كتب العملاق الأستاذ 'عباس محمود العقاد' سلسلة مقالات في التنديد بجماعة الإخوان المسلمين، عقب اغتيالهم لمحمود فهمي النقراشي –رئيس وزراء مصر- عام 1948م في جريدة 'الأساس' القاهرية، كشف فيها عن وجه هذه الجماعة الحقيقي، وعن قصة إنشائها، ومَن كان وراء تمويلها، وعن قصص المؤامرات التي حاكتها تجاه الوطن والإسلام! وهي التي ألَّبتْ عليه إرهابَ الجماعة، حتي حاولتْ قتله بعد ذلك! وهي مقالات تُزيل القِناعَ الزائفَ عن وجه هذه الجماعة الدموية! رجل.. مجهول الأصل! ففي مقالٍ له بعنوان 'فتنة إسرائيلية' كتب العقاد بتاريخ 2/1/1949م، يقول: 'والفتنة التي ابتُليت بها مصرُ علي أيدي العصابة التي تُسَمِّي نفسها بالإخوان المسلمين، هي أقرب الفِتَن في نظامها إلي دعوات الإسرائيليين والمجوس.. ! وهذه المشابهة في التديُّن والتنظيم هي التي توحي إلي الذهن أن يسأل: لِمصلحة مَن تُثارُ الفتنُ في مصر، وهي تُحارِبُ الصهيونيين؟! والسؤال، والحواس كلاهما موضع نظرٍ صحيح.. ويزداد التأمل في موضع النظر هذا، عندما نرجع إلي الرجل الذي أنشأ تلك الجماعة، فنسأل: مَن هو جَدُّه؟! إنَّ أحداً في مصرَ لا يَعرِف مَن هو جَدُّه علي التحقيق! وكل ما يُقال عنه، إنه من المغرب، وإنَّ أباه كان 'ساعاتيّاً' في السكة الجديدة! والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا في مصر هنا، لا نكاد نعرف ساعاتيّاً كان مشتغلاً في السكة الجديدة بهذه الصناعة، قبل جيلٍ واحدٍ من غير اليهود! ولا يزال كبار 'الساعاتية' منهم إلي الآن.. ! ونظرةٌ إلي ملامح الرجل تُعيد النظر طويلاً في هذا الموضوع.. ونظرة إلي أعماله، وأعمال جماعته تُغني عن النظر إلي ملامحه، وتدعو إلي العجب، من هذا الاتفاق في الخطَّة بين الحركات الإسرائيلية الهدّامة، وبين حركات هذه الجماعة! ويكفي من ذلك كله أن نُسجِّل حقائق لا شك فيها، وهي أننا أمام رجلٍ مجهول الأصل، مُريب النشأة، يُثير الفتنة، في بلدٍ إسلامي، هو مشغول بحرب الصهيونيين، ويجري في حركته علي النهج الذي أنتجه دخلاء اليهود والمجوس، لهدم الدولة الإسلامية من داخلها، بظاهرة من ظواهر الدين.. ! وليس مما يُبعِد الشبهةَ كثيراً، أو قليلاً أنّ أناساً من أعضاء الجماعة يحاربون في ميدان فلسطين، فليس المفروض أن الأتباع جميعاً يطَّلعون علي حقائق النيات! ويكفي لمقابلة تلك الشبهة، أن نذكر أنَّ اشتراك أولئك الأعضاء في الوقائع الفلسطينية يفيد في كسب الثقة، وفي الحصول علي السِّلاح، والتدريب علي استخدامه، وفي أمورٍ أخري، تُؤَجَّل إلي يوم الوقت المعلوم، هنا، أو هناك.. ! فأغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية في نهجها، وأسلوبها، إنْ لم تكن فتنةً إسرائيليةً أصيلةً في صميم بنيتها.. ! أيّاً كان الأمر فهي فتنة غريبة عن روح الإسلام، ونص الإسلام! وإنها قائمةٌ علي الإرهاب، والاغتيال، وكل ما قام علي الإرهاب والاغتيال، فلا محل فيه للحرية والإقناع! وجديرٌ بالمسلمين، ومن يؤمن بالحرية، والحُجَّة، من غير المسلمين، أن يقفوا له بالمرصاد'! أي استخدام هذه الأسلحة ضد مصر والمصريين، وهو ما نراه الآن في حرب الشوارع التي تريد فرضها هذه الجماعة الفاشية، لتنفيذ أجنداتٍ خارجيةٍ، لمآربها الخاصة! الإخوان.. خُدّام الصهيونية! ولم يكتفِ العقاد بتلك المقالة عن الإخوان المسلمين-كما يقول عامر العقاد في كتابه 'العقاد في معاركه السياسية' بلْ نراه يكتب مقالاتٍ أخري أشد عنفاً، وأقوي حجةً ومنطقاً، حتي إنه وصفهم بأنهم 'خُدّام الصهيونية'! فكتب العقاد بتاريخ 4/1/ 1949م، يقول: ' أُمة مصرية مشغولةٌ بفتنةٍ هنا، وجريمةٍ هناك، وحريقٍ يُشعَل في هذه المدرسة، وإضرابٍ يستفحل في هذا المعهد، ومؤامراتٍ في الخفاء، تُغَذِّي هذه العناصر المُفسِدة، بالتحريض والتهييج، وتُزَوِّدها بالذخيرة والسِّلاح! أهذه هي محاربة الصهيونية؟! أهذه هي الغَيرة علي الإسلام؟ أيُّ خدمةٍ للصهيونية أكبرُ من هذه الخدمة؟! وأيُّ خذلانٍ للإسلام أشنع من هذا الخذلان؟! إنَّ يهود الأرض لو أجمعوا جموعهم، ورصدوا أموالهم، وأحكموا تدبيرهم، لينصروا قضيتهم بتدبيرٍ أنفع لهم، من هذا التدبير، لَما استطاعوا! وإلاَّ، فكيف يكون التدبيرُ الذي ينفع الصهيونية في مصر، في هذه المواقف الحرجة، في هذه الفرصة المؤاتية لقضاء لَباناتهم 'حاجاتهم وأغراضهم' إنْ لم يكن هذا هو التدبير، الذي تشتريه الصهيونية بالمال، والحيلة، والجهد الجهيد؟! إنَّ العقول إذا ران عليها الغباءُ، كانت لتلك العقول، التي وصفها القرآن الكريم أصدقَ وصفٍ، لأصحاب الهاوية الذين ' لهم قلوبٌ لا يفقهون بها، ولهم أعينٌ لا يُبصِرون بها، ولهم آذانٌ لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون'! هؤلاء الغافلون يمكن أن يقال لهم: إنها هي الفرصة السانحة للانقلاب المنشود، فيُصَدِّقون!.. فرصةٌ للصهيونيين، نعم! أمّا فرصةٌ لمصر، فمتي وقع في التاريخ انقلابٌ، ودفاعٌ في وقتٍ واحد؟! متي استطاع أناسٌ أن يُوَطِّدوا انقلاباً، ويُهيِّئوا أسبابَ الدفاع في أسبوعٍ واحدٍ، أو شهرٍ واحدٍ، أو سنةٍ واحدة؟.. أبتْ الرءوسُ الآدميةُ أن تنفتح لضلالة هذه الضلالة، لو كان الأمر هنا أمرَ إدراكٍ وإقناع! ولكنَّ الكلام عن الإدراك والإقناع هنا عبثٌ ومُجون! وإنما هي مطامع خبيثة تتطلَّع، وغرورٌ صبياني يُهاجُ، وشرٌّ كمينٌ في الطبائع العوجاء يُستثار'! وختم العقاد مقاله بقوله: 'وليس لهذه الآفة من علاجٍ غير علاجٍ واحدٍ، وهو الشدَّة التي لا تعرف الهوادة، والحزم الذي لا يعرف الإبطاء! فيا رجالَ مصر: هل أنتم رجال'؟! هذا، وقد بلغ العقادُ الشأوَ في حملته تلك، وهو يكشف لأبناء وطنه خطورة هذه الجماعة علي السلام، والإسلام! وكأنه يعيش بيننا اليوم، فيري جرائم الإخوان بحق مصر والمصريين، ومحاولة حرق مؤسساتها الوطنية، وهدم بنيانها العريق! فكتب تحتَ عنوان 'فتنة أجنبية' بتاريخ 2/5/1949م، مقالاً، جاء فيه: 'إننا نحن اليوم بحاجةٍ إلي محاكم كمحاكم الاستقلال، التي استعان بها مصطفي كمال'أتاتورك' علي حماية بلاده، من أمثال هذه الشرور! محاكم لا تُقيِّدها الحروف، ولا الأشكال.. ! فما مِن عاقلٍ في الدنيا يري أن تنطلق شِرذمةٌ من الزعانف، لا تُساوي وزنها تراباً، لِتُهدِّد الأمَّة كلها في سلامتها، ثم يقال: إنَّ حريةَ القانون حقٌّ لأمثالِ هؤلاء! وإنَّ هذه الحرية حقٌّ حين تُغَلُّ أيدي الملايين من الأبرياء، ولا تُغَلُّ أيدي هؤلاء الوحوش، الذين هم وصمةٌ علي الإنسانية، وعلي الحياة'! أجل، لقد صدقتَ- يا أستاذ عباس العقاد- فيما كتبتَ وذهبتَ إليه بالتحليل العميق، والرؤية الواضحة، وكَشْفِ المستور من تاريخ الإخوان التآمري، لذلك.. يجب بتر سرطان الإخوان من مصر، والعالم العربي، فإمّا الوطن المستقر، وإمّا الفوضي العارمة التي تأتي علي الأخضر واليابس، فلا تُبقي ولا تذر!