نقابة الصحفيين المصرية تصدر قرارا بمنع بلوجر من دخول النقابة.    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    محافظ مطروح يناقش استعدادات الاشتراك في المبادرة الرئاسية للمشروعات الخضراء الذكية    تراجع جديد لسعر الدولار في البنوك خلال التعاملات المسائية    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    مصر للمقاصة تفوز بجائزة أفضل شركة للمقاصة في الوطن العربي    البيت الأبيض: احتمال تغيير سياستنا في حال اقتحام رفح الفلسطينية دون تأمين المدنيين    «بلومبرج»: «تركيا تعلّق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل»    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 Tom and Jerry لمشاهدة حلقات توم وجيري الكوميدية    "برنامج علاجي لتجهيزه".. الأهلي يكشف حجم إصابة أحمد عبدالقادر    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    ظاهرة جوية تضرب البلاد خلال ال72 ساعة المقبلة.. 10 نصائح للتعامل معها    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    أحمد السقا عن مشهد الرمال بفيلم السرب لفاطمة مصطفى: كنت تحت الأرض 4 ساعات    ارسم حلمك ب«الكارتون».. عروض وورش مجانية للأطفال برعاية «نادي سينما الطفل»    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    «مايلستون» تنطلق بأول مشروعاتها في السوق المصري باستثمارات 6 مليارات جنيه    الصلاة والقراءات الدينية والتأمل في معاني القيامة والخلاص أبرز أحداث خميس العهد    بالصور.. كواليس حلقة "مانشيت" من داخل معرض أبوظبي الدولي للكتاب غدًا    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة فرضت عقوبات ضد 280 كيانا روسيا    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    نادي الأسير الفلسطيني يعلن استشهاد معتقلين اثنين من غزة بسجون الاحتلال    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    إمام الحسين: كبار السن يلاقون معاملة تليق بهم في مصر    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    كريم بنزيما يغادر إلى ريال مدريد لهذا السبب (تفاصيل)    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا.. بين الإرهاب الداخلي و التآمر الدولي.. !
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 11 - 10 - 2013

الصراع في ليبيا أقرب إلي حرب أهلية بين الليبيين، فصورة بلد عمر المختار، بعد 'إعلان التحرير'! القتل والخطف مروراً بقطع الطرق إلي فوضي السلاح والمسلحين تلك الثقافة التي جلبها التدخل الغربي و''الناتو'' عام 2011 في ليبيا وسلطات جديدة منزوعة المخالب تجاه ما يحدث، وفاقدة للسيطرة علي الميليشيات المسلحة التي انتشرت ونمت كالفطر وهو ما يشكل تحدياً للحكومات المتعاقبة.
فراغ في السلطة وصراع تناحري عليها، واحتقان شعبي يقود إلي العنف في الشارع. من يعرف صورة ليبيا الجديدة، بعد انقضاء أكثر من عامين علي نكبتها المزدانة بشعارات ''برنار هنري ليفي'' رسول ربيع الدم في حاضر العرب، ومن يستطيع أن يضع يده اليوم في بلاد ''عمر المختار'' علي بقعة ضوء يمكن الرهان عليها كبشارة لطلوع فجر الخلاص، لشعب ألبس قسراً قميص ثورة لم يسع إليها، ولم تكن خياره، ولم تجد لها مكاناً في وجدانه العروبي المشتعل بنبضه القومي الذي عصمه طوال أربعة عقود، من السقوط في كمائن الرجعية العربية وتجلياتها الظلامية التي تجسدت اليوم بجحافل التكفيريين العرب الخارجين من رحم الطالبانية الحديثة التي تمددت اليوم، في مغرب الوطن العربي ومشرقه، مزودة بكنوز البترودولار وأسلحة الثكنة العثمانية التي يديرها رجال المافيا الطالعون من عباءة حلف الناتو لإنتاج فوضي ربيع الدم والخراب، في شرق أوسط استعصي حتي اليوم علي الخضوع للمشيئة الصهيونية، التي تريده منذ عقود ملعباً طيعاً لتوسعها، وسوقاً مفتوحاً لاقتصادها، ومسرحاً لاستعراضاتها العسكرية التي ترعاها القوة العظمي الأمريكية، وتحقن شرايينها بالمال والسلاح!
