نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا لتأهيل طلابها لسوق العمل    مقارئ وندوات علم.. أوقاف جنوب سيناء تنفيذ البرنامج الصيفي للطفل داخل 60 مسجدا    الإسكان: زراعة 12 ألف شجرة مثمرة ضمن مبادرة الرئيس «اتحضر للأخضر» (صور)    محافظ أسيوط يوجه الإصلاح الزراعي بتكثيف منافذ السلع المتنقلة في الميادين    تكثيف أعمال النظافة بالوحدات المحلية بالزقازيق    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    مدير مستشفى كمال عدوان يحذر من كارثة تواجه شمال غزة    موقف وسام أبو علي من مباراة الأهلي والزمالك    وزيرة التضامن: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان خلال عيد الأضحى    إصابة 10 أشخاص في حريق عقار بالوراق    البوكس أوفيس لأفلام عيد الأضحى، ولاد رزق 3 وأهل الكهف واللعب مع العيال    يوم التروية في الحج.. أهم الأعمال المستحبة والمناسك    وزير الصحة يكلف بالالتزام بجداول نوبتجيات العيد للفرق الطبية والتعامل مع موجة الطقس الحار    وزيرة التخطيط تتابع خطوات إنشاء الصندوق السيادي لقطاع الصناعة    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام أسكتلندا.. هافرتيز يقود الهجوم    الإسكان: بدء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية مياه البحر    رئيس جامعة حلوان يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى المبارك    إخماد حريق داخل منزل فى العياط دون إصابات    32 ألف كادر طبى لخدمة الحجاج.. ومخيمات عازلة للضوء والحرارة    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة بخارية بالمنيا (أسماء)    وزيرة التضامن: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان خلال أيام عيد الأضحى    قصف إسرائيلي وسط بلدة الخيام جنوبي لبنان    القاهرة الإخبارية: استشهاد فلسطينى فى قصف لزوارق حربية إسرائيلية بخان يونس    المجر: «الناتو» يعمل على إنشاء 3 قواعد عسكرية ضخمة لإمداد أوكرانيا بالأسلحة    يوم التروية.. أفضل الأعمال المستحبة والأدعية المستجابة    الحجاج يرتدون ملابس الإحرام اليوم.. والبعثة الرسمية: حجاجنا بخير    أزهري يوضح موعد ذبح الأضحية.. والصيغة الصحيحة لتكبيرات العيد    الأغذية العالمي: موسم الأمطار يعرقل تقديم الدعم بالسودان    «غرفة أزمات مركزية».. خطة وزارة الصحة لتأمين احتفالات عيد الأضحى وعودة الحجاج    إجراء مهم من «هيئة الدواء» للتعامل مع نواقص الأدوية خلال عيد الأضحى    كاميرا القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. فيديو    «لن نراعيه»| رئيس وكالة مكافحة المنشطات يُفجر مفاجأة جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    الجيش الروسى يعلن إسقاط 87 طائرة مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 14-6-2024    صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة بسهل الحولة والجليل الأعلى شمالي إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 14 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري بالتزامن مع إجازة البنوك    إنبي: نحقق مكاسب مالية كبيرة من بيع اللاعبين.. وسنصعد ناشئين جدد هذا الموسم    هاني شنودة يُعلق على أزمة صفع عمرو دياب لمعجب.. ماذا قال؟    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات خلال عيد الأضحى    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    باستعلام وتنزيل PDF.. اعرف نتائج الثالث المتوسط 2024    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    طريقة عمل الفشة في خطوات سريعة قبل عيد الأضحى.. لذيذة وشهية    نجم الزمالك السابق: خلصنا مع أحمد ياسر ريان.. والتعاقد في هذا الموعد (فيديو)    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    هشام قاسم و«المصري اليوم»    محمد محمود عبد العزيز يحتفل بعيد ميلاد شقيقه    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    تحرك نووي أمريكي خلف الأسطول الروسي.. هل تقع الكارثة؟    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    وكيل صحة الإسماعيلية تهنئ العاملين بديوان عام المديرية بحلول عيد الأضحى المبارك    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 14 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا.. وخريطة طريق لنهاية العرب !!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 09 - 12 - 2013

هل قدر العرب أن يكونوا وقود المتغيرات العالمية منذ قرون؟ وهل هذه المتغيرات هي بشكل أو آخر حنين إلي الاستعمار، ومن الاستعمار نفسه...؟ لماذا لا يحسنون العرب قراءة ما يجري حولهم وهم في أغلب الأحيان وقوده، ولو أعملوا التفكير قليلًا لكانوا صناعه وقدوته وحولوه إلي مصلحة قومية عليا في هذه الظروف...
