بداية كنت أتمني ان يكون بيننا الآن الراحل الكريم الاستاذ »فتحي رزق« ابن الاخبار وعضو مجلس نقابة الصحفيين المحبوب والمرغوب والذي كنا نسعد بالوجود حوله في حديقة نقابة الصحفيين ذات المبني التراثي القديم الذي تم هدمه لاقامة المبني الكائن الآن. هكذا الحال والزمان.. كنت اتمني ان يسعد عمنا »فتحي رزق« بقراءة حوارات ابنه »ياسر« الذي حببه في الصحافة وطالما كان »ياسر« يأتي الي النقابة وهو طالب فيتهلل وجه عم »فتحي« وتزداد حمرته وتقفز السعادة التي تتخلل عيونه وكنا نلاحظ ذلك عندما نوجه النظرات له ونلمح ذلك من خلال النظارة ذات الشنبر »الذهبي« فيرفع عم »فتحي« ذراعه متحسسا شعر رأسه اللامع الابيض والناعم والانسيابي ومن كان ينظر ل »فتحي رزق« ودون ان يعرف طبيعة عمله الصحفي يظن انه فيلسوف او استاذ في العلوم.. كان الرجل رغم مظهره ووجاهته وشياكته ابن بلد يعطينا النصائح ويحنو علينا وبحب وليس بتعال او غيرة او حقد! حتي انه كان ينظم لنا الرحلات ويستضيفنا في الاسماعيلية ونذهب الي مقر هيئة قناة السويس ونسعد بالجولة البحرية ودون ان نصرف من جيوبنا اي مليم!! وقتها كان مجلس نقابة الصحفيين مجلس بصحيح.. الجميع كان متعاونا والعلاقات بين الجميع كالسمن علي العسل.. يختلفون ولكن كان الحب والوداد يجمعهم لصالح الجموع من الجماعة الصحفية.. انا آسف لهذه المقدمة ولكن يحتم عليّ أن أكتب ذلك ليس نفاقا او رياء لرئيس التحرير »ياسر رزق« الابن لرجل فاضل حقق ابنه ما كان يتمناه لفلذة كبده بان يكون صحفيا متمرسا ومتميزا.. وحقق »ياسر« وصية والده وسار علي نهجه وبتفكيره الواعي والمنطقي وفي صمت بليغ استطاع ان يتصل ويتكلم ويقنع كاتبا كبيرا وقمة من قمم الصحافة ليس علي مستوي مصر والعالم العربي بل علي مستوي العالم الذي ينظر له بالاعجاب والتقدير والاحترام ولانه يكتب دائما »بصراحة« وكان عنوان مقاله الشهير والذي كانت تحلله مراكز اتخاذ القرارات في العديد من الدول سواء كانت الصديقة او كانت سياساتها معادية لمصر.. والمحبب في حوارات »ياسر رزق« التي اجراها مع الاستاذ »هيكل« ابن الاخبار قبل ان يكون رئيسا لتحرير »الاهرام« ان اسئلتها كانت »بحرفنة« او قل »بمعلمة«.. لم تكن اسئلة »مشبكة« او ملعبكة!! كانت اسئلة مباشرة وبدون لف او دوران ومحددة وغير متميعة او ارتجالية او استعراضية.. كانت تلقائية الاسئلة.. كالتلغرافات المباشرة فما كان من الاستاذ »هيكل« الا ان يعقب مثلا علي احداها بأننا نعيش لحظة كسر القيد ولهذا وقع الصدام بين الشباب والمجلس العسكري.. بل ان الاستاذ لم يتحرج في ان يعلن وبالفم المليان بان التربص وتمني الفشل للإخوان المسلمين ضار بالوطن قبل ضرره بالجماعة!! »هيكل« اعلن ذلك رغم سبق ما تعرض له من كتابات جارحة وحادة وطوال اكثر من 03 عاما مضت من كتاب ينتمون للاخوان