ليبيا اليوم تعج بفوضي السلاح والاقتتال ولم يمر يوم دون وقوع عمليات اقتتال في الغرب كما في الجنوب والشرق. واقتسم عرب النفط الأميركي الصهيوني النفوذ مع الغرب في ليبيا فالشرق من حصة 'قطر' وهناك حصص أخري للسعودية وأخري للغرب الاستعماري مباشرة وغير مباشرة. إلي ذلك باتت ليبيا مصدراً لتهديد مصر العربية ومعولا لتهديم الكيان الوطني المصري. فالسلاح الليبي يجتاز الحدود لتجهيز جيوش التكفير والمتطرفين الإسلاميين وأعلام القاعدة رفعت أخيرا في شوارع القاهرة من أجل تعميم الفوضي في مصر والعمل علي تقسيم أرض الكنانة.
وفي سابقة من نوعها أقر رئيس الوزراء الليبي ''علي زيدان'' الذي تمّ اختطافه وأعيد إطلاق سراحه بعد ساعات، أقرّ باستخدام بلاده كقاعدة لتصدير الأسلحة إلي أنحاء المنطقة طالباً مساعدة أجنبية لوقف انتشار الأسلحة في ليبيا. وقال ''زيدان'' إن حركة هذه الأسلحة تهدد دول الجوار أيضاً، لذا يجب أن يكون هناك تعاون دولي لوقفها. مؤكداً أن الانتشار الواسع للأسلحة في ليبيا يشكل تهديداً أمنياً خطيراً، حيث يجري تهريب الأسلحة من وإلي ليبيا عن طريق جماعات تحاول قتل واغتيال الناس ونشر الرعب في البلاد.
وأضاف ''زيدان'' نري يومياً مسلحين يقاتلون بعضهم بعضاً والمشكلة هي أن الأسلحة متاحة للمواطنين الليبيين ومتاحة للشباب وهي في المنازل ومخزنة في كل مكان.
أما الأمم المتحدة فقد أكدت في نيسان الماضي، أن أسلحة مهربة من ليبيا تنتشر بصورة مقلقة في غرب أفريقيا وشرق البحر المتوسط وخاصة في مالي وسورية تعزز ترسانة المجموعات المسلحة.
وبحسب تقرير أعده خبراء بمجلس الأمن الدولي فإن ليبيا باتت في العامين الماضيين مصدراً مهماً وجاذباً للأسلحة، مشيراً إلي رصد شحنات سلاح غير مشروعة وصلت إلي 12 دولة تشمل أسلحة ثقيلة وخفيفة بما في ذلك أنظمة محمولة للدفاع الجوي وذخائر بينها الألغام.
كما لفت التقرير إلي أن مناطق بعينها في ليبيا تنطلق منها شحنات السلاح كمدينتي بنغازي ومصراتة الساحليتين حيث تهرب شحنات الأسلحة عبر لبنان أو تركيا إلي المجموعات الإرهابية في سورية.
فكل شيء في ليبيا الجديدة خطير وينذر بالانفجار في أي لحظة، هذا ما تقوله الأمم المتحدة معددة دواعي الانفجار: السلاح الداشر في كل مكان، ''الثوار'' المنفلتون من كل حساب وعقاب، عجز الحكومة الجديدة، عمليات الخطف والقتل والانتقام والتعذيب المروعة، المعتقلون وهم بالآلاف وانتهاك إنسانيتهم من قبل ''الثوار''، اشتعال المواجهات المسلحة بين الفصائل التي شاركت في إسقاط النظام السابق، انتقال المسلحين خارج ليبيا إلي دول الجوار وجوار الجوار مع مشاريعهم الإرهابية.. كل ما سبق سيفجر الوضع في ليبيا الجديدة في أي لحظة، كما سيفجره في الجوار وفي دول عربية، هذا طبعاً حسب الأمم المتحدة وتقريرها الذي نشر مؤخراً وأعده مندوبها هناك ''أيان مارتن''.