بداية لا بد من الاعتراف بأن الدول العربية في غالبيتها تحتاج إلي عملية إصلاح نظمها السياسية وما يتعلق بمفهوم القانون والمواطن والحريات وتطبيق ذلك، وتحتاج أيضًا إلي الاقتراب أكثر من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية مواكبةً لثقافة العصر، وتحتاج في الوقت نفسه إلي الاستقلال والتحرر من التبعية للخارج.
في المنهج التطبيقي في السياسة نراجعُ المرحلةَ منذ بداية حقبة الربيع العربي المزعوم نهاية عام 2010م وما شهدته من شعارات لم ينسجها الشعب من واقع حياته الوطنية، وحراك قواه الاجتماعية، والروحية، والسياسية بل صُممتْ في الدوائر الغربية الأمر وصهيو أوربية، وقدّمت للعرب ليس حبًا بالتقدم من أجلهم، ولا خوفًا علي مستقبلهم في ظل استبداد السلطة العربية، ولا حماية لحقوقهم الإنسانية، فكل ما حدث كانت إرهاصاته تشير إلي القلق علي إسرائيل في جوٍّ عربي ولو كان مليئًا بالاستبداد لكنه كان محمولًا بالتنمية، وعناصر القوة الوطنية، التي إن تهيّأ لها مَن يوظفها في خندق الصراع العربي الصهيوني توظيفًا صحيحًا، فلن يبقي معها المشروع الصهيوني الإحلالي التوسعي العنصري علي قيد الحياة.
لذلك لم يبقَ أمام مراكز صنع القرار في الدوائر الغربوصهيونية إلا أن تستخدم احتياطييها الدائمين في الحياة العربية في أقطار سايكس بيكو, ونظم سايكس بيكو فصدرت الأوامر وتغيّرت الأدوار مباشرة، وقدمَ كبشَ الفداء عملاء أمريكا في الدول التي صارت بحكم أوضاعها الداخلية تسهل تعميم مقولة الربيع المزعوم. واتضح لكل مواطن عربي أن مهام النضال العربي لم تعد أولوياتها كما كان يعرف في تحرير فلسطين وعدم السماح بتهويدها، وتهويد القدس الشريف، وعودة الحق العربي المغتصب بعد العدوان الصهيوني علي العرب في 5/6/1967.
ومن أغرب ما واجه المواطن العربي هو أن ميديا إعلامية دولية ليست مسبوقة في تاريخ العرب تضخ ليلَ نهار حول استبداد النظم العربية بشعبها، وحق هذا الشعب بالحرية، والديمقراطية، وتقرير مصيره، ولم تأتِ هذه الميديا علي أيِّ ذِكرٍ لاحتلال إسرائيل لأراضي العرب، ولا كيف يمكن تهويدها، ولا كيف تحاصر غزة لتموت جوعًا، لكأن الاحتلال ليست له أي علاقة بالاستبداد.
والمهمة الملحة أمام عرب أمريكا والصهيونيّة فقط هي تدمير أنظمة عربية وصلت إلي نسبة من القوة في الموارد الاقتصادية والبشرية صار يُخشي من استثمارها في الطريق الصحيح. وبعد لعب الأدوار التي رسمت لعرب أمريكا في النظام الرسمي برزت الجامعة العربية مؤسسةً قوية بأقوي قوةٍ شهدتها منذ تشكيلها عام 1945، وصارت النبرة الصهيوأمريكية حول الاستبداد المرفوض بحق المواطن العربي عند ممثلي نظم التخلف والاستبداد عند العرب هي صوت الحق، وأصبح المواطن العربي لا يري إلا نموذجًا واحدًا يؤدي الدور المرسوم للعرب وما عليه سوي الالتحاق به، وأكبر بلد في هذا النموذج بلد لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة، لكنه يدّعي السماح للشعب بقيادة قطار المستقبل.
