جامعة الإسكندرية تعلن أسماء الكليات الفائزة بجوائز مهرجان الفنون المسرحية في دورته ال13 (صور)    وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع تكتيكي بالذخيرة الحية لإحدى وحدات الجيش الثاني الميداني    أول ارتفاع في سعر الدولار اليوم الخميس 23-5-2024 مقابل الجنيه بالبنوك (تحديث الآن)    بعد إيقاف تصريح العمرة رسميًا.. ما عقوبة أداء الحج 2024 بدون تصريح؟    تعاون بين الجايكا اليابانية وجهاز المشروعات لتطوير المشروعات الصناعية بمصر    توريد 283 ألف طن قمح لمراكز التجميع بالمنيا    434 سفينة.. 26% ارتفاعًا في حركة السفن خلال شهر بميناء الإسكندرية    جيش الاحتلال يتهم حماس بارتكاب تجاوزات بحق المجندات الإسرائيليات    بعد النرويج وإيرلندا وإسبانيا.. توقعات باعتراف دولتين أوروبيتين بدولة فلسطين    غدا.. «العدل الدولية» تصدر حكمها في إجراءات متعلقة بالهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    مدرب البايرن الأسبق.. برشلونة يجد بديل تشافي ويستعد للمفاوضات    وزير الرياضة ينعي شقيق هاني أبو ريدة    مناقصة كاف لتقنية الفيديو تكشف موعد السوبر القاري.. ومصير الكونفدرالية والدوري الإفريقي    «الداخلية»: ضبط 187 قطعة سلاح و339 قضية مخدرات وتنفيذ 82534 حكمًا خلال 24 ساعة    معدية أبوغالب.. انتشال 16 جثة والبحث عن فتاة مفقودة    الأمن الاقتصادي يُضبط 15104 قضايا لسرقة الكهرباء ومخالفة شروط التعاقد خلال 24 ساعة    لماذا قضت الجنح بتغريم شيرين عبدالوهاب في سب المنتج محمد الشاعر؟    «سواق ضربها وجري».. مي سليم تتعرض لحادث سيارة (صورة)    غادة عبدالرازق تعود للسينما بفيلم تاني تاني.. هل أقدم الجمهور على مشاهدته؟    أمين الفتوى يوضح ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    الداخلية تُحرّر 170 مخالفة للمحال المخالفة لترشيد استهلاك الكهرباء    استطلاع: 70% من الإسرائيليين يؤيدون انتخابات برلمانية مبكرة    "العدل الدولية" تصدر غدا حكمها بشأن تدابير الطوارئ في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    تعليم القاهرة: تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال للعام الدراسى 2024 /2025    الكل مضروب.. حوادث الامتحانات فى المحافظات لا تفرق بين طالب ومدرس    السيطرة على حريق نشب بمخزن أخشاب بالفيوم    إصابة مسنة وشابين في انفجار إسطوانة بوتوجاز داخل منزل بمنطقة إمبابة    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    نعش الرئيس الإيرانى يصل مدينة مشهد مسقط رأسه تمهيدا لدفنه    مسلسل البيت بيتي 2.. هل تشير نهاية الحلقات لتحضير جزء ثالث؟    "مظهر غير لائق".. يدخل أحمد الفيشاوي تريند "إكس"    مسلسل دواعي السفر يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة على منصة WATCH IT    تريزيجيه: أنشيلوتي خطط للتعاقد معي.. وهذا موقفي من اللعب ل الزمالك    إصابة طفلين فلسطينيين برصاص الاحتلال شرق مدينة قلقيلية    وفد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يجري زيارة ميدانية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين يجنوب سيناء طبقا للمعايير القومية المعترف بها دوليا    مصدر يكشف حقيقة تغيير مكان تسليم بطل دورى الأبطال بعد فوضى الكونفيدرالية    ارتفاع البورصة 0.56% في مستهل تداولات جلسة ختام الأسبوع    فيلم السرب يتصدر إيرادات شباك التذاكر للأسبوع الثالث على التوالي    موسم الحج.. إجراءات عاجلة من السعودية بشأن تأشيرات الزيارة بداية من اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي (تفاصيل)    نوادي المسرح معمل التأسيس، في العدد الجديد من «مسرحنا»    