لم يعد أمامنا خيار آخر، الساعة تقترب، أعرف أنك مهموم، أدرك مخاوفك، الحمل ثقيل، والعبء ليس بالهين.. لكنك مقاتل، لا تستطيع إلا أن تكون فارسًا في الميدان، الوطن في حاجة إليك.. وأنت لها. منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم تعرف الراحة طريقها إليك، لم يكن أحد يعرف تفاصيل الدور، كنت واحدًا ممن أداروا الملف بحكمة واقتدار، كنت تراهن علي المستقبل، وكنت علي يقين بأن الحالة الثورية التي تعيشها البلاد، تحتاج إلي صبر وروية، وليس إلي مواجهة ودماء. وفي ظل حكم جماعة الإخوان، كان همك هو الجيش والحفاظ علي مؤسسات الدولة من الأخونة والانهيار، وعندما حانت اللحظة، كنت جنبًا إلي جنب مع شعب مصر العظيم في ثورته الظافرة في 30 يونية. كنت صادقًا في وعدك، رفضت التدخل، سلمت السلطة لرئيس المحكمة الدستورية، لكن اللحظة استدعتك من جديد، وعندما خرج الشعب في أكثر من مرة، لم يكن أمامك من خيار سوي أن تحترم إرادة المصريين. في السابع والعشرين من يناير كان بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة مؤشرًا، سادت الفرحة جموع الشعب، هنأ الناس بعضهم بعضًا، نمنا ليلة هادئة، تجددت الأحلام في النفوس، رددنا كلماتك النابعة من القلب 'مصر 'أم' الدنيا وحتبقي 'أد' الدنيا'. مضت الأيام ثقيلة، نحن في الانتظار، تضاربت المواعيد، تساءل الناس ماذا يحدث؟ ولماذا لم يعلن المشير قراره؟ سرت شائعات عديدة، قالوا إنها الضغوط ثم قالوا إنها ملفات يجري ترتيبها داخل المؤسسة العسكرية، وقالوا وقالوا وقالوا. كنا علي ثقة بأن هذه الشائعات تستهدف كسر إرادة المصريين، وبث الإحباط في نفوسهم، ساعد علي ذلك بعض البرامج التليفزيونية التي تدس السم في العسل، عاد الطابور الخامس من جديد بصور شتي وبوجوه متعددة، لكننا علي يقين بأن كل هذا 'الغثاء' لا شيء!! سألني أحد الأصدقاء، ماذا لو تراجع المشير في اللحظة الأخيرة، وقال للجميع 'لقد تحملت المسئولية وأديت واجبي وهأنذا أترك لكم الأمر لتقرروا مصيركم'، كان السؤال صادمًا، لم أتخيله، ولا يمكن أن أتوقعه!! أعرف أن الضغوط رهيبة، وأدرك أن المشير السيسي هو 'بشر' يتأثر بالبيئة التي حوله، يدرك أن مشكلات البلاد كبيرة، وأنه ملقي به في أتون هذه النار، وليس أمامه من خيار سوي التصدي والمواجهة. أدرك أن بعض الأصوات 'النشاز' في الإعلام والصحافة تسعي إلي النيل من الرجل، والسخرية من مواقفه وكلماته، أعرف أن هناك من يريد أن يصنع بطولات زائفة ووهمية علي حسابه، لكنهم لا يعرفونه ولا يدركون قدراته علي الصمود والمواجهة. تعرف أن مصر مليئة بالرجال الشجعان والكفاءات المتميزة، لكنك رجل اللحظة، لديك الشروط الثلاثة، القوة والرؤية وثقة الناس، اختبرك الشعب في أكثر من أزمة، وقفت إلي جانبه وانتصرت لإرادته وحميت البلاد من خطر الفتنة والحرب الأهلية، لذلك منحك ثقته، وطالبك بالترشح وخرج إلي الشوارع والميادين ليؤكد ذلك. الأيام المقبلة حتمًا ستحمل بشائر الانتصار للوطن، نحن بالفعل انتصرنا، أسقطنا نظام التآمر والخيانة.. عادت إلينا مصر مجددًا، تم اجتثاث السرطان من الجسد، وما بقي آثار هذه العملية الجراحية الكبيرة، ومن الطبيعي أن يتألم الجسد لبعض الوقت، لكنه حتمًا سوف يتعافي وينتهي الأمر. المصريون تواقون إلي الأمن والاستقرار، وهذا لن يتم إلا باستكمال خارطة الطريق، الكل يستعجل انتخابات الرئاسة، الأيام تمضي ببطء، لكن الحدث قادم بلا جدال، المشير حسم أمره نهائيًا، والأيام القادمة سوف تفتح الطريق لانتخابات رئاسية حرة ونزيهة وستكون مضرب الأمثال. سيحاول 'المتآمرون' تعطيل الانتخابات وعرقلتها.. سوف يستمر إرهابهم، وافتعالهم لبعض الأحداث التي يراد استغلالها إقليميًا ودوليًا، لكن المصريين قادرون علي دحر كل المؤامرت أولاً بأول. بعد الجيش والشرطة، يحاولون الآن التشكيك في القضاء، يسعون