اليونان تنفي تقارير تتهمها بمعاملة المهاجرين غير الشرعيين بوحشية وتركهم يموتون في البحر    يديعوت أحرونوت: هل تنضم إيران لحزب الله في حرب مع إسرائيل؟    الجيش الأمريكى: تدمير 4 رادارات وطائرة مسيرة للحوثيين    لقطة أثارت الجدل.. لماذا اشتبك محمد عواد مع حسام عبدالمجيد؟    عاجل.. سمير عثمان يكشف سبب عدم احتساب ركلة جزاء زيزو هدفا    تعرف على طقس ثالث أيام عيد الأضحى.. انخفاض درجات الحرارة    السياحة والآثار: الحالة العامة للحجاج مستقرة وتم التأكد من تلقيهم كافة الخدمات    4 مشاهد من العرض الخاص ل«ولاد رزق 3» في الرياض.. الهضبة يُهنئ عز على فيلمه    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    نائب أمير مكة يسلم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    تامر حسني يبهر جمهوره بالطيران في الهواء بحفل ثاني أيام العيد (صور)    بوتين: روسيا وكوريا الشمالية تتعهدان بإفشال المخططات الغربية وفرض نظام عالمي جديد    مسؤول إسرائيلي يعلق على مصير عشرات الرهائن في غزة    «الحمل الوديع الذي يأكله الذئب».. مدحت العدل يهاجم مجلس الزمالك بعد الخسارة أمام المصري    طاقم حكام مباراة زد أف سي وفاركو في الدوري    ملف مصراوي.. أزمة ركلة جزاء زيزو.. قرار فيفا لصالح الزمالك.. وحكام الأهلي والاتحاد    واشنطن: تشكيل حكومة الحرب الإسرائيلية قرار لا يخصنا    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    شديد الحرارة نهارًا.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    شهداء ومصابون فى قصف للاحتلال على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    منتخب فرنسا يبدأ مشواره فى يورو 2024 بالفوز على النمسا بهدف ذاتى    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    فجرها خطيب وإمام المسجد الحرام، وفاة الداعية عمر عبد الكافي إشاعة أم حقيقة    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    قتل شخصين أول أيام العيد، مقتل عنصر إجرامي في تبادل لإطلاق النار مع الأمن بأسيوط    مفاجأة عن الحالة الصحية للطيار المصري قبل وفاته، والشركة تبرر تصرف مساعده    «قضايا الدولة» تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عودته بعد أداء فريضة الحج    تعرف على حدود التحويلات عبر تطبيق انستاباي خلال إجازة العيد    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    8 أعراض تظهر على الحجاج بعد أداء المناسك لا تقلق منها    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    تعرف على سعر الفراخ والبانيه والبيض بالأسواق اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    السيطرة على حريق بمحل بطنطا دون خسائر في الأرواح.. صور    معركة حسمها إيفان.. حكم الفيديو أنقذنا.. تعليقات الصحف السلوفاكية بعد الفوز على بلجيكا    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
شجون ليبية
نشر في الأخبار يوم 10 - 01 - 2012

بعد سنوات طويلة في أهم المواقع السياسية، بعد بداية الثورة بأيام اتخذ قراره، وألقي عبدالرحمن شلقم خطابه المؤثر في مجلس الامن، وانضم الي الثوار، الي جيل جديد لا يعرف الخوف..
علي مقربة من مبني الأمم المتحدة أحد معالم مدينة نيويورك يقع بناء مرتفع، يتجاوز عدد أدواره الثلاثين، إنه مقر البعثة الدائمة للشقيقة ليبيا، الآن يرفرف فوقه علم الثورة، تغير الوضع، المبني قائم بجميع عناصره، غير أن المضمون تبدل، هذه المرة يتم لقائي بالصديق القديم الشاعر الدبلوماسي رجل الدولة عبدالرحمن شلقم في مكتبه أصبح من معالم الثورة، وأحد الوجوه المرتبطة بها، ومن أهم الذين قاموا ومازالوا بأدوار حاسمة.