والتغيير العجيب بالأدوار هو أن كل ما كان يختزنه العقل العربي من المحيط إلي الخليج حول دول التخلف العربي صار مدعوًا لتعزيله من ذاكرته، وتعبئة الذاكرة الجديدة بإسرائيل الصديقة. والممالك، والأمراء الحريصين علي السيادة والاستقلال والحرية، ولو كانوا لا يملكون في بلادهم أي نسبةٍ منها، وهكذا صار الحق باطلًا، والباطل حقًا. والعدو صديقا، والصديق عدوًا، والعميل بطلًا، والبطل مجحودًا، والتهويد ممكنًا، والعروبة مرفوضة.
ومنذ أن دُعيت القوي الحاكمة بالأوامر الصهيوأمريكية لتركيب الدولة الوطنية الجديدة، اتضح من مصر إلي تونس إلي ليبيا أن الاخونة بالرعاية الصهيوأمريكية والاحتياطي العربي العميل هي البديل عن الدولة الوطنية وجماهيرها المتمسكة بالسيادة والاستقلال، فسرعان ما شرع المواطن العربي يقارن بين ما قيل له، وتم التطبيل والتزمير فيه، وما بين الذي يحصل، ويستدعي إزاحة العقل والفهم الصحيح باعتبار أن المواطن العربي في حسابات مراكز القرار الأمروصهيوأوروبي يمكن أن يُساق كما حدث في تاريخٍ إلي مصير مرسوم له من الخارج.
وحتي لا يُعطي هذا المواطن أي فرصة للتفكير النظيف شنوا المعركة الكونيّة علي سورية, وشرعوا بتدميرها، ووضعوا نموذجًا علي المقلب الآخر أمام المواطن العربي حتي يجبر أن يقتنع بمقولتهم 'إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون'. فالخلاص من الدمار والتهجير كما يحدث في سورية، مقابله الخضوع إلي حكم الإخوان كما تريده دول الحلف الأمروصهيوأوروبي، ومع ذلك حين رأي المواطن العربي أن الشعب الأبي في سورية لم يركع ولو دمروه، وقتلوه، وشردوه، استفاق علي حلمه بأمةٍ منتصرة علي طريق سوريا المنتصرة فانقلب السحر، وسطعت شمس الحق، وهزم العملاء في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، والعراق، ولبنان وتغيرت الأدوار، وصار مَنْ في إسطنبول لا يملك أن يبقي علي ما كان قد تلقنه من أسياده، والمُعادل السياسي الحاسم الذي برز هو وطن منتصر بوطنيين وعروبيين، وليس وطنًا لمستتبعين.
إذًا لا شك أن الولايات المتحدة تعرف حق المعرفة أن الدول العربية تحتاج إلي إصلاحات سياسية وغيرها، ولكن الشيء الأكثر أهمية أنها تعارض هذه الإصلاحات لأنها ستؤدي إذا ما كانت فاعلة وحقيقية إلي الإضرار بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة العربية بأسرها. من جهة أخري فإن موجة العداء والكره للسياسة الأمريكية والوجود الصهيوني الغاصب في فلسطين تزداد عمقًا واتساعًا يومًا بعد يوم، ولا سيما في أوساط الجماهير العربية، وإن كانت بعض الأنظمة العربية تسير في ركاب السياسة الأمريكية للحفاظ علي امتيازاتها.
ولهذا عملت الولايات المتحدة ولا تزال باتجاه إجهاض أي عملية إصلاح حقيقية، وذلك من خلال عدة أساليب أهمها: محاولات احتواء أي ثورة أو انتفاضة لتبقي دائرة في فلك السياسة الأمريكية، بمعني إدخال تحسينات خارجية أو سطحية عليها مع الإبقاء علي البنية التحتية الأساسية للأنظمة الحليفة لها واستبدال بعض الشخصيات بأخري دون المساس بجوهر النظام، العمل علي زرع بذور الفتن الطائفية والمذهبية والأثنية والمناطقية بما يساعد علي توسيع شقة الخلاف بين أبناء الشعب الواحد ويؤدي إلي حالة مستمرة من عدم الاستقرار، وقد تتطور الأمور إلي حد الاقتتال بين الطوائف والمذاهب.