إلي إرهاب القضاة، يحرقون سياراتهم ويحاصرون منازلهم، لكن قضاة مصر الذين تصدوا لمحمد مرسي ولجماعته أقوي من أن تنال هذه الأحداث من عزيمتهم وإصرارهم علي تنفيذ حكم القانون والعدالة. نعم إن الوطن يتعرض لمخاطر شتي، وها هي المظاهرات الفئوية تنطلق مرة واحدة، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، لا أحد يشكك في أن الكثيرين قد أهدرت حقوقهم في فترات سابقة، ولكن مخاطر اللحظة توجب علينا جميعًا الانتظار ولو لبعض الوقت!! إن الشعب المصري العظيم، يدرك تماما أن المرحلة القادمة هي مرحلة التحديات الكبري، وأن عبوره لهذه المرحلة سيمثل بداية مهمة في تاريخه الوطني ليس فقط للحفاظ علي الدولة ومؤسساتها المختلفة وإنما أيضا للمضي علي طريق التغيير الكبير نحو المستقبل الذي ينتظر أجيالنا الجديدة.. إن المشير السيسي لم يكن مغاليا في أحلامه عندما تحدث عن أن المصريين قادرون علي أن يجعلوا من مصر 'أد الدنيا' فإمكانات هذا الوطن والبشرية منها تحديدًا كفيلة بأن تحدث نقلة كبري في تاريخ هذا الوطن تجعل من مصر بلدا قويا، يستطيع أن يقود المنطقة إلي آفاق كبري، تعيد للأمة قوتها وتأثيرها الإقليمي والدولي.. إن المصريين عندما يخرجون حاملين صور 'المشير السيسي' لا ينافقون، ولا يصنعون من القائد 'فرعون' جديدًا، إنما هم يعبرون عن حاجتهم لزعيم يقود الوطن في فترة تاريخية تواجه فيها البلاد تحديات ومؤامرات داخلية وخارجية.. إن مواصفات هذا الزعيم تنطبق تماما علي رجل يمتلك الرؤية والقوة وثقة الناس، وهو مستعد في ذلك أن يضحي بكل غال ونفيس من أجل أمن الوطن واستقراره، وحماية له من الانزلاق إلي سيناريو العنف والتفتيت الحادث في ليبيا، أو سيناريو الفوضي الذي تشهده أوكرانيا في الوقت الحالي. يدرك المصريون أن أكثر من ثلاث سنوات مضت من عمر الوطن منذ انطلاقة ثورة الخامس والعشرين من يناير كان ثمنها غاليا، وأن البلاد تعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة ومخاطر أمنية متعددة، ولذلك فإن استمرار هذه الحالة دون حسم ودون قيادة قادرة.. من شأن كل ذلك أن يقود البلاد إلي الفوضي التي لن تبقي ولن تذر. لقد راهنت قوي الشر في الداخل والخارج كثيرا علي الفتنة الطائفية أو الحرب الأهلية، لكنهم أدركوا عن يقين أن ولاء المصري للهوية الوطنية أقوي بكثير من انتمائه الطائفي أو العرقي، ولذلك فشلوا، وهم يحاولون الآن بطرق جديدة وأساليب مختلفة. إن الهدف الذي يجتمع حوله المصريون في هذه اللحظة التاريخية تحديدًا 'هو حماية الوطن والدولة' بغض النظر عن أية خلافات ايديولوجية أو فكرية أو عقائدية، ولذلك كان خيارهم في الاتفاق حول شخصية وطنية يتجسد فيها هذا الهدف، فكان الخيار الذي اجمعت عليه غالبية المصريين هو 'المشير عبد الفتاح السيسي'!! من هنا يأتي القلق، ورغم أن معلومات مؤكدة أشارت إلي أن المشير عازم علي الأمر وأنه لا يستطيع أن يرفض للشعب المصري مطلبًا، إلا أن مخاوف المصريين تتزايد أمام حرب الشائعات التي تنطلق من كل مكان لتشكك في مدي قبول المشير السيسي للترشح.. وإذا كانت هذه المخاوف مشروعة، فإنها تعكس في الجانب المقابل إصرارًا علي المضي قدما للأمام تحت راية قيادة تدرك معني الوطنية وتستطيع بقدرتها وحكمتها قيادة السفينة في هذه الفترة التاريخية الهامة.. إن مصر العظيمة قادرة علي مواجهة التحديات، وهي في ذلك لا تستعين بتراث الماضي فحسب، وإنما تدرك متطلبات الواقع والمستقبل، ولديها القدرة علي دحض كافة المؤامرات، طالما كانت هناك قيادة فذة ورؤية نافذة.. إن مصر مقبلة خلال الشهور المقبلة علي 'التغيير الكبير' الذي سوف يضع أسس الدولة المصرية الحديثة، دولة يكون فيها الحكم للقانون، والعدالة للجميع، والمساواة في الحقوق والواجبات، دولة ناهضة، قادرة علي أن تكون رقما حقيقيا في المعادلة الإقليمية والدولية.