وفي نفس السياق، فقد كشف تقرير تناول الأوضاع الحالية في ليبيا، أن الأحداث التي تشهدها الساحة الليبية لا تؤشر إلي بداية عهد من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في ظل الصراعات والاشتباكات التي تغذي خارجياً من لاعبين كبار وصغار بهدف تفتيتها داخلياً وإحكام السيطرة علي مقدراتها.
وفي تقرير لمركز الناطور للدراسات والأبحاث حمل عنوان ''اللاعبون الكبار في الملعب الليبي.. أمريكا فرنسا بريطانيا وإيطاليا الأبعاد والأهداف والنتائج'' ذكر، أن لاعبين إقليميين صغاراً ولاعبين دوليين كباراً يمارسون لعبة السيطرة علي ليبيا مستخدمين كل الوسائل والأسلحة منها النشاط الاستخباراتي وتوظيف الفكر السلفي وإعادة التأهيل الديني وفق قواعد التثقيف بالفكر السلفي المتشدد إضافة إلي محاولة تفجير العنصر الإثني لتتصارع ليبيا وتدخل في نفق الحرب المظلم خدمة لأهداف هؤلاء اللاعبين.
وأوضح التقرير أن تواجد هؤلاء اللاعبين الكبار في الساحة الليبية بشكل متنامي ومتصاعد لتحقيق الأهداف الاستراتيجية السياسية والاقتصادية يتطلب التموضع والانتشار والتواجد الاستخباراتي والأمني إلي جانب الواجهات الأخري ولتحقيق هذا الهدف يجري استخدام كل الوسائل لإبقاء الساحة الليبية تعاني من اضطراب ومن صراعات.
وبين التقرير أن أهداف اللاعبين الكبار في الساحة الليبية تتمثل في إحداث الفرقة والوقيعة بين المكونات السياسية الليبية عن طريق دعم وتبني بعضها لإضعاف المكونات الأخري وتوظيف الاحتقان والتباينات القبلية والمناطقية وتعميق الانقسام عملا بالمثل القائل فرق تسد إضافة إلي دعم اتجاهات وأجندات تتأسس علي فكر الانسلاخ والانفصال بدوافع أمنية كما هو حادث في منطقة الكفرة وفي الجبل الغربي.
وأشار التقرير إلي أن اللاعبين الكبار استحوذوا علي الكعكة الليبية وأخرجوا لاعبين دوليين كان لهم حضور فاعل في ليبيا مثل روسيا والصين، منبهاً إلي أن الولايات المتحدة تخطط لإعادة تأهيل قواعد عسكرية في ليبيا كانت قد أقامتها واستخدمتها في طرابلس وبنغازي وطبرق نظراً لأهمية ليبيا الجيواستراتيجية وموقعها الهام في شمال ووسط وغرب إفريقيا وإمكانية إقامة قواعد بحرية وجوية وبرية.
وأوضح التقرير أنه بالتوازي مع الهدف الاستراتيجي والاقتصادي فإن الولايات المتحدة تعول علي لاعبين محليين ليبيين يرتبطون بها بعلاقات وأواصر قوية قوامها العلاقة التي نسجت مع قيادات ليبية سياسية وعسكرية خلال وجودها إما في الولايات المتحدة أو في بريطانيا وألمانيا ودول أخري.