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    "علق نفسه في سقف الأوضة".. نزيل بفندق شعبي ينهي حياته في الأقصر    أزمة بين الحكومة الإيطالية ومجموعة ستيلانتس بسبب علم إيطاليا    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان "حصاد تربية نوعية" في نسخته الأولى    صدمة في الزمالك بسبب مكافأة الكونفدرالية    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    انتظام أعمال الامتحانات بكلية أصول الدين بطنطا والشريعة والقانون بتفهنا الأشراف    استشهاد 8 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على وسط غزة    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    أتالانتا يضع حدا لسلسلة ليفركوزن التاريخية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس.. أمن مفقود وإرهاب بلا حدود.. !؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 02 - 10 - 2013

كيف تحوّل ربيع تونس علي يد السلطات الجديدة، إلي ربيع مسموم: فوضي وتمرد ودعوات إلي القتل والاقتتال وفتنة طائفية وإسقاط رموز الدولة الوطنية؟ وربما الأصح أن نسأل: كيف حوّلت السلطات الأخوانية الغنوشية ربيع تونس إلي ربيع مسموم؟ وهل من أجل ذلك قامت الثورة في تونس؟ وهل أحرق ''بوعزيزي'' نفسه ليصل ''الغنوشي'' وإسلاميوه إلي السلطة؟
تونس الغائبة الحاضرة في المشهد العربي تعيش الآن في ظل ''الثورة المغدورة''، لأن كل ما نادي به الفقراء والعاطلون عن العمل ''وقود الثورة'' ذهب أدراج الرياح، وفي أحسن الأحوال ظل أحلاماً مؤجلة برسم المجهول الذي تسير نحوه البلاد، فبينما كانت تونس تنفض عنها غبار الثورة بعد رحيل الرئيس زين العابدين بن علي، تسلل إليها الكثيرون ممن كانوا يجلسون علي مقاعد المتفرجين ريثما تَحُطُ الثورة أوزارها، وعندما آن الأوان وفي غمرة ما ظنه الشارع التونسي انتصاراً لثورته ولشعاراته النظيفة ''خبز الحرية.. كرامة وطنية'' تخلي المتفرجون عن مقاعدهم وسارعوا إلي تونس ليلعب كل واحد منهم دوره وفق الأجندة الاستعمارية التي انخرط فيها مسبقاً، وكان أول الواصلين حركة ''النهضة'' التي تزعمت الحكم بعد أن ركبت موجة الثورة مصطحبة معها دويلة قطر التي ساندتها، والتي تسللت هي أيضاً لكن بسرية تامة وببطء مُتَخَفيَة بأثواب عدّة، فمرّة بثوب ''المانح'' وأخري بثوب ''الصديق والداعم والشريك''.
لقد تحوّل ربيع تونس علي يدي حزب النهضة الأخواني إلي ربيع إخواني سلفي أفغاني ترهيبي، كل واحد فيه ينصّب نفسه قاضياً، ويقيم محكمته الخاصة ليجيز القتل والحرق وبتر الأعضاء وإصدار الفتاوي وإعلان ''الجهاد'' لإقامة الإمارات الإسلامية في طول البلاد وعرضها.
ففي تونس الخضراء، تونس الشعب المنفتح علي الحضارة العربية والإنسانية، لم يرضَ أن يتقوقع وينكفيء في ظلّ نظام أخواني/ سلفي يضيّق الحريات، ويقيّد المفكرين والمثقفين، ويمنع الانفتاح والتجديد في مظاهر الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة. لذلك تتالي المظاهرات اليوميّة المطالبة برفع سلطة المرشد ''الغنوشي'' عن الحكم وإبعاد الدين عن السياسة، والتخلص ممّا يسمي الإسلام السياسي، وجعل الشعب يقرّر مصيره وحكمه في إطار النظام السياسي/ الديمقراطي المنفتح علي الآخر، بما يسهم في تقدّم المجتمع وازدهاره.
فحركة النهضة الأخوانية لم تقدم خلال الفترة الانتقالية غير خيبة الآمال وركود اقتصادي وتعثر النمو والتنمية واغتيال شخصيتين سياسيتين يساريتين معروفتين في تونس، هما ''شكري بلعيد'' 'في 6 شباط/ فبراير الماضي' و''محمد البراهمي'' 'في 25 تموز/ يوليو الماضي' وعدد من الجنود في مواجهات مع حلفاء قوي في السلطة من القوي اليمينية المتطرفة، ووصول ضربات قوي الإرهاب داخل العاصمة التونسية.