فوجئ العالم به بعد نشوب الثورة في بني غازي بأيام يلقي خطابا مؤثرا امام مجلس الامن قطعة أدبية رفيعة تفيض بالألم والمعاناة، كنت اتابع الخطاب عبر التليفزيون مباشرة، رأيت دموعه تنسال فوق أخاديد وجهه الطيب، أصغيت بعمق إلي قوله: »من أسف أن أكون في هذا الموقف، أول مرة سمعت فيها معمر القذافي يخطب كانت في مدرسة ثانوية، في الجنوب سنة9591، كان يقول: أريد الحرية للكونغو، وسمعته سنة 1691 يتكلم احتجاجا علي تجارب القنابل الذرية الفرنسية في الجزائر، وفي سنة 1691 ضد الانفصال بين سوريا ومصر، وها أنا أسمعه اليوم يقول لشعبه، إما أن أحكمكم أو أقتلكم وأدمركم«.
أنهي خطابه باعلانه التخلي عن منصبه كسفير لبلاده الي الامم المتحدة، وفارق المنصة دامعا بين دهشة المحيطين به وقد أدركتهم المفاجأة، إلا أنني لم أفاجأ، أشهد أنني خلال لقاءاتي به، خاصة في مكتبه. كان يتطرق إلي الحديث عن الاوضاع في ليبيا، وينتقدها بشدة وقبل الثورة بعام تحدث عن علاقته بالقذافي. وصفه بالمجنون، المختل، وأنه انعزل تماما عن الواقع، أفاض في النقد حتي أنني أشفقت عليه تحسبا لما قد يلحقه من أذي جسيم، معروف أن مقار البعثات الدبلوماسية تكون مزودة بأجهزة تسجيل، إن لم يكن من الدولة صاحبة المقر فربما من جهات أخري، أخشي عليه هو، خاصة أنه روي لي ما ودعه به القذافي عند صدور قرار تعيينه سفيرا في الامم المتحدة »أخشي أن تهرب«.
مسيرة شلقم
منذ ان عرفته في مصر لم يتغير ذلك التعبير الهادئ علي وجهه، ايضا مشاعره تجاه البلد الذي تعلم فيه، تخرج من قسم الصحافة، كلية آداب القاهرة، عام واحد وسبعين، الا أنه كان معروفاً، مألوفاً في الأوساط الثقافية، الندوات الشعرية، المقاهي التي يلتقي فيها المثقفون خاصة مقهي »ريش« الذي كانت تعقد فيه ندوة نجيب محفوظ وفيه تعرفت به، كان المقهي نقطة لقاء لكل من يجييء إلي القاهرة، ليس من العالم العربي، إنما من بلدان أجنبية، كثيرون عبروا، بعضهم أصبح مسئولاً كبيراً في بلده، منهم الذي أصبح رئيساً ثم قتل أو أعدم، ومنهم من ذهب إلي النسيان، تخرج عبدالرحمن في آداب القاهرة، وعاد إلي بلاده ليعمل محرراً في جريدة الفجر الجديد، ثم تدرج في المواقع الإعلامية، أصبح مقرباً من القذافي لتمكنه من حفظ الشعر العربي القديم، كان القذافي يفضل شعر الفخر، يحفظ بعضاً من أبيات معلقة عمرو بن كلثوم التي يقول فيها:
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً
تخر الجبابر ساجدينا
تقلبت به الأحوال حتي أصبح سفيراً في إيطاليا وقضي في منصبه عشر سنوات ونصف السنة.. وفي مارس 9991 أصبح وزيراً للخارجية، وخلال تردده علي القاهرة كان حريصاً علي لقاء معارفه القدامي، خاصة من المثقفين، وخلال هذه الفترة لم أره إلا في جمع، في عام 9002 أصبح سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة حتي إعلانه موقفه من النظام وإلقاء خطابه الذي أبكي كل من شاهده.