وثمة معطيات إقليمية ودولية أصبحت أكثر تأثيراً في ترسيم راهن المنطقة المغاربية ومستقبلها، بخاصة التحول البارز في مسار العلاقات الأورو أمريكية، إذ تشير المعطيات في منطقة المغرب العربي إلي أن بلدانها الخمسة: 'ليبيا تونس الجزائر المغرب موريتانيا' تتعرض إلي المزيد من التغيرات، حيث تعرف بعض الدول اليوم جيلاً جديداً من المسؤولين، بعدما عادت تونس قاعدة للمؤتمرات المشبوهة ضد مصالح الأمة العربية. وأتمّ حلف شمال الأطلسي عدوانه الهمجي ضد المدنيين من أبناء الشعب العربي الليبي، بطلب من ''ثوار الناتو'' الذين تسللوا في غفلة من التاريخ وبمساعدة أطراف خارجية مشبوهة.
فعندما بدأت طائرات الناتو بقصف ليبيا تحدث كثير من المحللين والمتابعين عن خطة غربية خبيثة لتقسيم ليبيا إلي ممالك وإمارات ضعيفة ومنهكة حتي يسهل علي الغرب الاستيلاء علي نفطها وثرواتها، لكن الإعلام الغربي والعربي المشبوه، ظل يعزف نغمة الدفاع عن حقوق الإنسان وتخليص الشعب الليبي من الديكتاتورية وحماية المدنيين هناك. وما إن نفذ الناتو وحلفاؤه مخططهم الأولي في ليبيا حتي بدأت ''ثمار الديمقراطية'' المزعومة تهلّ علي الليبيين عبر إعلان ''الفدراليات'' والتمهيد للانقسام في جنوب ليبيا أو شرقها، فمرة ''إعلان فيدرالية برقة'' وتارة الترويج لاستقلال سبها أو طرابلس الغرب، وبدأت ليبيا تدخل في نفق المستقبل المجهول مع الحديث عن تعميم هذه التجربة ''برقة'' علي باقي المناطق الليبية في سياق مخطط غربي استعماري جديد لليبيا.
ومن يضع مخططات الفيدرالية في ليبيا في سياقها العام في المنطقة العربية يجد أنها جاءت بعد تقسيم السودان إلي شمال وجنوب برعاية عربية وأممية، وكذلك ترسيخ تقسيم العراق إلي ثلاث فيدراليات علي الأرض وانتظار الوقت المناسب لإعلانها بشكل رسمي، وكذلك مع تصاعد الأصوات التي تطالب بتقسيم مصر إلي دولتين قبطية وإسلامية وغيرها من ''مخططات التقسيم'' في طول الوطن العربي وعرضه. فما يجري اليوم من محاولات لتقسيم ليبيا إلي فيدراليات ضعيفة وهزيلة يؤكد أن دعوات الغرب لنشر الحرية والديمقراطية ما هي إلا الغطاء المطلوب لتنفيذ الأجندات المعروف بالسيطرة علي ثروات العرب ومقدّراتهم وإضعافهم إلي درجة لا يستطيعون فيها الدفاع عن أرضهم وحقوقهم.
ليبيا الموضوعة علي لائحة التقسيم والفدرلة تتميز بموقع جيواستراتيجي، لكنها تقترن أيضاً بميزات إضافية ذات طبيعة استراتيجية حيوية، فهي تشكل اثنين في المائة من إنتاج النفط العالمي، وهي بوابة أفريقيا الشمالية، وصاحبة أطول شواطئ الاتحاد المتوسطي، وعصب الجغرافيا السياسية للمغرب العربي، وهي علي بعد مرمي حجر من الولايات المتحدة الأوروبية الموعودة، كما أنها تختزن برمالها الكثير من الاحتمالات المفتوحة علي مختلف صنوف الخيارات الداخلية والخارجية.