الاغتيال السياسي في تونس، مثل نقطة تحول في مسار الثورة التونسية التي تعيش اليوم مرحلة الإجهاض بسبب خيبات الأمل المتلاحقة لدي التونسيين بسبب السياسة اللاعقلانية لحركة النهضة الأخوانية التي تحالفت مع الجماعات السلفية التكفيرية، وأنشأت ميليشيات تمارس القتل والإرهاب بإسم ''رابطات حماية الثورة''، لكي تمارس الحكم علي طريقة النظام الديكتاتوري السابق، وتصادر ثورة الشعب التونسي من خلال أساليب غير ديمقراطية استهدفت قادة الأحزاب السياسية المنافسة، وبعض الإعلاميين، والأساتذة الجامعيين، ورموز الحركة النسائية ذات الحضور العريق والفاعل في المجتمع التونسي.
والأمر المهم الذي يعرفه الجميع هو أنه إذا كانت حادثة الاغتيال السياسي غريبة علي الشعب التونسي، وسابقة في تاريخ تونس، فإن الجميع يعلمون أيضاً أنها ليست غريبة أو جديدة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين. والعرب في كل بلدانهم يتذكرون كيف حاولت حركة الإخوان المسلمين في مصر اغتيال الزعيم الراحل ''جمال عبد الناصر''، إذ إن نزعة القتل والتصفية الجسدية عن طريق الاغتيال متأصلة في نهج واستراتيجية الإخوان المسلمين منذ تأسيس حركتهم، والشواهد علي ذلك أكثر من أن تحصي، ولا مجال لسرد البعض منها في مثل هذه العجالة من البحث.
فحركة النهضة الأخوانية التي تقود حكومة الترويكا منذ نهاية عام 2012، ليست لديها رؤية واضحة بشأن قيادة المرحلة الانتقالية الصعبة، باعتبارها مرحلة يعيش من خلالها المجتمع والدولة علي وتيرتين متناقضتين: وتيرة التفكك وأزمة السلطة والقطيعة من ناحية، تقابلها وتيرة إعادة البناء، وضرورة تنصيب السلطة، ووجوب التواصل الذي لا بد منه حتي لا تعم الفوضي ويحتد التفكك من ناحية أخري.. وفضلاً عن ذلك، فقد ذهبت حركة النهضة في ممارساتها لسياسة التفرد بالسلطة، إلي ما هو أبعد، وأسوأ، من ذلك، حين حولت حكومة الترويكا إلي جهاز حكومي يعمل تحت سلطة حركة النهضة، ومجلس شوري النهضة هو من يُسير الأمور.
وحين تحالفت حركة النهضة أيضاً مع الجماعات السلفية الجهادية التكفيرية، التي قامت بعمليات تخريب واعتداءات وجرائم لم تنقطع، ليس آخرها اغتيال الشهيدين القائدين ''شكري بلعيد ومحمد البراهمي''، وحين أقدمت حركة النهضة علي تشكيل ميليشيا قمعية خاصة بها، تحت مسمي ''رابطات حماية الثورة''، لكي تستغلها في حماية سلطة النهضة الفعلية، وقمع المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، بل، وكل مخالف لقوي الإسلام السياسي، إذ قامت عناصر هذه الميليشيا بحرق مقرات أحزاب معارضة، والاعتداء علي إعلاميين ومحطات إعلامية ومقرات نقابية، منها مقر الاتحاد العام للشغل، في يوم إحياء ذكري استشهاد مؤسسه، ''فرحات حشاد''.
كما رفضت حركة النهضة التعاون مع أحزاب المعارضة، رغم يقينها المطلق بأنه لا يوجد حزب قادر بمفرده علي تسيير شؤون البلاد، مهما بلغت درجة ثوريته، وشعبيته، ولاسيما عندما تكون طبيعة المرحلة الانتقالية تقتضي تحقيق أوسع تحالف سياسي وفاقي.