وهذا ما يريح الإدارة الأمريكية، ويوفر عليها التدخل المباشر في هذه الدولة أو تلك. وتكثيف الضغوط علي الدول التي تعارض السياسة الأمريكية سواء كانت ضغوطًا سياسية أو اقتصادية، ودعم وتمويل مجموعات محددة لديها مؤهلات واستعدادات للإذعان وللسير وفق اتجاهات السياسة الأمريكية، بالتظاهر، بل بأعمال القتل والتخريب تحت ستار المطالبة بالحرية وبالديمقراطية، وتمدها بالأموال والأسلحة، إلي جانب الدعم الإعلامي لها من خلال بعض المحطات الفضائية المشبوهة التي تلفق الأخبار الكاذبة وتضخم الأحداث بل تختلقها أحيانًا من لا شيء.
لقد أقدمت الإدارة الأمريكية علي اتخاذ إجراءات معينة لاختراق المجتمعات العربية وتفجيرها من الداخل، ومن هذه الإجراءات والأساليب قيامها بتدريب مجموعات من الشباب العرب علي يد جمعيات أمريكية متخصصة في مجالات التأثير علي عقول الأجيال الصاعدة وعلي كيفية التنظيم والتواصل عبر التقنيات الحديثة بمختلف أنواعها، الانترنت، الفيسبوك، التويتر، أجهزة الخليوي المتطورة، وغيرها من مجموعات لا تربط بينها أي أفكار سياسية أو أيديولوجية محددة، ولا تجمعها قيادة موحدة أو أي أطر تنظيمية معينة أو خاصة ودفعتها إلي تبني شعارات الحرية والديمقراطية ثم رفع سقف المطالبة إلي طلب إسقاط الأنظمة دون أن يكون لدي هذه المجموعات أي وضوح في تطلعاتها أو برامجها السياسية والاقتصادية، مع التركيز علي هذه المجموعات لتبتعد عن القضايا القومية الكبري للأمة العربية، وإعطاء الاهتمام في طرح مطالبها للنواحي المعاشية والبطالة والتفاوت الاجتماعي.
ويلاحظ من خلال هذا التركيز علي تنمية اتجاهات معينة لدي الشباب العربي بحيث ينسلخ عن جلده القومي والعروبي في نهاية المطاف، هذا إذا عدنا قليلًا إلي الوراء نجد أن أمريكا اعتمدت في زمن الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الاشتراكي علي استراتيجية دعم عدة منظمات دينية لمواجهة ما كانت تسميه 'الخطر الشيوعي' أو 'المد الأحمر' والمخططات الشيوعية السوفيتية، واستخدمت هذه المنظمات الدينية في العمل لإخراج الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان، لتقوم لاحقًا باحتلالها تحت ستار مكافحة الإرهاب وملاحقة تنظيم القاعدة، وفي هذه الأيام تستغل الولايات المتحدة المشاعر الطائفية والمذهبية لخلق الفتن هنا وهناك.
وهكذا يمكن القول إنه لا مصلحة لأمريكا في الإصلاح الحقيقي في الدول العربية، وهي تريد إلي جانب إحداث الفتن وتمزيق البلدان العربية أن تقيم ديمقراطيات علي المقاس الأمريكي أو بما يناسب المصالح الأمريكية، وديمقرطيات تقسيمية شكلية علي أساس المدن والعشائر والطوائف، وهي في الوقت نفسه تقف ضد أي ديمقراطية حقيقية لدولة عصرية علي مستوي الوطن والأمة. وهذا أمر طبيعي أو بديهي، فتاريخ الولايات المتحدة الحافل بمحاربة الأنظمة والدول التقدمية والديمقراطية المناهضة لسياستها لا يسمح لها بأن تتحول بين ليلة وضحاها إلي راعية للديمقراطية الصحيحة وحقوق الإنسان، وبالتالي فإن المراهنة علي إقامة ديمقراطية علي الطريقة الأمريكية وبالدعم الأمريكي هي مراهنة خاسرة، وتؤدي بمن يراهن علي ذلك في نهاية المطاف إلي السقوط في مستنقع التبعية والذيلية..