ويبدي ''ألكسي بودسيروب'' من معهد دراسات الشرق الأوسط في الأكاديمية الروسية للعلوم موسكو، رأيه عمّا استفادته الدول من ربيع ليبيا العربي، حيث يقول: ''إن الذين استفادوا من هذا الوضع هي تلك الدول التي تضع الآن يدها علي المقدّرات الليبية المجمّدة حالياً''، مشيراً في ذلك إلي قطر التي تمكنت من بسط نفوذها بشكل كبير، في المقابل تدهورت ظروف المعيشة في ليبيا، حيث ترتفع معدلات البطالة وينخفض الدخل القومي، وما زال حتي الآن عشرات الآلاف من الأشخاص في السجون الليبية، وتستمر ملاحقة مناصري ''القذافي''، كما ذكر ''بودسيروب'' المحاولات الفاشلة لمحكمة الجنايات الدولية في الحصول علي معلومات محايدة لما يجري في سجون ليبيا.
فالتقسيم وتقطيع الأوصال.. هو نهاية ما رمي إليه العابثون بمصير ليبيا التي لا زالت تمضغ الطعم المر الذي جلبه شرّ الناتو علي متن طائراته وصواريخه وقدراته العسكرية المدمرة والظالمة التي مزقت البلاد وفرقت بين العباد.. وتركتهم في مهب ريح التناحر والتشرذم في كابوس رهيب وفوضي عارمة، يحارب الأخ أخاه ويسعي للابتعاد عنه طمعاً في السيطرة والحكم أو تحت عناوين الفدرلة وما شاكلها من شعارات براقة لكنها خادعة لا ترمي إلا لمزيد من الفرقة والتحلل الاجتماعي والمؤسساتي وتهديد الوحدة والسلم الأهلي وبنيان الدولة كحامي وضامن لمصالح الشعب وأمنه واستقراره. فمشهد إعلان برقة إقليماً فيدرالياً من المؤكد أنه لن يكون الأخير وبخاصة مع بروز دعوات داخلية عديدة لتقسيم ليبيا وتحويلها إلي دولة اتحادية تضم عشرات الدويلات والكيانات والأقاليم، وفي ظل ذلك العجز الواضح للحكومة الانتقالية، فهي تعتبر ما يجري بمثابة مؤامرة خارجية يديرها أشقاء عرب وبالتحديد قطر، وتعتبر الحكومة العاجزة أن بعض الدول العربية تذكي وتغذي الفتنة التي نشأت في الشرق.
أوضاع ليبيا اليوم، تدعو للخوف والمستقبل غامض، وأسباب هذا الخوف عديدة ومتنوعة: أمنية وسياسية وسيادية واجتماعية، وليس من سبيل إلي تغطيتها بأكاذيب قنوات الفتنة أو بكتابات مأجورة، أو بترديد القول أن أي نظام سياسي في ليبيا سيكون قطعاً أفضل من النظام السابق.
والمقطوع به أن نظرة سريعة علي فصائل ''الثوار'' الليبيين توضح لنا كيف أننا أمام جمع غير متجانس، إذ ينقسمون إلي ثلاثة أقسام، الأول يشمل فريقاً من الذين عملوا مع ''القذافي'' طوال عقود خلت ولاحقاً تمردوا علي نظامه وعلي أسلوبه في الحكم، والثاني من البربر ومن قبائل الطوارق والتبو، فيما القسم الثالث فيحتوي علي جماعات متباينة لا يجمعها إلا رؤية إسلامية راديكالية واحدة، سعت إلي الإطاحة بالنظام القديم..
ولعل القاريء يعني له التساؤل: ما الذي يجمع هذه الفصائل غير المتجانسة معاً؟
فالراجح علي الأرض أن الحكومة الليبية لن تخرج من مأزقها، فالتيار الإسلامي المتشدد يقف خلف ستار الأزمات، بدعم من جهات خارجية، ممسكاً بيديه ورقة المليشيات المسلحة لتقوية نفوذه في السلطة والجيش والمؤسسات الأمنية، ومن المعروف أن أكثرية زعماء المليشيات أعضاء في جماعات إسلامية أو من مؤيديها وحلفائها.