فحزب النهضة الأخواني لم يستوعب جوهر الثورة وقيمتها، لقد أضفي قراءاته الأيديولوجية علي حدود الفقراء المهمشين، فحاد بالثورة عن مسارها الحقيقي، والتجاذبات السياسية التي يشهدها المشهد السياسي العام هو أحد الإفرازات المكشوفة. فحزب ''الغنوشي'' الأخواني لم يجتهد لا قولاً ولا فعلاً لمحاصرة هذا التجاذب الذي بدأ يتوسع ويتطور إلي معتقدات الناس ونمط عيشهم، يحدث هذا بإسم الثورة.
ففي مرحلة ما بعد الثورة، و تحديداً منذ أن استلم حزب النهضة الأخواني السلطة، تزايدت العلامات التي تظهر ''أخونة'' المجتمع التونسي، ومنها سيطرة المجموعات السلفية علي مئات المساجد في كامل تراب الجمهورية، من خلال تنصيب أئمة يدينون بالولاء للسلفيين، الذين بدؤوا يمارسون العنف ضد المجتمع المدني، تجلي ذلك في الاعتدءات العنيفة المتكررة علي أساتذة جامعيين و مثقفين معروفين بانتماءاتهم الأيديولوجية العلمانية والليبرالية، والقيام بالغزوات ''المقدسة''.
لقد طفت أخبار المجموعات السلفية علي سطح المشهد السياسي التونسي، وعادت مظاهر العنف و الفوضي والغزوات ''المقدسة'' ضد قطاعات واسعة من التونسيين، وأصبح لافتاً تنامي سريع ومريب لسطوة التيارات السلفية الوهابية التكفيرية التي لم تتردد في أكثر من مناسبة بالتهديد ب''حرب دينية، من أجل تطبيق شرع الله وبناء ''دولة الخلافة الراشدة'' و''رفض مدنية الدولة'' و''النظام الجمهوري العلماني الكافر''.
ويبدو واضحاً أن هؤلاء يرومون إلي سيطرة حزبهم علي أجهزة الدولة وأخونتها وصولا لتأسيس دولة دينية تنأي بنفسها عن كل شكل من أشكال الديمقراطية ليكون شعارها: العنف في حل الأمور السياسية أو معالجتها، وليس علي الإطلاق إشاعة العدل والقانون واحترام آراء الآخرين وعدم استخدام العنف لفض المشاكل وسوء التفاهم بين المتحاورين وأصحاب السلطة عموماً.. وليتوالي علي هذا النحو وبشكل مؤكد مسلسل العنف والعنف المضاد الذي سيدفع حتماً بتونس وطناً وحكومة وشعباً إلي لجة الهاوية.
لقد تغيرت الخارطة في تونس، ورسمت عكس ما يتمني الثوريون وأصحاب الآمال العريضة بالديمقراطية والإنجازات والحضارة، عاد هؤلاء إلي بداية الطريق، إلي الشوارع أملاً بأن تنصفهم كما فعلت سابقاً، لا يرغبون بالانزلاق نحو مصير مشابه لما حدث لبعض جيرانهم الأفارقة ممن يشتركون معهم بالمصير. ينشد الثوريون في تونس نشيد ظلم أقسي وأشد بعد أن سلبت مقدراتهم الفكرية منهم، يرفضون التنحي خدمة للمتأسلمين والسلفيين التكفيريين الجدد، يرفضون إخلاء الساحات والإيحاء بأن شيئاً لم يحدث في تونس بعد الثورة، ربما كانت ثورة مزيفة أو الأصح أنها ثورة زيفها من جلس علي عرش الحكم اليوم، لكنه لن يستطيع خداع التونسيين أكثر.
''أخونة'' المجتمع التونسي اتخذت طابعاً عنيفاً واضحاً من جانب المجموعات السلفية، التي استفادت من التواطؤ المكشوف من قبل حزب النهضة الأخواني الموجود في السلطة، الذي يحتوي في داخله تياراً سلفياً متشدداً.
