعد سد الفتحات من قِبل رجالنا الأشاوس، كرر الجيش الإسرائيلي التجارب، وظلوا يحاولون ويحاولون حتي العاشرة ليلًا، وعجزت عقولهم الضعيفة، وخبراتهم القليلة، وذكاؤهم المحدودة، عن معرفة السبب. وظلوا عاجزين، مغيَّبين غير نابهين أو منتبهين، حتي جاءوا بالضابط الإسرائيلي الذي صنع هذه الأنابيب. ولكنها كانت الخيبة والحسرة والألم. فكانت صفعة جديدة من المخابرات المصرية علي وجه الموساد.وقبل أن يصل الضابط إلي القناة، هاجمت قواتُنا المسلحة إسرائيلَ، وعبرت القناة، وأسرت هذا الضابط، وعلمت المخابرات المصرية تفاصيل ما حدث. ولا ننكر أن تخوفات كانت في القلوب، من أن تتحول القناة إلي جهنم وتحرق جنودنا بهذا النابالم، إن لم تنجح الخطة المخابراتية المصرية، لأنها من أصعب العمليات العسكرية علي الإطلاق، وأكثرها أخطارًا وخسائر، خاصة أن القناة ذات طبيعة خاصة، ومواصفات معينة: عرضها 200 متر، وشواطئها عمودية، فيصبح من المستحيل استخدام المعدات البرمائية. بالإضافة إلي المانع الترابي الذي يقع علي الشاطئ الغربي، الذي يبلغ طوله من 20 إلي 25 مترًا عموديًا علي القناة، وتعلوها تحصينات خط بارليف، المحصنة بالدشم والقطع الخرسانية القوية، والمجهزة بالنابالم علي سطح القناة بدرجة حرارة 700 درجة مئوية، بارتفاع متر ونصف، فأكدت العسكرية الأمريكية والروسية والبريطانية استحالة عبور هذا المانع الترابي الخرساني الذي لا يُحطَّم إلا باستخدام القنبلة الذرية. وكانت صفعة المخابرات المصرية موجهة بالدرجة الثانية إلي وجه هذا الأبله موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي وقف علي خط بارليف متجرئًا علي أسياده المصريين، ومتطاولًا علي المخابرات المصرية 'EID' وقال: 'بنينا مقابر للجيش المصري'، ولكن شاء العلي القدير بفضله ثم بفضل ذكاء مخابراتنا الداهية، أن تكون مقبرة لمن بناها وشيّدها. وهو نفسه ديان الذي قال إن المخابرات المصرية أسطورة وهمية، نجحت في استخدام العنصر البشري، في خطة الخداع والتضليل وإخفاء نيات الحرب، والحصول علي معلومات هائلة عن الجيش الإسرائيلي، رغم عدم امتلاكهم وسائل متقدمة، أو طائرات استطلاع، أو حتي الحصول علي معلومات من دول كبري، رغم المقارنة التي تمت بين الجيش المصري والإسرائيلي، وتبين التفوق الإسرائيلي في الطيران والدبابات والصواريخ والمد الأمريكي، بكل ما هو حديث وجديد.ولم تجد المخابرات المصرية أمامها سوي استخدام الإنسان، والعقلية المصرية، والذكاء المخابراتي، الذي تفوق علي كل شيء. وهنا يأتي الدور البطولي للمواطن السيناوي، الذي سيحكي تاريخهم الوطني الجهادي الحقيقي بكل فخر وإعزاز للأبناء والأحفاد والأجيال المتعاقبة، حتي يعلموا ماذا يستطيع أن يقدم السيناوي لوطنه مصر. فقامت المخابرات الحربية بتأسيس 'منظمة سيناء'، وتجنيد عدد كبير من أبنائها شمالًا وجنوبًا، لتزويدها بالمعلومات. ثم بدأ أبناء سيناء يتوافدون أفواجًا بالملابس البدوية متطوعين، ومستعدين لتقديم أرواحهم، وأبنائهم، وأموالهم، لخدمة وطنهم. ليبرهنوا علي أن الوطن ليس حفنة من تراب عفن كما قال عاكف. وبالفعل قامت المخابرات بتدريبهم علي أجهزة اللاسلكي، وكيفية الإرسال والاستقبال بالشفرات، والبقاء المستمر خلف خطوط العدو، وقام رجال المخابرات الحربية الأسطورة، بتأسيس كتيبة استطلاع معلوماتية بحتة خلف خطوط العدو، مدربة علي العمل المخابراتي الحربي، وخصوصًا عما يحدث في سيناء، ومراقبة حركة المطارات، ومخازن الطوارئ، ومناطق الحشد العسكري، وتحركات القيادات الإسرائيلية. وبقيت هذه الكتيبة الاستطلاعية المخابراتية حتي انتهاء الحرب، وكانت منظمة سيناء هي التي تتولي إعاشتها. وأردت أن أذكر الدور السيناوي، لأن بعض الحاقدين يحاولون التشكيك في دور أبناء سيناء في حرب 73، فكانوا الورقة الرابحة في حرب رابحة، وقدموا كل ما يملكون لخدمة مصريتهم وفي مقدمتها أنفسهم وبنيهم، وعكس ذلك هي محاولات إسرائيلية واضحة ومكشوفة، لتشويه المواطن السيناوي، لزرع الفتنة والحقد بين أبناء سيناء مع إخوانهم من باقي المصريين. ولم ينجحوا وسوف لا ينجحون. المتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي [email protected]