الانحياز إلي الثورة
سألته عن الظروف التي اتخذ فيها موقفه بالانحياز إلي الثورة، خاصة أنها كانت ماتزال في بدايتها، واحتمال نجاحها كان ضعيفاً، كان ابنه محمد أحد ثلاثة في ليبيا، كذلك بيته الذي يطل علي البحر في طرابلس وفيه ثروته الحقيقية، مكتبته تضم ثلاثة وعشرين ألفاً وثمانمائة وثمانية عشر كتاباً ومخطوطاً نادراً، إضافة إلي تسجيلات موسيقية نادرة، يعتز بامتلاكه عود الموسيقار رياض السنباطي، والعود الذي عزف عليه سيد درويش عند زيارته إلي حلب، عبدالرحمن عازف عود قدير.
قال لي إن محمد ابنه كان همه، اختفي في الجنوب عند قبيلة والده، انقطع الاتصال بينهما .و قد رصد القذافي مكافأة قدرها مليون دولار لمن يأتي بمحمد حيا أو ميتا، ثم اقتحام البيت في طرابلس، ونهب المكتبة، والمقتنيات، حتي النوافذ خلعت، اما الكلب الذي كان مقيما مع خادم فقتلوه، أتوا ببعض أقاربه، ظهروا في التليفزيون وأدانوه، يتحدث مطولا عن علاقته بمكتبته، يقول إنه يشعر براحة لتخلصه من شيء عزيز جدا عليه كان يعول همه دائما.
إنني أعرف معني الارتباط بالمكتبة، خاصة اذا كانت متكونة عبر عمر كامل، المكتبة ومكوناتها جزء من تكويني النفسي واستقراري الوجداني، بل إنني لا أستطيع كتابة أعمالي الادبية بعيدا عنها. وجود كل كتاب في مكانه يثير عندي الطمأنينة، والأمان، في كتاب لتراجم الصوفية يذكر الشيخ ابن الملقن سطورا عن حياة احد كبار الصوفية، كان لديه مكتبة يعتز بها كثيرا وحدث أنها احترقت، فقد الرجل عقله، وصار يهيم علي وجهه بعد ان كان من أعقل القوم، أفهم قول شلقم أنه تخلص من حمل كان يوثقه ويجعله خائفا عليه دائما، لكنني أعتقد أنه قال ذلك كعزاء لنفسه، الآن يعثر بعض صحبه علي نسخ من الكتب عند باعة الكتب المستعملة، يأتون بها إليه.
لم يكن نهب المكتبة وتخريب منزله هو ما لحق به فقط من انتقام القذافي، جرت ثلاث محاولات لقتله في تونس، وايطاليا وفي نيويورك، ثم دفع نصف مليون دولار لاثنين روس من آسيا الوسطي لكنهما أفضيا بمهمتهما الي المباحث الامريكية.
لم يفارق عبدالرحمن شلقم مبني البعثة، أعتبره مع رفاقه ارضا محررة وتم رفع علم الثورة الليبية عليه، لم يستطع المندوب الذي عينه القذافي السفر الي نيويورك لعدم حصوله علي تأشيرة، وتفرغ شلقم لدعم الثورة متنقلا بين الاقطار المختلفة، وخلال هذه المرحلة كنت علي اتصال به، تماما كما كنت علي اتصال به أيام الثورة المصرية في يناير، وأذكر آخر مكالمة يوم الخميس الليلة التي ألقي فيها مبارك خطابه الاخيرة، هاتفني من نيويورك وقال انه يتوقع خروج مبارك من السلطة خلال اربع وعشرين ساعة، حدثني عن نهاية القذافي البشعة، هناك تفاصيل لم تتم اذاعتها، لقد تم التمثيل به حياً وميتا، لكن هذا أزعج شلقم وأذكر تصريحه في اليوم التالي الذي ناشد فيه الثوار ألا يلجأوا الي الانتقام لان هذا يجرد الانسان من انسانيته.