فمن يرعي حرب السلفيين التكفيريين في تونس؟ هل هو حزب النهضة، أم جهات خارجية أصبحت لاعباً أساسياَ في دول ما يسمي ''الربيع العربي'' أم القاعدة التي دعا زعيمها ''أيمن الظواهري'' سلفيي تونس إلي الدفاع عن الشريعة الإسلامية..؟
بغضّ النظر عن الراعي وعن صدق الدعوات وصحة المعلومات، فإن هذه الحرب تتسع كل يوم، تمتد إلي مناطق تونسية جديدة لفرض هيمنة المدّ السلفي الوهابي التكفيري الساعي إلي تغيير الواقع من خلال خلق الأزمات والقيام بأعمال عنف وتخريب في محاولة من السلفيين لتفصيل تونس جديدة تكون علي مقاس شريعتهم ودينهم الخاص، وخاضعة لمنطقهم المتطرف. فالسلفيون الذين كانوا تياراً متوارياً لا حسّ لهم ولا خبر طيلة فترة حكم ''زين العابدين بن علي''، والذين نأوا بأنفسهم عن الثورة وعن الخوض في غمارها، وحافظوا علي موقع المتفرج والمترقب لما ستؤول إليه الأمور، يستغلون اليوم مفرزات هذه الثورة بدءاً من الحريات وانتهاء بالفوضي وعدم الاستقرار، أي يحاولون فرض نمط عيش معين علي المجتمع يتلاءم وشريعتهم الخاصة.
ويبقي السؤال المطروح دائماً:
لماذا يتجرأ السلفيون علي رفع وتيرة العنف في البلاد؟ وكيف انقلبوا فجأة من تيار تحت السطح إلي مشكلة حقيقية وأزمة تضرب في عرض البلاد وطولها؟ وكيف أصبح السلفيون مصدر إرهاب؟ ولماذا تسكت هذه الحكومة عن تجاوزاتهم وتحدّ من ممارساتهم الاستفزازية؟ رغم أنها وصفتهم بأنهم مصدر إرهاب؟
كل ما سبق، أسئلة لا تفضي إلا إلي نتيجة واحدة، وهي أن السلفيين يتسلحون بتواطيء من حكومة ''النهضة الأخوانية'' لفعل كل ما يقومون به، وإلا لماذا هذا الصمت المطبق من جانب مسؤولي الحكومة الذين لم يكلف أحدهم نفسه ليقول شيئاً أو يتخذ موقفاً مطمئناً للشعب سوي وصف هذه الأعمال بالإرهابية كنوع من الترويج الإعلامي ليس إلا.
يتوسل السلفيون علي اختلاف ألوانهم ومشاربهم في تونس العنف، لكن النموذج المجتمعي الذي يدعون إليه خطير. فرؤيتهم إلي المجتمع ضيقة الأفق، وهي ثمرة مشكلة مزدوجة مع الماضي والحداثة علي حد سواء، ويُخشي أن تفضي إلي فتنة وحرب أهلية. فهناك ارتباطً عضوي تنظيمي و لوجستي ومالي بين التيار السلفي المتشدد في تونس، وبين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والإسلاميين المتشددين في ليبيا، حيث يتدرب الشباب التونسي المتطرف في معسكرات بليبيا، ويحاول إنشاء معسكرات تدريب في تونس وفي صالات الرياضة. ويؤكد المختصون في دراسة جماعات الإسلام السياسي، أن ''راشد الغنوشي'' هو نفسه ''سلفي الفكر والعقيدة والمنهج'' وهو ''يحاول استغلال مساحات الحرية التي تعيشها تونس بعد الثورة ل ''إقناع التونسيين بأن النهضة حزب سياسي في خطابه العلني، وبالمقابل ينتهج خطاب عقائدي لا فرق بينه وبين خطاب أمراء السلفية الجهادية''.
أما ''عمر عاشور''، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز ''بروكنجز''، فيقول: إنه يعتقد أن المصاعب التي تواجه الإخوان وحلفائها في شمال أفريقيا تعكس مشكلة أكبر لعملية التحول الديمقراطي، حيث أن الفائزين بالانتخابات لم يكونوا قادرين علي احتواء القوة المعارضة لهم، ولم يكونوا قادرين علي الحكم، فبإمكان الأحزاب الإسلامية أن تفوز، لكنها ستجد صعوبة في الحكم. وجزء كبير من ذلك يتعلق بأهمية السلطة، وهذا ما حصل مع وصول الإخوان إلي الحكم في تونس.
