القرار أصبح وشيكًا وإعلان موسي لملامح البرنامج الانتخابي يؤكد ذلك!! أربعة تحديات رئيسة تواجه المشير: المخططات الأمريكية ومحاولة إدماج الإخوان مجددًا.. الإرهاب والانفلات الأمني والأخلاقي.. وتردي الأوضاع الاقتصادية والمطالب الفئوية.. وأيضًا الطابور الخامس في السياسة والإعلام ساعات قليلة، ويعلن المشير السيسي نبأ ترشحه لرئاسة الجمهورية، إنه القرار الذي ينتظره الشعب المصري، رفض المشير الإعلان قبل انتهاء لجنة الانتخابات الرئاسية من مهامها ثم بعد ذلك لم يكن أمامه من خيار. تساءل الكثيرون، تعددت الآراء والتحليلات، كان رأي البعض أن المشير قد يفاجئ المصريين ولا يقدم علي الترشح، وكان رأي آخرين أن الرجل متردد في اتخاذ القرار، بينما رأي كثيرون أن الرجل لا يمكن أن يخذل الشعب المصري، ويترك البلاد فريسة للفوضي والمؤامرات!! دعونا نقل أولاً إن المشير السيسي لم يكن أبدًا يرد في خياله أنه سيترك قيادة الجيش، ليرشح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية، كان الرجل يدرك عظم المسئولية وخطورتها وكان يعرف أن الأوضاع المجتمعية التي تعيشها البلاد لن تمنحه الفرصة لإدارة شئون البلاد بما يحقق أمنها واستقرارها، وكان علي ثقة بأن مشاكل مصر أكبر من أن يجري حلها في عام أو عامين. في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، أقامت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا احتفالاً فنيًا بنادي الجلاء في الذكري الأربعين لانتصار أكتوبر 1973، وفي الصالون الخاص تمت دعوتي مع د.محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم ود.أحمد زكي بدر الوزير الأسبق إلي جلسة سبقت الاحتفال بحضور المشير السيسي والفريق صدقي صبحي وقادة الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة. يومها سألت المشير السيسي، عن رؤيته لما هو قادم، كنت أريد أن أفتح مجال الحوار معه، واسمع رؤيته ومدي استجابته لمطلب الشعب المصري بدعوته للترشح لانتخابات الرئاسة. قال المشير: أنت تعرف حجم المشاكل التي تعاني منها البلاد، الشعب المصري حرم كثيرًا وتعرض للظلم كثيرًا، إن جملة ما يتم صرفه في مجال الموازنة العامة هو بالضبط لا يساوي أكثر من %10 من حاجة المصريين، البلد يحتاج إلي إمكانات كبيرة والوضع الاقتصادي لا يساعد، كما أن الانفلات الحادث في البلاد يزيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية سوءًا. قلت له يومها: لكن مصر قادرة علي الخروج من كبوتها؟! قال: أنا معك ولكن مفاصل الدولة 'فكت' وهذا هو الخطر. راح المشير يتحدث في هذا الوقت برؤية ثاقبة، وفهم عميق لمشاكل الواقع المصري، كأنه كان يقول: 'كان الله في عون كل من يتحمل المسئولية'، لذلك عندما دخل إلي قاعة الاحتفال وصفق الحاضرون بشدة، كان سعيدا للغاية، وقال: 'أنا محتاج منكم شوية معنويات'!! في هذا الوقت وقف بعض الحاضرين ليطالبوه بحسم موقفه وإعلان موافقته علي مطلب الشعب بترشيحه لانتخابات الرئاسة، فقال: 'ليس المهم الشخص الذي سيحكم ويجري انتخابه، لكن الأهم هو كيف نحل سويًا المشاكل التي تواجهها مصر في الوقت الراهن'؟ كان المشير يعرف تمامًا، أن القضية ليست فقط كرسي الرئاسة، ولكن الأهم والأخطر هو كيف يحقق النجاح ويضع حدًا للأزمات المتفاقمة حال وصوله لمقعد الرئاسة؟! وفي هذا اللقاء القي السيسي خطابًا لم تتم إذاعته وتحدث فيه عن ثلاث نقاط هامة تحدد أبعاد المؤامرة وتبعث الأمل في النفوس. كانت النقطة الأولي متعلقة بالمخطط الذي كان يستهدف تفكيك الجيش، وهو مخطط سبق حتي حكم جماعة الإخوان، نظر إلي الضباط والجنود الذين كانوا يشاركون في الحفل وأشار إليهم بيده وقال: 'أنتم المقصودون يا أولادي، جيشكم الوطني الشريف هو المقصود، ومع ذلك أنا أقول بكل الثقة 'لقد فشل المخطط، وسيبقي جيشنا قويًا وموحدًا ومتماسكًا ليحمي مصر وليحمي شعبها. أما النقطة الثانية فقد تحدث فيها المشير عن الأمل رغم الأزمات والمشاكل، عن قدرة هذا الشعب علي قهر المستحيل رغم المؤامرات التي تحيط بنا من كل اتجاه، قال 'عندما أقول' إن مصر أم الدنيا وحتبقي أد الدنيا' هذا ليس معناه أنني أبالغ أو أقول كلامًا بعيدًا عن الواقع، 'لا.. هذا ليس صحيحًا'، وإلا ما كانت مصر قد نجحت في الخروج من هزيمة 67، إلي نصر أكتوبر 73. قال السيسي: 'عندما أطلق عبد الناصر شعار 'إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة' لم يكن يظن أن النصر سيتحقق بين يوم وليلة، ولكنه اجتهد واجتهد معه الجيش والشعب حتي تحقق النصر بعد وفاته'، ولذلك قال السيسي 'إن شعار مصر حتبقي أد الدنيا' إن لم يتحقق في حياتنا فحتمًا سيتحقق في جيل آخر، المهم أن نعمل من أجل هذا اليوم'. صفق الحاضرون بكل قوة، انطلقت الأصوات من القاعة وكأنها تشد علي يديه. وكانت النقطة الثالثة التي تحدث عنها 'السيسي' في هذا اللقاء هي المتعلقة ب'الخيانة والخونة'، قال 'أنا لم أشهد كذبًا وتجنيًا في حياتي كما شهدت خلال الشهور الأربعة الماضية'، كان السيسي يقصد جماعة الإخوان وممارساتها وجرائمها الإرهابية والادعاء بالباطل والأكاذيب وسرد معلومات غير صحيحة في تناولهم للأحداث التي شهد بها الجميع. كانت أحداث جامعة الأزهر تتصاعد في هذا الوقت، وكان السيسي يعرف أن المخطط سيمتد إلي بقية الجامعات بعد فشل الإخوان في الحشد الجماهيري، ولذلك أوصي بالحوار مع الطلاب، وقال 'هؤلاء أبناؤنا ولابد أن يعرفوا حقائق الواقع بكل صراحة ووضوح' كان السيسي يدرك التفاصيل ويعرف الحقائق، لذلك ظل مترددًا طيلة هذا الوقت، كان يعيش لحظة صراع حاسمة بين مسئولية 'خطرة'، وتحديات تواجه الوطن وتلزمه بالاستجابة لإرادة الشعب'!! وأمام تداعي الأحداث، وتصاعد المؤامرات، كان طبيعيًا أن يتخذ المشير قراره ويحسم أمره، خاصة بعد نتيجة الاستفتاء التي وصلت إلي %98.1 قالوا 'نعم'، وكذلك الحال المظاهرات العارمة التي خرجت في أعقاب الاحتفال بالذكري الثالثة لثورة 25 يناير والتي كلفت المشير بالترشح للانتخابات الرئاسية. ظل الشعب ينتظر إعلان القرار، حتي جاء بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة الصادر في 27 يناير الماضي، والذي كان بداية أول إعلان جاد من المشير بموافقته علي الترشح والاستجابة لمطلب الشعب المصري. ومنذ هذا الوقت لم يتوقف الجدل حول موعد الإعلان الرسمي وأسباب التآخر في الإعلان، خاصة بعد أن حسم رئيس الدولة الأمر واستجاب لمطلب الأحزاب والقوي الوطنية والشعبية بإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً. كثفت أمريكا من هجومها