أسأل الشمس ان يعود لي ضياؤها حتي أتمكن من قراءة وجوه الناس السرية!! السبت: أنا ابن الريف.. ومازالت قنوات الماء الصغيرة تجري تحت جلدي.. ولكن شمس الريف ماتزال غائمة.. أو نائمة.. ولعل الشمس سافرت إلي بعيد لتشرق علي أرض أخري.. وأنا أريد ان أقرأ أوراق البشر في ضوء الشمس، ولعل ذلك يوضح لي ما تنطوي عليه وجوه الناس من خفايا.. لعل ضوء الشمس يكشف »الخبايا« مما يجعلني قادرا علي فهم ما أصاب الناس.. أنا ابن الريف الذي يقف علي أرض الزمن ولكنه ليس زمني، فأنا أعيش الوجع الذي أصاب بدني من الناس.. هذا الوجع مصدره غياب العهود والوعود وأسأل الشمس أن يعود لي ضياؤها حتي أتمكن من قراءة وجوه الناس السرية التي تنطوي علي أمراض أصبحت بلا علاج.. والناس لا يحفلون بالبحث عن الأسباب أو العلاج من هذا المرض الذي انتشر فينا كالوباء!! هذا المرض اسمه المواعيد، معظم الناس أصبحوا غائبين عن فضيلة: اسمها المحافظة علي المواعيد.. فأنا ابن الريف المريض بالمحافظة علي المواعيد التي أصبح الناس في بلادي لا يحافظون عليها، والمواعيد لها علاقة وثيقة بالأخلاق ومن أضاع المواعيد أو استخف بها فلا عهد له ولا مثياق!! وسبحان الله فأنا علي الرغم من نشأتي الريفية التي لم يكن من مفرداتها »المواعيد« فكنت في أيام الريف أسمع عن مواعيدهم تتم هكذا.. واحد يطلب من واحد موعدا للقاء.. فأسمع عبارة »في ضحاوي النهار« ولا يسأل الساعة كام.. لأنهم في الأصل بلا ساعات.. والمواقيت يحسبونها علي ضوء شمس النهار.. وأسمع آخر يطلب موعدا من الآخر، فيقول له ان الموعد في »صفاري شمس« يعني في آخر النهار بمعني قبيل الغروب.. أي عندما تكون الشمس علي وشك المغيب، وأسمع واحدا يسأل واحدا عن موعد فيقول له: بعد العشاء والليل كله »عشاء« وفي أدبيات الفلاحين في الريف هذه الأقوال: مرحبا يا خالي.. »جئتنا ممسي« فيرد الخال قائلا: »الليل طويل يا ابن أختي وخالك مابينامش«!! هكذا وعلي هذا النحو تكون المواعيد في الريف، ومع ذلك فأنا نجون بفضل ربي في أخذ أو اعطاء المواعيد.. وأريد دائما التجديد.. هذه الطريقة الريفية في المواعيد مرفوضة، ومع ذلك فإنها شاعت وأصبح من النادر أن يصدق واحد في موعد قطعة علي نفسه، وأصبح معظم الناس في »حل« من المواعيد وهذه الظاهرة تفشت منذ زمان بعيد واستفحلت وأصبح كل واحد علي كيفه سواء الطالب أو المطلوب، وما عاد أحد يعرف ثقافة الاعتذار عن عدم الوفاء بالوعد، وتفشي الأمر وأصبح عُرفا سائدا بين الناس.. وأقول سبحان الله الذي أبدع كل شيء صنعا، فنري الزرع والحصاد.. والشجر والثمر والليل والنهار.. وفيضان الأنهار.. والشمس والقمر.. كل أولئك لا يخلفون موعدهم.. إن في ذلك عبرة لمن يريد ان يتذكر ولله المثل الأعلي.. خلق كل شيء بقدر وسبحان الله أحسن الخالقين!! تصرفي كالمرأة وفكري كالرجل الأحد: وجدت ابنتي مهتمة بقراءة كتاب معين.. تتحرك به في كل مكان.. عندما تذهب إلي النادي، أو بين الوجبات أو عندما تشرب الشاي في الصباح، ولفت انتباهي اسم الكتاب »تصرفي كالمرأة وفكري كالرجل«.. وعندما سألتها عن مؤلف الكتاب ومضمونه قالت: المؤلف هو الكاتب الأمريكي الساخر »ستيف هارفي«.. أما الكتاب فيسبر أغوار الرجال ونفسيتهم.. هذا الرجل يفضح الرجال وألاعيبهم يابابا«.. قالت أميرة.. وتساءلت في نفسي هل أصبح الرجال غامضين إلي هذه الدرجة وهل النساء فعلا بحاجة إلي كتب ليعرفوا كيف يتعاملون معنا؟ وماذا كانت تفعل النساء في الماضي.. هل كانوا يحتاجون إلي رجال ليكشفوا أسرار بني جنسهم للنساء حتي يستطيعوا اصطيادهم أو لكي يقعوا فريسة في براثنهم. سؤال لا أعرف اجابته!! كل ما أعرفه ان الرجل كائن بسيط وفي اعتقادي أنه أقل تعقيدا من المرأة نظرا لأن المرأة بطبيعتها هوائية ومزاجية، وتحكمها تغيرات فسيولوجية عديدة تؤثر في حالتها المزاجية.. انتابني الفضول وسألت ابنتي أن تلخص لي عماذا يتكلم الكاتب، فبدأت تشرح لي باستفاضة وكأنها تختبر مدي استيعابها للمعلومات قالت: يتناول الكتاب أولويات الرجل وكيف يرتبها وهي تتلخص في تحقيق ذاته واستقراره المادي قبل التفكير في دخول علاقة جدية، وعلي المرأة ان تفهم ذلك فهو لن يأخذ أي خطوة جدية قبل التأكد