فالتونسيون باتوا يتحدثون بصورة أكبر عن حرب أهلية يجاهر السلفيون بسعيهم إليها، بينما السلطات القائمة لا تحرك ساكناً، لا فعلاً ولا قولاً. والمنطق السياسي السليم يقول إن فرض الدولة الرقابة علي الجوامع والمساجد واجب. ولا يجوز أن يكون هناك تباين بين استراتيجية الحكومة واستراتيجية حزب النهضة الأخواني. فالحزب يشن حرباً ثقافية ضد النهج العلماني للدولة التونسية من خلال إفساحه في المجال لدعاة السلفية الوهابية لكي يسرحوا و يجولوا في تونس كما يحلو لهم من دون التعرض للمواجهة و الملاحقة القانونية، علماً أن المجتمع التونسي منفتح وينبذ العنف ويلفظه.
في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس، أصبح التونسيون يكرهون بعضهم بعضاً، هم مبتدئون في دروس تعلم الديمقراطية، فنجدهم متخندقين في اعتصامات مدافعة عن الحكومة الحالية بقيادة ''علي العريض''، واعتصامات مضادة موالية للمعارضة الليبرالية واليسارية، وهي ظاهرة صحية لتعبير الناس عن آرائهم، وتعكس قوة الحراك الشعبي في تونس، ولكن من السذاجة الاعتقاد أن هذه الاعتصامات هي في ذاتها طريقة لحلّ أزمة سياسية، ولاسيما أن تنظيم الاعتصامات أصبح مجرّد صناعة يتقنها كلّ الأطراف.
لكن التونسيين لم يستوعبوا بعد، أن تنظيم هذه الكراهيات القائمة، يقتضي العودة إلي تفعيل الآلية الديمقراطية. وحلّ الأزمة السياسية في تونس، لا يمكن عن طريق الجيش، لأن هذا الأخير محايد، ويأخذ مسافة واحدة من جميع الأطراف، وغير مهيأ للعب دور سياسي، كما هو حال الجيش المصري الذي يمتلك مصالح اقتصادية ضخمة، وأدار الدولة المصرية منذ العام 1952.
وتطالب المعارضة التونسية، والاتحاد العام التونسي للشغل، ومكونات المجتمع المدني، ولاسيما حركة ''تمرد'' التونسية التي تحاكي نظيرتها المصرية بإقالة الرئيس ''محمد مرسي''، باستقالة الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي، وتشكيل حكومة كفاءات، لكن حركة النهضة الإسلامية لا تزال متمسكة بالسلطة بأي ثمن، وترفض الإقرار بفشلها في إدارة هذه المرحلة الانتقالية، وترفض أيضاً سماع صوت الشعب، ولا تقبل بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية مستقلة، وهي منساقة في الوقت الحاضر وراء نوازع استبدادية، واستراتيجية السيطرة علي الوزارات والجهاز الإداري، بهدف ضمان الفوز في الانتخابات المقبلة.
هذه تونس، تونس المسمومة. لقد تلاشت الآمال وانتهت ''الثورة'' في تونس إلي مجرد رقابة صارمة وتعصب متنام وبطالة..
الإسلام السياسي يعدّ تاريخياً فاشلاً في إدارة الاقتصاد، لأنه لا يمتلك أي مشروع للتنمية، ففي عهده تراجع الاقتصاد التونسي بشكل مخيف، إذ زادت معدلات التضخم والبطالة وارتفعت الأسعار بمستوي غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة علي تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمرت حركة النهضة في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفها الإسلاميون طوال حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية، وهذه مسألة كان الناس يقبلونها منهم حين كانوا في المعارضة، ولكنها لم تكن مرضية علي الإطلاق من سلطة تقدمت إلي الكراسي الكبري تزف وعود مفرطة زائفة.
لمّا كان الإسلاميون من حركة النهضة يفتقدون إلي أدني درجة من الكفاءة في إدارة الدولة التونسية، وهي من أرقي الدول المركزية في العالم العربي، وعجزوا عن تسيير أمور الدولة، ولم يعترفوا بغياب هذه الإمكانية عنهم، بل كابروا وتصدروا المشهد الرسمي، ورفضوا فتح أي باب أو نافذة لتعاون أصحاب الكفاءات الحقيقية معهم، وتصرفوا وكأن الدولة أحد مشروعاتهم الخاصة، وفشلوا في تحقيق الأمن للمواطنين التونسيين، ورفضوا بناء أجهزة أمنية علي أساس قيم الجمهورية والمواطنة، بل عملوا علي تشكيل أجهزة أمنية موازية بعقلية حزبية ضيقة، فتنامت ظاهرة العنف السياسي في تونس بصورة لم تألفها البلاد في تاريخها المعاصر.