علي السيسي، سعت لدي أطراف عربية وإقليمية عديدة لاقناع المشير بعدم الترشح، إلا أن هذه الأطراف رفضت التدخل في الشئون الداخلية لمصر، وقالت 'إن هذا هو قرار الشعب المصري'. أدركت واشنطن أن كل جهودها ذهبت سدي، وعندما قام المشير السيسي بزيارة مفاجئة إلي روسيا، وتحدث معه بوتين عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، راحت الإدارة الأمريكية تصدر بيانًا تطالب فيه روسيا بعدم التدخل في الشئون الداخلية المصرية، مع أنها تدرك من الذي يتدخل ومن الذي يحاول فرض أجندته؟!! كانت المخاوف كبيرة، وكانت الجماهير تطلب من السيسي الاسراع بالترشح لحسم الأمر، لكن المشير كان يري ضرورة الانتظار لحين انتهاء الإجراءات التنفيذية للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وأيضًا بعض الترتيبات الأخري داخل القوات المسلحة المصرية. وبعد صدور قانون الانتخابات الرئاسية، وانتهاء الجدل حول ما يسمي بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية كان طبيعيًا أن ينتظر الناس الإعلان بين لحظة وأخري. وعندما خرج السيد عمرو موسي ليتحدث عن ملامح البرنامج الانتخابي للسيسي أدرك المصريون أن اللحظة قد حانت وأن القرار سوف يعلن بين ساعة وأخري. لقد أشاد الكثيرون بالخطوط والتوجهات العريضة لهذا البرنامج الانتخابي، إلا أن إعلان السيسي عن برنامجه كاملاً حتمًا سوف يكون نقطة فاصلة، ولذلك فإن الجماهير تنتظر هذا البرنامج بفارغ صبر، لأنه سيحدد حتمًا طريق المستقبل، ويعيد بعث الأمل في النفوس. إن التفاف الجماهير حول المشير السيسي لا يأتي من فراغ، ولكن تفرضه ضرورات اللحظة الراهنة وتحدياتها، ومع ذلك رغم ثقة الجماهير في المشير ومواقفه وقدراته، إلا أنها أبدًا لا تضمن استمرار هذه الثقة إلا بمقدار الالتزام بمطالبها وتطلعاتها. وإذا كانت المعركة الانتخابية 'سهلة' بالنسبة للمشير، إلا أن التحديات التي ستواجهه في مرحلة ما بعد الفوز لن تكون سهلة، صحيح أن الشعب بعد أن أدرك حقيقة المخطط سيعطي الفرصة كاملة للمشير حال فوزه في الانتخابات، إلا أن ذلك مرهون بالقدرة علي الانجاز والتعبير عن أماني المصريين جميعًا. إن قرار إعلان السيسي عن الترشح، لن يكون فاصلاً في حياته وحده وفقط، ولكنه سيكون قرارًا فاصلاً في حياة الوطن بأسره، وسيمثل بداية لمرحلة جديدة، نستعيد فيها الوطن بأكمله، ويعرف كل منا حدود مسئولياته، ونتكاتف جميعًا في خندق واحد، ونكشف الطابور الخامس الذي يسعي إلي الفوضي واسقاط الدولة ونواجهه بكل حسم وقوة. هنا يمكن أن ينجح السيسي ويحقق الحلم، أما إذا استمر حال البلاد كما هو، وظل الانفلات هو السائد، ولم تتوقف الاضرابات والمظاهرات الفئوية، فاعلم أن الفشل قادم بلا جدال. إن إعلان السيسي لترشحه سوف يحدث هزة في كافة الأوساط الإقليمية والدولية والمحلية علي النحو التالي: واشنطن ستعلن أنها لن تتدخل في الشئون الداخلية المصرية وأن من حق الشعب المصري اختيار قيادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة تخضع لرقابة محلية ودولية، إلا أنها ستطرح بالتأكيد مسألة عودة الإخوان للساحة من جديد. لقد سأل الرئيس محمود عباس 'أبو مازن' الرئيس الأمريكي أوباما خلال لقائه معه مؤخرًا عن موقفه من مصر فقال أوباما 