وقد كان الرئيس السابق ل 'المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي'، محمود جبريل، قد حذر من مخطط تتولي تمويله دولة قطر للإطاحة بالعلمانيين واستفراد الإسلاميين بالسلطة، وتحويل ليبيا إلي 'إمارات إسلامية' وفرض مفهوم خاص لتطبيق اللامركزية. وأكد جبريل أن ليبيا تحولت إلي مرتع لمخابرات دول العالم وحذر من تدخل أجنبي جديد إذا لم تسارع السلطات إلي ضبط المرحلة.
فالصراع اليوم في ليبيا أكثر بكثير من حرب أهلية بين الليبيين، وكما ذكرت التقارير الإعلامية الأجنبية، فالميليشيات المعادية للنظام السابق لم تثبت رحمتها وشفقتها علي الشعب الليبي، ويبدو أنهم يريدون الثأر أكثر من تطبيق العدالة كما يدعون. أما الحكومة التي تحكم البلاد نظرياً، فهي غير قادرة علي وقف ممارسات التكفيريين الإرهابيين، وهي ليست في وضع يؤهلها لوقف عمليات التطهير التي تقوم بها الجماعات المقاتلة التابعة للقاعدة ضد الشعب الليبي.
فالحكومة مشلولة ومسؤوليها عاجزون جميعهم عن وضع حد للميليشيات المسلحة، وهم جميعهم يعترفون بأن هذه الميليشيات هي من يدير البلاد بعدما ملأت الفراغ الذي خلفه سقوط ''معمر القذافي'' والقضاء علي القوات النظامية من أمن وشرطة. فالمسلحون يرفضون التنازل عن أسلحتهم وعن سلطتهم. وتصريحات حكام ليبيا الجدد تنذر دون أدني شك باقتراب التدخل الأمريكي والتمهيد له، في ظل عجزهم عن ضبط الأوضاع وعدم سيطرتهم علي الميلشيات التي لا يستطيع أحد الوقوف بوجهها، أو منعها من فعل ما تريد، وأكبر دليل علي ذلك الاشتباكات الدموية بينها كل يوم.
فحكام ليبيا الجدد وضعوا الشعب الليبي أمام خيارين أحلاهما مر: إما أمريكا وصفحتها السوداء إزاء قضايا المنطقة، وماضيها المتسخ بما فعلته في العراق وأفغانستان، وإما حرباً أهلية تغرق البلاد في حمام دم لن يكون أحد بمنأي عن الصراخ من ويلاته، وبالطبع ليس للشعب الخيار بينهما، فالمرسوم أصلاً في السيناريو الليبي سيكون بمعزل عما يقرره الشعب، الذي بات فعلياً أما خيارين هما خيار واحد ''التدخل الأمريكي''. وفي خضم هذا المشهد المأساوي الغامض لصراع الشركاء علي سلطة لم تتضح تماماً، علي المرء أن يبحث في الركام عن مصلحة الشعب الليبي بجهد خرافي يشبه جهد من يبحث عن إبرة في كومة قش!
فاستراتيجية أمريكا تتضمن لاستهداف المنطقة العربية العمل علي تنفيذ محورين أساسيين هما: المحور الأول يقوم علي تنفيذ عقيدة الشركات النفطية الخمس عالمياً، والمتمثلة في الانتقال من السيطرة علي تجارة النفط وأسواقه إلي السيطرة علي مناطق إنتاجه ومن ثم علي منابعه، وذلك بغية التحكم بأسعاره وكميات إنتاجه وضمان استمرار تدفقه إلي الدول الغربية الرئيسية، لذلك كانت البداية مع العراق الدولة 'المتمردة' التي تملك ثاني احتياطي عالمي ولا تحظي فيها الشركات الخمس باستثمارات ترضيها، ومن ثم جاء دور ليبيا التي لم تكن لينة في الامتيازات التي منحتها للشركات النفطية الغربية، إذ يكفي مثلاً أنها دفعت تعويضات حادثة لوكربي من رسوم فرضتها علي تلك الشركات لا من الخزينة الليبية، إضافة إلي تهديداتها التي لن تنساها واشنطن بتبديل عملة بيع نفطها..