بعضهم مازال حيا بيننا والآخرون توفاهم الله.. ولكنه »هيكل« الذي يقول رأيه بمصداقية ومشبعا بالوطنية لانه مصري صميم وليس بالأرزقي او الأونطجي! بل ان حوارات »ياسر رزق« رئيس تحرير الاخبار »الشاب« الذي يجلس الآن علي كرسي الاساتذة ممن سبقوه ومنذ ان اسسها العملاقان »مصطفي امين وعلي امين« حيث كانت الاخبار »فكرة« والتي خلدها »علي أمين« بعموده الذي اخذ ذات الاسم وبعد ان رحل في منتصف السبعينيات واصل كتابتها ايضا »مصطفي امين« توءمه حتي رحل عن دنيانا.. وياليت »ياسر رزق« يعيدها لنا من جديد ليعلم الجيل الحالي مضامين ما كان يُكتب في فكرة.. ما علينا في حوارات »ياسر« مع الاستاذ قالها »هيكل« بصراحة بانه في العادة لايتحقق مطلب الهدوء الا بعد ان تنتهي حالة »النشوة« بالحرية واليقين منها قبل تسليم السلطة وبعدها! بل اكد الاستاذ »هيكل« بانه ستظل في مصر قوات مسلحة وشباب يريد الحرية ويطلب العدل والتقدم.. كانت تلك الاجابة ردا علي سؤال وجهه »ياسر« ل »هيكل« وبدون زيادة او نقصان عندما قال ان سوء الفهم بين المجلس الاعلي والشباب تحول الي »صدام« فكيف يمكن فك الاشتباك وعلاج الجراح؟ ويبدو ان مفردات هذا السؤال جاءت علي مخيلة »ياسر« لانه مارس بحب عمله كمراسل عسكري فتجد كلمة »الصدام« والاشتباك ولذلك صاغ »ياسر« السؤال بحرفنة فكانت الاجابات الشافية والمحددة.. واريد ان اقول ايضا انه من خلال مطالعتي للحوار احسست بانني جالس أستمع للأستاذ »هيكل« لان »ياسر« وصف لنا مكان اللقاء سواء الذي بدأ في مكتب الاستاذ »هيكل« الذي يطل علي النيل وحتي عندما ذهب »ياسر« لمكان اقامة »هيكل« في مكان اقامته »ببرقاش« حيث المنزل الهاديء والحديقة الجميلة وبالقرب من الرياح التوفيقي وكان من حظي انني ذهبت يوما إلي هذا المكان بصحبة الخال والعم الحاج »ابراهيم نافع« الذي رحل عنا منذ سنوات وكان الصديق الصدوق للخال والاستاذ عمنا »محمود السعدني« يومها لم نجد »الاستاذ« وكان قد ذهب لاحد الاطباء وتركنا »صورة« للاستاذ كنا نحملها والتقطت بنادي الصحفيين وكانت في »برواز« وفي الصورة كنت أقبل »هيكل« علي جبينه.. بصراحة لا أريد ان أستطرد اكثر من اللازم وخلاصة الكلام ان حوارات »ياسر رزق« رئيس التحرير الشاب مع الاستاذ »هيكل« أنعشت العقول الناعسة والمعتمة وأضاءت الطريق لاستشراق ما يجب ان يكون عليه الحال لتنعم »مصر« بالخير والامان وايضا اقول بان »هيكل« سعد »بياسر رزق« لانه ادرك سمات نباهته وعشقه لعمله الصحفي فأعطاه من وقته ولم يبخل عليه برؤاه وافكاره التي تشع من عقله.. شكرا »للاستاذ« و»لياسر رزق« كمان الذي أسعد قراء »الأخبار« بحوار لم يكن »كالخوار« وكانت اسئلته تتميز بالوقار والاحترام وبعكس الحوارات مع اخرين والذين حولوا الصحافة الي سخافة ولذلك جاء حوار »ياسر رزق« بمنتهي الشياكة.