'أعرف أن السيسي سيرشح نفسه وسيفوز في الانتخابات الرئاسية ونحن سندعمه' ولكن من المهم أن يكون هناك دور للإخوان المسلمين. وقال أوباما 'لا يجب أن ينتقم السيسي من أناس أيدوا قدومه للحكم مثل الصحفيين والمجتمع المدني لأن ذلك يخلق تحديًا كبيرًا ويحرجنا كإدارة أمام الكونجرس'. وقال أوباما 'رغم ذلك سنستمر في تقديم المساعدات العسكرية لمصر'، وأنا قلق من الوضع السياسي والاقتصادي الحالي في البلاد، ومع ذلك أقول 'نحن واقعيون في نهاية الأمر'. إن هذا الكلام يعكس نظرة واقعية للإدارة الأمريكية بعد أن فشلت في إثناء السيسي عن عزمه للترشح، وكذلك بعد أن أدركت تمسك الشعب المصري به، إلا أن ذلك لا يعني نهاية المخطط، بل إن لواشنطن أساليبها العديدة والمتعددة، وأظن أن المطالبة بعودة الإخوان إلي الساحة هي واحدة من تلك الأساليب التي تريد واشنطن من خلالها شق الصف وضمان عودة الجماعة الإرهابية إلي الساحة السياسية والبرلمان مرة أخري حتي تكون حاضرة تطورات المشهد المستقبلي. إن ذلك في تقديري هو السبب الأساسي وراء المبادرة التي طرحها د.جمال حشمت القيادي الإخواني والتي أبدي فيها استعداد الجماعة لتقديم تنازلات سياسية مقابل مكاسب إخوانية، بما يؤكد التنسيق المشترك بين الطرفين الأمريكي والإخواني. أما جماعة الإخوان فسوف تسعي حال ترشح السيسي إلي التصعيد من خلال عمليات إرهابية نوعية، إلا أنها وبعد أن فقدت قدرتها علي الحشد وتراجع أعداد المنتفعين ونجاح الأمن في تجفيف العديد من منابع التمويل تراجعت كثيرًا عن ذي قبل، كما أن النجاح في القبض علي الكوادر الحركية كان له دور كبير في حالة الارتباك التي تسود الجماعة. ويتوقع أيضًا انهيار ما يسمي ب'تحالف دعم الشرعية'، خاصة أن هناك قوي مؤثرة في هذا التحالف بدأت تعلن وتتبني مواقف مخالفة لجماعة الإخوان، وكان آخر هذه القوي الجماعة الإسلامية التي رفعت شعار 'لا للتكفير ولا للتفجير'!! وفي مقابل ذلك سوف يسعي بعض الإعلاميين والصحفيين والسياسيين والحقوقيين، ممن ينتمون لما يسمي بالطابور الخامس شن حملة الهدف منها التشكيك في موقف الدولة من نزاهة الانتخابات ومحاولة الإساءة للمشير السيسي وقس علي ذلك، وهؤلاء يخدمون بمواقفهم تلك أجندة معروفة بعضها مرتبط بالإخوان وبعضها مرتبط بمخطط الشرق الأوسط الجديد والسياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أن هذه العناصر وإن كانت هي الأعلي صوتًا، إلا أن مصداقيتها لم يعد لها وجود في الشارع الذي يتعامل مع هؤلاءعلي أنهم 'خونة' يقفون في الخندق المعادي للمصلحة الوطنية. وهناك أيضًا حالة الانفلات المجتمعي والمظاهرات الفئوية وهي واحدة من التحديات المهمة التي ستواجه المشير، خاصة أنه لن يستطيع الاستجابة لهذه المطالب المستحيلة في ظل استمرار تردي الأحوال الاقتصاية في البلاد، إلا أن السيسي يراهن علي وطنية هذه الفئات وإدراكها لمخاطر اللحظة، وسوف يطلب منها فسحة من الوقت حتي يستطيع تطبيق برنامجه الاقتصادي والاجتماعي وتحسن الأحوال في البلاد. إن كل هذه التحديات وغيرها ستكون حاضرة بمجرد أن يعلن المشير ترشحه، خاصة أنها لم تغب عن المسرح السياسي طيلة السنوات الثلاث الماضية، غير أن السيسي سيكون قادرًا علي التعامل معها بذكاء وحسم وموضوعية.