وأحاديث النفط، تقودني للحديث عن معضلة النظرة العالمية ولا أقول الغربية أو الأوروبية أو الأمريكية فقط إلي ليبيا، إذ بات كثيرون شرقاً وغرباً، دولاً ومؤسسات وأفراد ينظرون إلي الاقتصاد الليبي بوصفه الكعكة الجاهزة للاستثمار والواجب تقاسمها قسمة تصل إلي حدّ قسمة الغرماء. وفي الوقت الذي يشهد بداية وضع اليد الغربية علي النفط الليبي، وفي حين يمتلك الشعب الليبي مئات المليارات من الأموال المجمدة في مصارف الغرب وبعض البلدان الخليجية، نلاحظ سباقاً محموماً بين المؤسسات المالية العالمية علي تقديم عروض لإقراض ليبيا أموالاً لإعادة الإعمار، أي بكلام آخر لتعويم صناديق الشركات الغربية المفلسة.
لقد قتل وجرح وشرّد الألوف من أبناء الشعب الليبي، ودمرت مدن ليبية بأكملها، وسيكون علي ليبيا، لو عادت إلي الاستقرار، وفيما لو سمح لها الحلف الأطلسي وامتداداته الإقليمية والمحلية بإعادة بناء نفسها.. سيكون عليها أن تواجه الكثير من السنين العجاف مع الشك الكبير بإمكانية الوصول إلي السنين السمان في ظل ما يحتبس من تخبطات في فضاء ليبيا المصلوبة علي خشبة حلف الأطلسي، أما 'الحكومة المشلولة' فهي المضطلعة بدق المسامير في الخشبة!
في هذا السياق يشعر المرء بحالة من الحزن والأسي علي الاقتصاديات والثروات الطبيعية العربية وكيف أنها تعرضت في العقود الأخيرة لعمليات نهب وسلب منظّم ومدروس، فثلاث دول هي الكويت والعراق وليبيا تصل التكلفة الإجمالية لإعادة إعمارها سويّة ما يزيد عن 2.5 تريليون دولار، وللقاريء أن يتأمل ويتفكر بل ويتدبر كيف كان لمثل هذه الأموال أن تحدث ثورة تنموية وتعليمية وصحية وبحثية وعلمية في العالم العربي، إذا كان قد تمّ استثمارها علي الوجه الأمثل لا علي الوجه السلبي المتمثل في إعادة الإعمار بعد الخراب والدمار الذي ربما كان مقصوداً بالفعل إحداثه لصالح الآخرين الذين تعاني اقتصادياتهم من خلل واضح ومن مأزق وأزمات عالمية لا تخفي عن أحد.
واقع ليبيا اليوم هو كواقع العراق مع فوارق التعدد الطائفي في العراق، لكن المشكلة واحدة هي بناء الدولة بكل مؤسساتها وتقاسم السلطة بين كل مكونات المجتمع الذي هو في ليبيا قبلي إلي حدّ كبير. إنها ليبيا الجديدة كما أرادها الغرب تماماً، دولة صراعات لا تنتهي، تَغرق وتُغرق معها ما يريده هذا الغرب من دول مجاورة عربية وغير عربية.
فمستقبل قرار الدولة أصبح بيد أمريكا وحلفائها، حيث يُأخذ علي 'الحكومة المشلولة' إفساح المجال للولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف 'الناتو' بالتدخل في تفاصيل الأوضاع الداخلية الليبية، ورسم مستقبل ليبيا، بحجة دعمها لمقاتلي الجماعات الإرهابية لاجتثات نظام الحكم السابق.
