أظهرت دراسة حديثة أن الغيرة هي العامل المشترك في الكثير من المشاكل النفسية عند الأطفال ويقصد بذلك الغيرة المرضية التي تكون مدمرة للطفل والتي قد تكون سبباً في إحباطه وتعرضه للكثير من المشاكل النفسية. والغيرة أحد المشاعر الطبيعية الموجودة عند الإنسان كالحب، ويجب أن تقبلها الأسرة كحقيقة واقعة ولا تسمع في نفس الوقت بنموها، فالقليل من الغيرة يفيد الإنسان، فهي حافز علي التفوق، ولكن الكثير منها يفسد الحياة، ويصيب الشخصية بضرر بالغ، وما السلوك العدائي والأنانية والارتباك والانزواء إلا أثراً من آثار الغيرة علي سلوك الأطفال، ولا يخلو تصرف طفل من إظهار الغيرة بين الحين والحين، وهذا لا يسبب إشكالا إذا فهمنا الموقف وعالجناه علاجاً سليماً. أما إذا أصبحت الغيرة عادة من عادات السلوك وتظهر بصورة مستمرة فإنها تصبح مشكلة، ولاسيما حين يكون التعبير عنها بطرق متعددة والغيرة من أهم العوامل التي تؤدي إلي ضعف ثقة الطفل بنفسه، أو إلي نزوعه للعدوان والتخريب والغضب. والغيرة شعور مؤلم يظهر في حالات كثيرة مثل ميلاد طفل جديد للأسرة، أو شعور الطفل بخيبة أمل في الحصول علي رغباته، ونجاح طفل آخر في الحصول علي تلك الرغبات، أو الشعور بالنقص الناتج عن الإخفاق والفشل. والواقع أن انفعال الغيرة انفعال مركب، يجمع بين حب التملك والشعور بالغضب، وقد يصاحب الشعور بالغيرة إحساس الشخص بالغضب من نفسه ومن إخوانه الذين تمكنوا من تحقيق مآربهم التي لم يستطع هو تحقيقها. وقد يصحب الغيرة كثير من مظاهر أخري كالثورة أو التشهير أو المضايقة أو التخريب أو العناد والعصيان، وقد يصاحبها مظاهر تشبه تلك التي تصحب انفعال الغضب في حالة كبته، كاللامبالاة أو الشعور بالخجل، أو شدة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقد الشهية أو فقد الرغبة في الكلام. فالغيرة هي ليست الرغبة في الحصول علي شئ يملكه الشخص الأخر، بل هي أن ينتاب المرء القلق بسبب عدم حصوله علي شئ ما.. فإذا كان ذلك الطفل يغار من صديقه الذي يملك الدراجة، فذلك لا يعود فقط إلي كونه يريد دراجة كتلك لنفسه بل وإلي شعوره بأن تلك الدراجة توفر الحب.. رمزاً لنوع من الحب والطمأنينة اللذين يتمتع بهما الطفل الأخر بينما هو محروم منهما، وإذا كانت تلك الفتاة تغار من صديقتها تلك ذات الطلعة البهية فيعود ذلك إلي أن قوام هذه الصديقة يمثل الشعور بالسعادة والقبول الذاتي اللذين يتمتع بهما المراهق والتي حرمت منه تلك الفتاة. ولعلاج الغيرة أو للوقاية من آثارها السلبية يجب: - التعرف علي الأسباب وعلاجها. إشعار الطفل بقيمته ومكانته في الأسرة والمدرسة وبين الزملاء تعويد الطفل علي أن يشاركه غيره في حب الآخرين. تعليم الطفل علي أن الحياة أخذ وعطاء منذ الصغر وأنه يجب علي الإنسان أن يحترم حقوق الآخرين. تعويد الطفل علي المنافسة الشريفة بروح رياضية تجاه الآخرين. بعث الثقة في نفس الطفل وتخفيف حدة الشعور بالنقص أو العجز عنده. توفير العلاقات القائمة علي أساس المساواة والعدل، دون تميز أو تفضيل علي آخر، مهما كان جنسه أو سنه أو قدراته، فلا تحيز ولا امتيازات بل معاملة علي قدم المساواة تعويد الطفل علي تقبل التفوق، وتقبل الهزيمة، بحيث يعمل علي تحقيق النجاح ببذل الجهد المناسب، دون غيرة من تفوق الآخرين عليه، بالصورة التي تدفعه لفقد الثقة بنفسه. تعويد الطفل الأناني علي احترام وتقدير الجماعة، ومشاطرتها الوجدانية، ومشاركة الأطفال في اللعب وفيما يملكه من أدوات. و يجب علي الآباء الحزم فيما يتعلق بمشاعر الغيرة لدي الطفل، فلا يجوز إظهار القلق والاهتمام الزائد بتلك المشاعر، كما أنه لا ينبغي إغفال الطفل الذي لا ينفعل، ولا تظهر عليه مشاعر الغيرة مطلقاً. وفي حالة ولادة طفل جديد لا يجوز إهمال الطفل الكبير وإعطاء الصغير عناية أكثر مما يلزمه، فلا يعط المولود من العناية إلا بقدر حاجته، وهو لا يحتاج إلي الكثير، والذي يضايق الطفل الأكبر عادة كثرة حمل المولود وكثرة الالتصاق الجسمي الذي يضر المولود أكثر مما يفيده، وواجب الآباء كذلك أن يهيئوا الطفل إلي حادث الولادة مع مراعاة فطامه وجدانياً تدريجياً بقدر الإمكان، فلا يحرم حرماناً مفاجئاً من الامتياز الذي كان يتمتع به. ويجب علي الآباء والأمهات أن يقلعوا عن المقارنة الصريحة واعتبار كل طفل شخصية مستقلة لها استعداداتها ومزاياها الخاصة بها. وتنمية الهوايات المختلفة بين الأخوة كالموسيقي والتصوير وجمع الطوابع والقراءة وألعاب الكمبيوتر وغير ذلك...وبذلك يتفوق كل في ناحيته، ويصبح تقيمه وتقديره بلا مقارنة مع الآخرين. والمساواة في المعاملة بين الابن والابنة، لآن التفرقة في المعاملة تؤدي إلي شعور الأولاد بالغرور وتنمو عند البنات غيرة تكبت وتظهر أعراضها في صور أخري في مستقبل حياتهن مثل كراهية الرجال وعدم الثقة بهم وغير ذلك من المظاهر الضارة لحياتهن. وأيضاً عدم إغداق امتيازات كثيرة علي الطفل المريض، فأن هذا يثير الغيرة بين الأخوة الأصحاء، وتبدو مظاهرها في تمني وكراهية الطفل المريض أو غير ذلك من مظاهر الغيرة الظاهرة أو المستترة.