ليبيا البعيدة
سألته عن ليبيا الآن، ولماذا تبدو بعيدة عن مصر؟
قال إن الاوضاع في ليبيا ما تزال تحتاج الي وقت لضبط حالة السيولة، غير أنه يري امكانيات هائلة للتعاون، وأكد لي أنه تم تحرير حوالي مائة مليار دولار من أرصدة ليبيا المجمدة في الخارج، وهناك سعي الآن لاسترداد مائتي مليار أخري، أصغيت الي تلك المعلومات بحسرة، حتي الآن لم نسمع عن جهد حقيقي قامت به الحكومات المصرية المتعاقبة من الفريق شفيق الي الجنزوري مرورا بالحكومة الضعيفة التي كانت نكبة علي مصر والمصريين، حكومة عصام شرف، لمدة سنة لم يتضح موقف الاموال المهربة، أو الجهات التي تم تهريبها اليها، وحجم ثروات أسرة الرئيس السابق، خاصة ان كلا من الابنين كانت لهما أعمال ضخمة، في البلاد العربية ليبيا والامارات اما عن العمولات الهائلة في السلاح والمواد الاستراتيجية والمواد الغذائية، خاصة القمح. فما تزال سرا خفيا حتي الآن، استطاعت ليبيا تحرير مائة مليار في أقل من شهرين، ولم نستطع حتي معرفة الارقام التي خرجت من مصر رغم مرور عام، والمسئول عن خروجها، والجهات التي استقرت بها.
الملك إدريس
لاحظت أن عبدالرحمن شلقم يذكر الملك ادريس السنوسي ويتحدث عن بساطته وزهده، جري ذلك خلال لقاءاتنا في السنوات الماضية عندما كان سفيرا للقذافي، وخلال لقائي به بعد تبدل الاحوال عنه ايضا، قال ان النظام التعليمي في عهده كان افضل، كانت جامعة بني غازي من افضل معاهد العلم العربية، درس فيها كبار المفكرين، كان ترتيبها الثاني، الآن السبعة وستين بعد المائة، تدهور التعليم وتدهور كل شيء، كان عنده أمل في إصلاح الاحوال ولكن عبثا.
عندما عزل الملك ادريس السنوسي لجأ الي مصر، في الليلة الاولي لوصوله الي احد قصور الضيافة التي خصصها له الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن العشاء جاهزا، وفي اللحظة المناسبة علم عبدالناصر فأرسل العشاء من بيته، صباح اليوم التالي قام الملك بتسليم السفارة الليبية سيارة مرسيدس لانها ملك الدولة، ومبلغ خمسة وعشرين ألف دولار كانت مصروف جيب لديه من أموال الدولة، وعاش في مصر علي الكفاف، في عهده لم يعدم الا شخص واحد وكان ابن عم الملك أعدم قصاصا لانه قتل رئيس الديوان، يقارن شلقم بما جري في سنوات القذافي والتي فقد فيها عشرات الآلاف حيواتهم، خلال ايام الثورة قامت كتائب القذافي باغتصاب اكثر من ستين الف فتاة معظمهن في التاسعة من العمر وحتي الرابعة عشرة، كما اغتصب الاف الرجال وقتل اكثر من مائة ألف، انه الجنون نفسه، ربما يبرر ذلك استعانة الثوار بقوات حلف الناتو التي أوقفت زحف كتائب القذافي التي ارتكبت من الجرائم ما لا يتقبله عقل.
قلت لعبد الرحمن شلقم ان السنوات الطويلة التي امضاها بالقرب من القذافي ما تزال تحتاج الي شرح، الي تفصيل، قال إنه انتهي من ثلاثة كتب، الاول مذكراته حول تسع وثلاثين شخصية من نظام القذافي، عملوا معه وأحاطوا به، اما الاربعين فهو شخصيا ويتحدث فيه بصراحة مطلقة.