وفي نظري المتواضع، فإن تشكيل أي مجتمع منظم وسليم يتطلب نقل هذا المجتمع من حالتي الفوضي والعشوائية إلي حالة النظام، وفي هذه الحالة من الانتقال، تعد نظرية السلام الديمقراطي هي الحل، ونظرية السلام الديمقراطي تفترض أن كل بلد يمر بلحظات حرجة، تستدعي إحداث تغيير بهذا الشكل أو ذاك ولو أدي ذلك إلي القبول بمرحلة انتقالية، تنقله إلي التوازن الحقيقي، وتبعده عن الفوضي والعشوائية، كما تستطيع تجاوز لحظات حرجة، تستدعي إحداث ما يبعده عن حالة الأزمة.
ومن هذا المنطلق، لابد من الابتعاد عن نمط التفكير التقليدي، القائم علي نمط من التفكير مضمونه ليس بالإمكان أبدع ممن كان، أو ما هو مطروح يمثل الحل الوحيد، هذه الطريقة في التفكير تؤدي إلي قتل المبادرات والأفكار الجديدة التي قد تؤدي إلي الخروج مما هو تقليدي في التعامل، إلي ما هو مبتكر من حلول متوافقة، مع قبول الأفكار المطروحة، وهذا المنهج في التفكير، ليس مطلوبًا في التعامل مع كل المشكلات، وإنما هو مطلوب في التعامل مع القضايا المعقدة التي تستحق الجهد، وتتطلب المبادرات من قبل صناع القرار لتحديد اللاعبين وأهدافهم وغاياتهم، مع ضبط سلوك كل لاعب، ولو كانت النتيجة أسوأ الأفضل، أو أفضل الأسوأ، أو يكون تبني الحلول الوسط، إذا فقدت القدرة علي احتواء اللاعبين.
بقي أن نقول: من المهم ألا يستخف بالحراك الجماهيري الحاصل، وإنما من الواجب التعامل معه وفقًا لكل حالة علي حدة، كما يستوجب هذا التعامل الابتعاد عن منطق الماضي، إلي منطق المستقبل، لأن حاضر اليوم يشكل قطيعة بين المنطقين، ويستند إلي أسس حضارية تعلي من شأن العمل الفكري، كما تعلي من شأن المعلومة، وليس الآلة.. فقد أكد هذا الحراك أن الوطن العربي ليس استثناء، والادعاءات التي تطرحها بعض النخب العربية، ولا تزال تطرحها في إطار الخصوصية، ليست سوي زيف، لأن الوطن العربي كغيره ليس بمنأي عن التغيير في الأفكار والقيم والسلوك التي تستهدف تحسين نوعية الحياة، لاسيما في مثل هذا التطور الذي يشهده العالم، المتمركز علي مجتمع المعلومات، مجتمع ما بعد المجتمع الصناعي، مجتمع ما بعد الحداثة، مجتمع ما بعد الأيديولوجيا.
إن ما يجري في الوطن العربي ليس حالة فريدة في العالم، لأن العالم يعيش عصر التحولات الكبري، وما يراد للمنطقة العربية بكاملها اليوم كقدر مقدر ليس جديدًا، فهل يستطيع الحراك العربي نقل العرب من القدر إلي الخيار؟ ولو هبت العواصف التي كان يقوم عليها المشروع الإسرائيلي حتي وقت قريب، مشروع هدفه تفتيت المنطقة إلي دول مذهبية وطائفية، وإثنية لحماية إسرائيل ككيان ديني، لتكون الأقوي في المنطقة، ومن ثم هل يستطيع التغيير المنشود الانتقال بالأمة العربية من القدر إلي الخيار الذي قرأناه عبر التاريخ لنستقر في قراءته اليوم، عبر السلام الاجتماعي الذي يكون الأكثرية عبر صناديق الاقتراع؟
إن الديمقراطية الصحيحة والحقيقية هي التي تنبع من واقع الوطن ومن حاجة الشعب، وتتعارض مع كل أشكال التعصب المذهبي والطائفي والمناطقي والعرقي. فأي ديمقراطية أو حرية لا تبني علي قاعدة وحدة الوطن، ووحدة الشعب، ووحدة الأمة، هي ديمقراطية فاشلة وقاصرة. من جهة أخري فإن التعددية الحزبية مطلوبة ومقبولة ولكن بشرط أن تلتقي هذه الأحزاب علي ثوابت وطنية وقومية راسخة لا يجوز تجاوزها أو القفز من فوقها، وإذا حصل أي خلاف بينها، فيجب أن يكون فقط في الوسائل والبرامج التي توصل إلي تحقيق الأهداف الكبري.
