عبدالقادر شهيب ليس جديدا ان يعلن الإخوان رغبتهم في تشكيل حكومتهم.. فقد أعربوا عن ذلك من خلال تصريحات متناثرة لعدد من قادتهم قبل أن تنتهي الانتخابات البرلمانية، وبعد ان تبين من خلال الجولات الأولي لهم ان نتائجها رجحت كفتهم.. لكن الجديد ان الاخوان ظهروا مؤخرا في صورة من يتعجلون الوصول إلي الحكم اليوم قبل الغد، وأنهم باتوا غير قادرين علي الانتظار بضعة اشهر او بالاصح بضعة أسابيع قليلة الان حتي انتخاب رئيس جديد للبلاد.. وهذا ما تكشف عنه مفاوضاتهم مع تيارات وقوي سياسية أخري للمشاركة في حكومة جديدة اطلقوا عليها اسم حكومة ائتلافية..لذلك صب الإخوان كل غضبهم علي حكومة د.الجنزوري منذ اليوم الاول لانعقاد البرلمان، ساعين للاطاحة بها، من خلال سحب الثقة فيها، حتي يجد المجلس الاعلي للقوات المسلحة نفسه مضطرا في نهاية المطاف لتكليفهم بتشكيل الحكومة. فهم استقبلوا الحكومة في البداية بالتحقيق مع وزير الداخلية، وفور انتهاء الجنزوري من القاء بيان الحكومة اعلن نواب الاخوان قبل ان يدرسوا برنامج الحكومة انهم سوف يرفضون هذا البرنامج، وسوف يبدأون في اجراءات سحب الثقة منها خلال مناقشة مجموعة من الاستجوابات الموجهة إلي عدد من وزرائها ورئيسها.. وقد اظهر ذلك ان الاخوان قد عقدوا العزم علي عدم استمرار الحكومة حتي 03 يونيه القادم، رغم انه لم يعد متبقيا علي هذا التاريخ سوي عشرة أسابيع فقط. لكن مع ذلك فإنه لا يكفي لتفسير التصعيد الممنهج بشكل واضح من قبل الاخوان في البرلمان ضد حكومة الجنزوري بالرغبة الجارفة لدي الاخوان للوصول الي الحكم، او اشتياقهم إلي هذا الحكم الذي يسعون اليه منذ نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، حينما اعلن امامهم الشيخ حسن البنا أن الاسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم، وان الجماعة سوف تنتقل من دعوة الكلام وحده إلي دعوة الكلام المصحوب بالنضال والاعمال. فالإخوان يدركون قبل غيرهم ان السلطة التشريعية قد صارت بالفعل في قبضتهم حتي وان كانوا لم يحصلوا علي الاغلبية الكاملة في مجلس الشعب.. وبالتالي يعرفون انهم سوف يعتلون قريبا السلطة التنفيذية، حتي وان انحاز الدستور الجديد للنظام الرئاسي الذي يمنح رئيس الجمهورية حق تكليف من يشكل الحكومة، وأيضا واذا انتخب رئيسا للجمهورية شخص ليس منهم او متفاهم معهم.. لان اي رئيس جمهورية حتي وان كان علي غير هوي الاخوان سوف يراعي انهم قادرون من خلال سيطرتهم علي السلطة التشريعية علي ازعاج أية حكومة هم مستبعدون منها أو لا يشاركون فيها. خلاصة الامر ان السلطة التنفيذية سوف تكون في متناول ايديهم قريبا جدا، واذا كان الاخوان قد تحملوا اعباء انتظار تحقيق رغبة الوصول إلي السلطة طوال ثمانية عقود، فليس صعبا عليهم تحمل عناء الانتظار عشرة أسابيع اضافية. اذن.. ليست الرغبة الجارفة للامساك بالسلطة تفسر وحدها التصعيد الواضح للإخوان داخل البرلمان ضد حكومة الجنزوري.. ولابد ان ثمة سببا آخر لهذا التغير في مسلك الاخوان تجاه حكومة الجنزوري، الذي انقلب من الترحيب بها أثناء تشكيلها عندما كان هناك آخرون يرفضونها ويمنعون رئيسها من الدخول الي مقرها، إلي المطالبة بالاطاحة بها الآن وفورا، بدون انتظار بضعة أسابيع قليلة.. والاغلب ان هذا السبب يتمثل في التغير الذي طرأ علي علاقة الإخوان بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة، حيث بات الاخوان يتجهون الآن إلي الصدام بدلامن الحوار معه مثلما كان الحال من قبل.. فالإخوان يعرفون جيدا ان المجلس متمسك بحكومة الجنزوري لانه يري انها قامت وتقوم بدور مهم في هذه الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، سواء في اعادة الامن او منع تدهور الاقتصاد المصري.. لذلك عندما يقوم الاخوان بالتصعيد ضد حكومة الجنزوري فانهم في الوقت ذاته يصعدون ضد المجلس الاعلي للقوات المسلحة.. أي أن الاخوان يوجهون خلال هجومهم علي حكومة الجنزوري رسائل ذات مغزي للمجلس الاعلي للقوات المسلحة.. فهم بذلك ينتهجون سياسة الكلام لك يا جارة، حينما يخاطبون بخشونة الجنزوري او وزراءه في البرلمان. هنا يثور السؤال.. لماذا يتصادم الإخوان الآن مع المجلس العسكري في وقت هم متأكدون فيه أن المجلس سوف يسلم السلطة في موعدها المحدد؟ والاجابة هنا لا يمكن اختزالها في ضيق الاخوان من استباق المجلس العسكري بدء عمل البرلمان باتخاذ قرارات مثل تشكيل المجلس القومي للمرأة او حتي تعيين رئيس تحرير لجريدة الاهرام، او اصدار قانون الانتخابات الرئاسية.. ولكن الاغلب أن ما يعنيه الاخوان - أهم من ذلك.. فهم يبغون انجاز عملية اعداد الدستور الجديد والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يمثل اهم مؤسسة من مؤسسات الدولة في حالة انشغال وعدم تركيز، وذلك لتفادي أي تأثير له، ولو غير مباشر، علي اختيار اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور، ثم علي عملية صياغة هذا الدستور الجديد. انهم يريدون ان يحتكروا وحدهم التأثير في عملية صياغة الدستور حتي يأتي هذا الدستور علي هواهم.. هذه واحدة اما الثانية فهي تمثل رغبتهم في قطع الطريق علي المؤسسة العسكرية في ان يكون لها اي دور يعبر عن وزنها الفعلي الان علي ارض الواقع في الدستور الجديد.. وهنا يمكن تفسير كثير من التصرفات والمواقف الاخوانية وكان اخرها الموقف من سفر المتهمين في قضية التمويل الأجنبي. وهكذا.. صدام الاخوان مع حكومة الجنزوري هو في حقيقته صدام مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. ويحكم هذا الصدام اعتبارات عديدة منها مراعاة الاخوان قوة من يتصارعون معه.. ولذلك نري يوما الاخوان في البرلمان شديدي الغضب وفي اليوم التالي يسيطرون علي غضبهم.. انها شروط لعبة شد الحبل الدائرة الآن!