الموروث الثقافي المُبتلي به صعيد مصر ألا وهو تلك النظرة الاستعلائية بين القبائل المتوطنة بالصعيد والتباهي بالنسب الذي يشحن النفوس بالنظرة الدونية للآخر هو الدافع الرئيسي للمشاحنات والتناحرات التي تؤدي لا محالة إلي التقاتل وإهراق الدماء، أسوان تلك المدينة الهادئة التي يحج إليها سائحو العالم قلما عرفت طريق التقاتل وحمل السلاح، إذن ما الذي حدث بأسوان؟ كيف تحولت تلك البقعة الهادئة إلي ساحة للقتال أريق فيها دم نحو مائة فرد فارق منهم الحياة 23 فرداً لا ذنب لهم ولم يكونوا طرفاً في الصراع الدائر والأحداث المشتبكة. بداية المأساة مجزرة أسوان التي راح ضحيتها مائة فرد بين قتيل وجريح بدأت في حقيقة الأمر بتدوينة علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي لتنتقل بعدها إلي جدران مدرسة أسوان الثانوية الصناعية المشتركة يوم الأربعاء حيث فوجئ الطلاب بعبارات مسيئة وخادشة للحياء تمس سمعة بنات إحدي القبائل، تم الاشتباك بين الطلاب وانتهي بقرار منع الدراسة يوم الخميس في عدد من المدارس التي يدرس بها بها أبناء قبائل النوبة والهلايل منعاً للاحتكاك، وعقب صلاة الجمعة كانت هناك جلسة للصلح بالدابود معقل النوبيين، حدثت مشادة أثناء الجلسة قام علي إثرها الهلايل بقتل 3 من النوبيين من بينهم إمرأة حامل واثنان لاعلاقة لهم بالأحداث، تدخل الأمن وفشل في بداية الأمر. الفريق المجهول ثاني أيام الفتنة اقتحم فريق مجهول المدرسة الميكانيكية مدججين بالأسلحة البدائية ثم خرجوا من المدرسة منقسمين لفريقين، فريق اتجه لسوق القوصية واعتبر الهلايل أن النوبيين هم من اقتحم السوق، وفريق آخر اتجه للجهة البحرية بمنطقة خور عواضة المعروف بسوق القش، واعتبر الهلايل أن المقتحمين يقصدونهم، من هنا ازدادت الفتنة اشتعالاً. عقب الأحداث قام فريق من الهلايل بإطلاق النار عشوائياً سقط علي إثر ذلك ثلاثة أفراد. رد الدابوديون المنتمون لقبائل النوبة باحتجاز أربعة رهائن من الهلايل بأحد المساجد لاعلاقة لهم أيضاً بالأحداث، قام الهلايل بدورهم باحتجاز فرد من الدابوديين النوبيين، تدخلت الأجهزة الأمنية وتم تحرير الرهائن. قام الهلايل بقتل فرد من النوبة وتم دفن جميع الجثث مساء. المجزرة الكبري فجر السبت وقعت المجزرة الكبري، رداً علي قتل الهلايل عدد من النوبيين، حيث اقتحم النوبيون منازل الهلايل في إحدي العمارات القريبة منهم بمنطقة خور عواضة حيث يتجمع الهلايل وقاموا بقتل عدد كبير بالأسلحة البيضاء في مجزرة يندي لها الجبين، وتم حمل الجثث علي عربة كارو ودماؤهم تنزف علي الأسفلت. بلغ عدد الضحايا في المجزرة 16 قتيلاً من الهلايل و7 قتلي من الدابود النوبيين، تم دفن 4 جثث حتي الآن وما تزال بمشرحة اسوان 19 جثة لم تدفن بعد. ابحث عن مروجي الفتنة ما حدث بأسوان وأصبح حديث الساعة الذي بثته الفضائيات و تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت لم ترد به إشارة من قريب أو بعيد إلي مصدر الفتنة ومؤججها، ولم تصل إليه الأجهزة الأمنية حتي الآن، إنه فرد واحد تسلل في جنح الليل وقام بتدوين عبارات خادشة للحياء ماسة بالأعراض ضد الدابوديين وهم فصيل من النوبة، الدليل علي أن من قام بالتدوين هو شخص واحد هو توحد الخط وأداة الكتابة علي الجدران داخل وخارج المدرسة، من قام بتدوين تلك العبارات دارس جيد ومتوقع تماماً لما سوف تسفر عنه هذا المسلك ويعلم عواقب فعله، فمن سمح له بالتسلل إلي المدرسة في جنح الليل وأعانه علي الكتابة الخادشة للحياء التي أشعلت فتيل الفتنة. النظرة الاستعلائية والغل القديم أسوأ ما ابتلي به صعيد مصر هو تلك النظرة الاستعلائية بين القبائل والتباهي بالأنساب، فحين تقع مشادة كلامية بين اثنين ينتميان لقبيلتين مختلفتين، تتطور هذه المشادة الكلامية إلي تشابك بالإيدي تنتهي إلي حمل الأسلحة وإفراغ الذخيرة عشوائيا في الخصم وكل من ينتمي لفصيله، والوازع الشيطاني هنا والدافع الرئيسي للاقتتال هو النظرة الدونية التي ينظرها كل فصيل للآخر، فهذا يري أن علي الخصم أن يلزم حدود الأدب في التعامل مع الآخر لأن الآخر يعلوه نسباً وصهراً، والآخر يرد ذات النظرة لخصمه، من هنا يحتدم الصراع الذي يقود إلي سلسال دم لا ينتهي. يقول الشيخ كمال تقادم الجعفري النائب السابق وعضو لجنة المصالحات: وراء كل الكوارث التي تحدث بالصعيد هو سهولة تناول السلاح، وقلت ذلك بالأمس بحضور السيد رئيس الوزراء واللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية والواء محمد إبراهيم وزير الداخلية في الاجتماع الخاص بتلك الأحداث إن السلاح هو المحرض الأول وهو الدافع الرئيسي في كل ما يقع بالصعيد من جرائم ثأرية، وهذا السلاح تضاعف بكميات كبيرة عقب الثورة وقبلها، لأن أسوان هي المحافظة الأولي التي تستقبل السلاح القادم من السودان لكونها منطقة حدودية، وعلي الشرطة المبادرة بجمع هذه الأسلحة من خلال عواقل القبائل وقياداتها.