الكتاب الثاني يضم يوميات عمله كوزير خارجية والثالث عن شخصية القذافي كما عرفها منذ ان كانا طفلين في الجنوب تربطهما صداقة وانتهت بعد عمر طويل وتحولات جسيمة الي ما انتهت اليه، بعد ثلاث ساعات من الحوار، خرجت الي الشارع الثاني القريب من مبني الامم المتحدة، البرد قارس، استعيد كلماته.. شلقم:
»كان جيلنا يلمؤه الخوف واليأس، ولكن جاء بعده جيل كسر حاجز الخوف ولن يسمح بعودة الدكتاتورية والجنون..«.
السابع من يناير
عندما قلت للشاعر وليم باسيلي، المهاجر إلي أمريكا منذ حوالي أربعين عاما، أننا ذهبنا معا الي المقر البابوي بنيوجرسي للتهنئة بعيد الميلاد منذ عامين، قال مصححا لي: بل منذ ثلاثة أعوام، عندما دققت الذاكرة وجدت أنه علي حق، قلت إنني حريص علي الزيارة وتقديم التهنئة خلال هذا العام، لأول مرة في تاريخ مصر تطلق دعوة علنية من تيار ينتمي إلي الاسلام يطلق فتوي بعدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، هنا في الولايات المتحدة رأيت علي قناة الحياة حوارا في البرنامج الذي يقدمه شريف عامر بين فضيلة المفتي نصر فريد واصل الذي كان يفتي بجواز تهنئة الأخوة في الوطن، وبين المتحدث باسم الحزب السلفي وهو كثير الظهور الآن وشديد الدأب في الاتصال بأجهزة الاعلام مدافعا عن حزبه الذي يطلق علي نفسه ويا للعجب اسم »النور«، مناقشة أفكار هذا الحزب الذي سيكون ممثلا في البرلمان بنسبة لا بأس بها، وتغلغله في الواقع المصري يحتاج إلي مناقشة أطول، ولكن فتواه بعدم جواز تهنئة المسيحيين لم أعرف لها مثيلاً حتي في عصور الانحطاط خلال فترات الضعف بالعصر العثماني أو المملوكي، خلال الطريق الطويل إلي المقر البابوي في مرتفعات نيوجرسي كنت أفكر في أحوال مصر وما يجري لتغيير هوية طبيعة شعبها الآن، وايضا متناقضاتها العجيبة، ثورة تعد فتحاً في التاريخ الانساني يأتي بعدها بشهور حكم ديني يصعد إلي البرلمان بأغلبية ساحقة نتيجة انتخابات لا يمكن التشكيك فيها، نفس الشعب الذي خرج وضحي من أجل التحرر. يختار ممثلين من التيار الديني، وينتخب ممثل الوهابية في مصر، في كتب التاريخ فصول بعنوان »عجائب مصر« وما يجري الآن من متناقضات يدخل في ذلك، في الكنيسة كان الانبا ديفيد يلقي عظة دينية باللغتين العربية والانجليزية، كان بليغا في كل منهما. قادرا علي توصيل الافكار المعقدة بأسلوب بسيط، وفي الصفحة الاولي كان السفير يوسف زاده القنصل المصري ممثلا الدولة مصحوبا بعدد من العاملين في القنصلية وكان عدد من زعماء الجالية الاسلامية في نيويورك في مقدمة المهنئين، الكنيسة المصرية في المهجر مؤسسة وطنية تحفظ هوية المصريين الاقباط وتربطهم بالوطن، وهذا احد الاعمدة الرئيسية للحضور المصري في العالم، لسنا في حاجة الي التذكير بالوحدة الوطنية وضرورة المواطنة المصرية لكل انسان يحمل الجينات المصرية، ولكن ما أشد المسافة بين ما يجب ان يكون وما هو كائن في ظل الصعود الوهابي الذي يهدد الوجود المصري نفسه، لقد علمني والدي وتعلمنا من شيوخنا العظام ان نحب البشر ونحترم عقائدهم. وان نهنئهم في أعيادهم، ولكم تبدو غريبة علينا هذه الدعوة السلفية السافرة بالكره للآخر، وهذا يسيء للدين الاسلامي نفسه ويضع المسلمين في مأزق مع البشرية والعصر، من هنا كان حرصي علي قطع المسافة الطويلة ليلا الي المقر البابوي لتقديم التهنئة الي المصريين الاقباط، إظهارا لمشاعر الاخوة في الوطن .