هل هذا ما أراده التونسيون الذين فتحوا أبواب ما يسمي الربيع العربي؟
نحن هنا لا نشكك مطلقاً بحسن نيات التونسيين وصدق ثورتهم من أجل حياة ومستقبل أفضل، ومن أجل تونس أكثر استقراراً وأمناً، لكننا نحمل معهم المخاوف والقلق نفسه إزاء ذلك المستقبل الذي أرادوه ناصعاً، بينما حزب النهضة الأخواني السلفي ممن قَادَته المخططات الخارجية إلي واجهة المشهد، يريده مستقبلاً متطرفاً أسود، ويريد العودة بالبلاد إلي عصور الجاهلية.. تونس حولها 'النهضويون' إلي آثمة تحاسب علي حريتها وأفكارها المتقدمة، وتوضع في رقبتها مشنقة متنقلة تقتلها في اليوم الواحد آلاف المرات.
فبعد قرابة العامين من مساعي حركة النهضة لجر تونس إلي حضن تنظيم الأخوان المسلمين وفرض التطرف الديني عليها يسعي الشعب التونسي اليوم عبر الساحات إلي العودة بالبلاد إلي نهج حياته المنفتح الذي اعتاده والتوجه للمستقبل وفق رؤية معاصرة ترضي جميع التونسيين والتوافق الوطني علي دستور عصري يحفظ الهوية العربية ويصون الحريات العامة ويشجع الإبداع ويشد عصب المجتمع ويجعله قادرا علي مواجهة متطلبات العصر.
في تونس ما بعد الثورة، لم يعد الشعب التونسي يرضخ من جديد للديكتاتورية والاستبداد.. فالتظاهرات الحاشدة التي تعيشها تونس، هي مرآة رفض التونسيين لحكم المرشد ''الغنوشي''. وتبدو حركة النهضة الأخوانية، ومعها الطبقات المالكة للثروة في تونس في حيرة من أمرها، لا تعرف السبيل إلي النزول عند مطالب الشعب التونسي، في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي كل مرّة يطل علينا الشيخ ''راشد الغنوشي'' زعيم حركة النهضة بخطابٍ واعِظٍ يتحدث فيه عن امتلاك حركته، ومعها بالتلازم الحكومة، الأكثرية الانتخابية، وهو يضع هذه الأكثرية الانتخابية في مصاف المقدس، والمطلق، فحركة النهضة لا تمتلك سوي 20 في المائة أو أكثر من ذلك بقليل من أصوات الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب من الشعب التونسي 'أي مليون و250 ألفاً تقريباً من أصل 7 ملايين و600 ألف'، فما بالك إذا قسنا هذه النسبة المئوية مع عدد سكان تونس '11 مليون نسمة'، فسنجد هذه الأكثرية الانتخابية، أقلية بكل ما تعني الكلمة، لأن 80 في المائة من الشعب التونسي ليس مع حركة النهضة.
فالسلطة الديمقراطية من وجهة نظر العدد الأكبر من المواطنين التونسيين، تكمن في أن يعيشوا بحرية، أي أن يبنوا حياتهم الفردية بأن يجمعوا بين ما هم عليه وما هو ساعون إلي تحقيقه، بأن يقاوموا الانحراف الديمقراطي لحركة النهضة الإخوانية 'الذي بات يُعرف في تونس بالاستبداد المنتخب أو الانتخابي'، باسم ثورة الحرية والكرامة، وباسم الموروث الثقافي للمجتمع التونسي المتنوع في آن معاً... فقد باتت مكونات المجتمع المدني التونسي تري أن حركة النهضة الأخوانية في مسعاها نحو تغيير أنموذج المجتمع التونسي المتنوع، والسيطرة علي مفاصل الدولة وأخونتها، إنما ترسي أسس الدولة الدينية الاستبدادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.