من تحقيق أهدافه.. قلت لها: »الكلام معقول جدا من وجهة نظري.. فأكملت: الكاتب يؤكد ايضا علي ضرورة ان تضع المرأة قوانين ومعايير لنفسها لأن الرجال تحترم المعايير مثلا »لو أنا عايزاه يدفع الشيك عندما نخرج معا فلابد ان أوضح توقعاتي في العلاقة منذ البداية وأن يفتح باب العربية قبل أن يجلس هو، وأن يداوم بالسؤال عني باستمرار لكي يطمئن عليّ.. وحاجات زي كده!! قلت لها ضاحكا: »هوه الراجل في الزمن ده بقي »نطع« وإلا إيه«.. هي دي عايزة قوانين ومعايير دي حاجة طبيعية والمفترض أنها من فطرة الرجل، وعليه أن يعتني بالسيدة حتي لو لم تكن تربطه بها أي عواطف« وترد أميرة: يا بابا السيدات والآنسات في بلادنا هم الذين أصبحن يتنازلن عن حقوقهن في التعزيز والتدليل ربما بسبب التركيز علي فكرة تأخر سن الزواج وكثرة عدد النساء في مواجهة عدد الرجال.. فأصبح عند المرأة خوف وهاجس من عدم الزواج وهاجس خفي يدفعهن إلي تقديم التنازلات وعلي هذا فالكاتب يؤكد علي تمسكنا بحقوقنا ومعرفة أولوياتنا. اشفقت علي ابنتي من وجودها في هذا الزمن الصعب الذي يتعين فيه علي المرأة ان تقرأ الكتب وتتسلح بالتقنيات والمعلومات حتي تستطيع ان تحصل علي ما تمليه الفطرة علي الرجل وما تستحقه المرأة التي أوصانا بها رسولنا الكريم في أكثر من حديث. العين تدمع الاثنين: علي ما يبدو وحتي الآن أن محاولتي لاستدعاء الفرح قد فشلت فأنا من عاداتي أحيانا أن اتغلب علي مشاعر الحزن باستدعاء لحظات الفرح.. أستدعيها واعيش لحظاتها ولكنني اكتشفت انني أحاول الهرب من واقع أليم إلي استدعاء الماضي وأنا أعيش الحاضر ومن المفروض ان أتأمل من أجل المستقبل.. مشاعر الحزن جاءتني حيث يعيش أهل فلسطين في غزة، وما يعانون من ويلات هذا العدو الفاسد الباطش ونظامه الموصوم بالقرصنة وأتساءل.. واستنكر ولكن ماذا يفيد الاستنكار؟ هل سيوقف الموت الذي يتربص بالاطفال والشباب والنساء.. قلبي وعقلي مع أهلي في غزة.. أقول لهم: سوف ينصركم الله بإذن الله.. برغم أن العين تدمع والقلب يخفق!! رصيف الليالي الثلاثاء: يا أهل التزمت والنوافذ المغلقة.. الدنيا بخير والفضيلة بخير والوطن الجميل بخير، ولا داعي للخوف علي الأخلاق وإذا ظهرت ظواهر مروعة في فسادها فالأيام كفيلة بتعديل المسار وأهل الأخلاق والفضائل هم حراس الوطن ولا داعي للخوف علي الأخلاق والفضائل لأن مصر يحفظها الله ويحفظ أهلها. ومناسبة هذا الكلام أنني سمعت من سوبر ماركت قريب مني أم كلثوم تغني وجاء صوتها من الراديو.. والسهرانين من الناس الطيبين الباحثين عن نسمة شاردة في سماء المدينة جالسون في أمان الله، وكانت أم كلثوم تغني أغنيتها الشهيرة »أنت عمري« والزبائن مستمتعون باللحن الرائع للخالد محمد عبدالوهاب مع صوت كوكب الشرق من مقطع عند نهاية القصيدة الجميلة للشاعر أحمد شفيق كامل وتشدو أم كلثوم: يا أغلي من أيامي يا أحلي من أحلامي.. خدني لحنانك خدني عن الوجود.. وابعدني بعيد.. بعيد وحدينا.. علي الحب تصحي أيامنا.. ع الشوق تنام ليالينا.. الله الله.. يا ست.. كان الزبائن علي المقهي الصغير يقولون استحسانا لجمال الغناء وروعة اللحن والأداء.. خاصة عزف الناي للعازف الجميل سيد سالم!! المهم أتذكر في عام 4691 عندما أذيعت أغنية كوكب الشرق وجدنا في بعض الصحف والمجلات من يعيب علي كلمات »خدني لحنانك خدني.. عن الوجود.. وابعدني.. بعيد بعيد وحدينا« كان حراس الفضيلة من أهل التزمت يتساءلون ويقولون في بعض مقالاتهم: يأخذها بعيد فين؟ وكنت استغرب من مثل هذه الأقوال لأنني كنت أسمع في زماني وأنا صغير كلمات الغناء في الأفراح.. وهذه الكلمات لأغنيات الفرح الجميل مع المواويل وأتذكر الكلمات وأطرب ولا أغضب وكنت اتساءل: ما الذي جري؟ ولا جواب لهذا التساؤل وتمضي بي الأيام وأتذكر أغنيات زمان ومواويل الليل زمان.. وربما عمر هذه الأغنيات مئات السنين وكذلك المواويل في الليل الجميل!! وأستحضر بعض الكلمات التي صارت من الموروث القديم أو الفلكلور ولماذا لم تقم تلك »الهوجة« علي كلمات الموروث القديم من مئات السنين والاجابة الوحيدة في ذهني هي أن الباحثين من المتنطعين عن دور يريدون إغلاق العقول والنوافذ والأفكار!!