عزاء أكمل
الاثنين :
منذ الأمس يطالعني ابراهيم اصلان من كل صوب، منذ أن سمعت خبر رحيله أمس من أخي اسماعيل الذي أبلغني به علي الفور، ربما بعد رحيله، بدقائق، منذ الأمس استعيده متمهلا بكل ما يمثله، واسترجع أوقاتنا معا خاصة خلال السفر.
صباح اليوم اتصل بي أكمل الدين احسان أوغلو أمين منظمة المؤتمر الاسلامي من عمان، قال إنه لم يتعرف بعد الي وزير الثقافة الجديد، وإنه يريد أبلاغ مشاعره الحزينة الي المثقفين المصريين بفقد ابراهيم اصلان، قال إنه يتصل بي للإعراب عن حزنه، خاصة أنه التقي بنا الشهر الماضي في استانبول خلال معرض الكتاب الذي شاركت فيه مصر لأول مرة، سألني عما جري، عن الازمة الصحية التي تعرض لها ابراهيم، كان حريصا علي الالمام بالتفاصيل، قال إنه يعرف ابراهيم كاتبا متميزا منذ الستينيات، أثناء تردده علي يحيي حقي في مقر تحرير مجلة »المجلة« بشارع عبدالخالق ثروت، وايضا في جريدة المساء التي كان يتردد علي الاديب الفنان عبدالفتاح الجمل محررها الثقافي، وفي الملحق الذي قدم كل أدباء الستينيات نشر أكمل أول قصصه وتعرف علي الادباء المصريين وقد كان واحدا منهم، كان والده أحد أعمدة دار الكتب، توفي ودفن في مصر، وأتم أكمل تعليمه في مصر قبل سفره الي تركيا ليتولي مسئوليات عديدة أهمها مركز الدراسات الاسلامية للعلوم والفنون »آرسكا« وقد خصصت له الدولة التركية قصرا شهيرا من قصور السلاطين العثمانيين »دولما باشا« المطل علي البوسفور، صحبنا الدكتور أكمل ليلا في زيارة خاصة الي المركز بصحبة الوزير السابق بدر الدين ابوغازي، وابراهيم اصلان أطلعنا علي المكتبة الجديدة التي أقيمت في المخزن الذي كان مخصصا للسلاح (السلاحليك) وكان ابراهيم يعبر بطريقته عن إعجابه بما يري وما يعرف.
شوف يا أخي..
أمضينا ليلة بصحبة الدكتور أكمل، والدكتور صالح السعداوي، وكبار العاملين في المركز قال لي الصديق العزيز، القديم أكمل عبر الهاتف إنه قارئ محب لاعمال ابراهيم، وأنه كان سعيدا بلقائه ودعوته الي المركز، لم يكن يعرف ان النهاية قريبة، كان ابراهيم يبدو في حيوية، متألقا بحضوره وتعليقاته الثاقبة.
قلت للدكتور أكمل، هكذا كان دائما..
قال حزينا من فضلك أبلغ للكل عزائي..
قلت إنني سأبلغ المثقفين وقراء الأخبار ومن قبل ومن بعد أسرة الفقيد.
من متون الاهرام
يا من تصعدون بين النجوم غير الفانية
لن تفنوا أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.