إن المنطقة العربية اليوم أمام ثلاثة استحقاقات علي الأقل تستوجب حصول تغيير فعلي في طريقة التعاطي العربي مع القضايا الأساسية المطروحة في المنطقة وعليها فهناك موجبات التركيز علي الإعلام العربي الذي يحقق أهداف الأمة العربية بالتصدي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وإخماد مراكز القوي الإعلامية التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق عدة من العالم، وكان الهدف منها القضاء بآليات متعددة علي الحس القومي العربي، وسلب الهوية القومية، والتاريخ العربي والإبداع العربي من المحيط إلي الخليج العربي، وهذا ما استخدمته أمريكا عند احتلالها العراق عام 2003، حيث زادت من مراكزها الإعلامية لتشويه صورة الجندي العربي العراقي في معارك ميدانية مختلفة.
أما الاختيار الثاني الذي لا بد للعرب من العمل به فهو وضع سياسات وطنية وقومية تسهم في وقف المد السياسي الأمريكي الصهيوني والغربي في المنطقة العربية والتي استحوذت هذه السياسات علي أكثر المنظمات والمنافذ السياسية في الأقطار العربية بحجة مساعدة تلك الأقطار بالحصول علي اتفاقات من شأنها تنمية الأطر الاقتصادية والعسكرية، والاجتماعية علي ضوء الخريطة السياسية التي أعدتها أوربا لمد الجسور مع الأقطار العربية في العلم والتكنولوجيا والتسليح، والتدريب مع التركيز علي الآلة الإعلامية لاستعمار الشعوب وسلب خيراتها.
ولا بد للخيار الثالث من تحليل واستباقية لمعرفة تأثيره المطلق علي المنطقة العربية، فالسلام مع 'إسرائيل' لم يعد موفقًا ولا مهيأً في هذه الظروف نظرًا لدور 'إسرائيل' العدواني، وكذبها علي العرب، بل تمثيلها بالأطفال والنساء، والشيوخ في مذابح مروعة وجرائم حرب بحق الإنسانية.
وهكذا فإن انتظار الحلول من الخارج لم يعد عمليًا عملة قابلة للتداول في النظام العالمي الجديد للعولمة ومشتقاتها الاقتصادية والعسكرية حتي الثقافية فلو أخذنا حالة الأمريكيين الآن نكتشف بسرعة أن المنطقة لم تعد تهمهم إلا انتخابيًا، أما عدا ذلك فالأمريكان مشغولون كثيرًا بقوة روسيا حاملة المفاتيح النووية كما أنهم يركزون أكثر علي الأوروبيين خوفًا من أن يشقوا عصا الطاعة علي واشنطن ليتجهوا إلي اليابان مثلًا أو حتي إلي كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية، وما دامت خيرات منطقتنا تحسب في الصناديق الأمريكية بشكل أو بآخر، فليس هناك من موجب في نظر الأمريكيين لتغيير سياستهم في التعامل مع المنطقة إلا ضمن هذا الاتجاه وليس ذلك فقط بل في التآمر عليها بما يسمي عوامل التغيير في الوطن العربي والتدخل في شئونها الداخلية خدمة ل'إسرائيل' والصهيونية العالمية.