وفي هذا السياق يمكن القول: أن ثمة دولاً عربية نفطية أخري مرشحة لتكون التالية بعد طرابلس الغرب، منها التي ما زالت بعيدة عن السيطرة الكاملة للشركات الخمس البترولية ومنها ما يدور في فلكها، لكنها لم تسلم مناطق إنتاجها النفطي بالكامل لهذا التحالف الاستغلالي..
أما المحور الثاني فيتمثل في إزاحة الدول العربية، التي تستند إلي مقومات سياسية وجغرافية واقتصادية غير نفطية، لكن يمكنها أن تقف عقبة في تنفيذ المحور الأول من هذه الاستراتيجية، لذلك كان التوجه لتجزئتها وخلق مشاكل داخلية تدفعها للانعزال والقوقعة والانشغال بما يحدث فيها.
فما يحدث في السودان واليمن ولبنان وما يحدث اليوم في سورية ليس إلا تنفيذاً لمشروع مواز للسيطرة علي منابع النفط يهدف إلي 'إزالة الخوف' لدي الشركات الخمس من أي عوائق قد تتعرض تنفيذ المشروع 'المصيري' لمستقبل اقتصادات أمريكا والغرب. وما يميز هذه الاستراتيجية أنها تنفذ وفق برنامج زمني طويل الأمد لا مرحلياً كما يعتقد بعض الدول العربية، بمعني أن الدول العربية المستهدفة توضع طوال عدة سنوات في مناخ يساعد علي تحقيق هذه المهمة.
فالعراق لم يكن من السهل احتلاله دون توريطه بمشاكل إقليمية وتدميره داخلياً، والنجاح في تقسيم السودان إلي دولتين لم يتم إلا بعد تعريضه لحرب أهلية قاسية، وليبيا دخلت في حرب افتراضية مع الغرب منذ عقدين ونصف العقد حتي سمح لطائرات الناتو بتدميرها.
فليبيا اليوم ساحة دم ودمار وموت ورعب وميليشيات مجنونة، رجال غرباء في كل مكان، ليبيا اليوم تزدحم بالقلنسوات الإسرائيلية. ولن تعود إلي ما كانت عليه قبل مائة عام، ستظل الضباع تنهشها وتأكل جسدها كما تأكل الديدان الجسد الميت.
والسؤال الذي يطرحه كل عاقل: أين ثورة 17 فبراير الشبابية الشعبية في كل ما يجري في ليبيا الجديدة؟ لا نكاد نتعرف إليها إلا إسماً مكتوباً علي عربات عسكرية يقودها مسلحون لا نعلم من أي الملل والنحل هم؟! والسؤال الملح الذي يطرحه كل مواطن عادي: أين شعار ''الثورة الليبية'' التي ستحرر البلاد والعباد من حكم ''معمر القذافي''؟
كل الوقائع تثبت أن ما يسمونه الثورة الليبية هي في الحقيقة محض جريمة ارتكبت علي الأرض الليبية في وضح النهار، ونفذها حلف الناتو بالتواطؤ مع المؤسسة القطرية الحاكمة، لإشاعة فوضي طويلة الأمد في الإقليم الليبي تؤدي في النهاية إلي تفككه وتقسيمه، علي أيدي عصابات ''عبد الحكيم بلحاج'' وأشباهها من المجموعات التكفيرية التي تنشر شرورها اليوم من مالي في أقصي الشمال الافريقي، إلي سورية في المشرق العربي. تلك الفوضي التي صارت وضعاً مثالياً لرموز الغرب الاستعماري في باريس ولندن، لنهب الثروة الليبية والسطو علي مقدرات الشعب العربي الليبي ومدخراته الوطنية إلي زمن لا يمكن التنبؤ بنهايته.
فهل سمع العالم عن ثورة في التاريخ يفجرها بضع عشرات أو مئات، ثم تستعين بأقوي الأساطيل الجوية علي شعبها وجيشها لفرض معادلة قوة ظالمة، ثم تكون نتيجتها شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد، يجثم اليوم علي صدور الليبيين ليخنق في صدورهم نبض الحياة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.