لقد كان تركيز الولايات المتحدة الأمريكية في حربها المعلنة ضد العرب علي الخطاب الإعلامي المبرمج عبر شاشات التلفاز، أو طائرة 'الأواكس' أو الإنترنت، أو في الصحف والبيانات الرسمية من لجنة خبراء الإعلام وهي لجنة مؤلفة من عدد من المؤرخين والتربويين، والنفسانيين، والصحفيين، وقادة الجيش 'الجنرالات' الكبار المطعمين برجال السياسة والاقتصاد، واجبهم إيصال المعلومة المزورة إلي الإنسان العربي وتشويه صورة المقاتل العربي وعدم إفساح المجال له بإدارة عملياته العسكرية، وهذا ما حدث في العراق وليبيا ويحدث في سورية اليوم 'أي نهاية دور المهنية العسكرية العربية'، وهكذا لم تجد أمريكا مخرجًا بعد فشل إعلامها المسيس وفضح نياتها العدوانية تجاه المنطقة ودائمًا من منظور الحفاظ علي مصالحها وعلي أمن إسرائيل.
أكاذيب اليوم تشبه أكاذيب الأمس.. تلك الأكاذيب وضعت العالم العربي، والإسلام، والعقل العربي أربعمائة سنة في أقفاص التخلف، ومن تجرأ ومدّ عقله إلي خارج القفص، ألقي في أعماق مضيق البوسفور.
في العالم العربي كنا نراهن علي إيماننا المطلق بأن الغرب عدو، ونراهن علي أن أمريكا هي العدو الأكبر، لأنها وراء أي عدوان إسرائيلي علي أمتنا العربية، وعلي وجودنا العربي أرضًا ومقدسات، ووجودًا ثقافيًا وحضاريًا، وكنا نراهن علي أن العدو المباشر للعرب والمسلمين هو إسرائيل، والصهيونية العالمية، وأن أي جهة تتعامل مع هذا العدو المباشر أو تدعمه، أو تعمل علي تمريره في المحافل الدولية هي جهة معادية، وأن أي قول تقوله جهة إعلامية يصب في مصلحة إسرائيل والغرب، هو من غير جدال أو نقاش قول معاد، يجب رفضه، فهل ما زالت تلك القناعات قائمة في تفكيرنا، وعقولنا، وثقافتنا، وسلوكنا، ومواقفنا الفردية، والعامة علي مستوي الأمة؟!
للأسف.. تغيرت تلك القناعات، وبات الغرب عدو البارحة صديق اليوم.. أمريكا اليوم زعيمة المسلمين والعرب، وإسرائيل صديقة الشعوب العربية، لم تكن خطورة إسرائيل في احتلالها لأرضنا، فنحن في العالم العربي، لم نكن نخرج من احتلال، حتي ندخل في احتلال آخر، و كنا ننتصر دائمًا علي هذا المحتل، لأنه لم يستطع الدخول إلي عقولنا، وثقافتنا، وفكرنا، وسلوكنا.. إسرائيل اليوم نجحت في تحقيق هذا الدخول الخطير عبر الأنظمة العربية السياسية، والدينية، والثقافية، نحن اليوم أمام مدارس ثقافية وسياسية واقتصادية ومذهبية تسوّق إسرائيل للعبور إلينا، مدارس تدعو إلي رفض العروبة، والقومية، وتعمل علي تكريس الثقافة القطرية، والمذهبية، والقبلية، والإثنية.
ومن المفيد هنا الإشارة إلي حقيقة مفادها أن إسقاط أي نظام سياسي هو أسهل بكثير من بناء نظام جديد، لأن الوصول إلي خارطة طريق في هذا الاتجاه لابد له من مواجهة المصاعب والعثرات التي تحتاج إلي أعلي درجات الالتزام والمسئولية حتي لا تقع البلاد فيما لا تحمد عقباه من اختلافات ومخاطر، وما يجري في العراق وتونس ومصر وليبيا وسورية واليمن.. يشير إلي هذه الحقيقة، ولأن للديمقراطية أنيابًا، فهي تشترط الوعي لتحقيق أهدافها النبيلة، الوعي الديمقراطي المرتبط بتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، حتي تؤتي هذه الديمقراطية أكلها كما يجب أن تكون، وربما كان تطبيق ذلك أكثر صعوبة وتعقيدًا من إسقاط أي نظام سياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.