د. عادل ودىع فلسطىن مصطلح »العلمانية« مصطلح خلافي للغاية شأنه شأن مصطلحات أخري مثل التحديث والتنوير والعولمة. وانقسم الناس بشأنها بين مؤيد ومعارض ولعل العلمانية من اكثر المصطلحات اثارة للفرقة، اذ يتم الحوار والشجار حوله بحدة واضحة بين العلمانيين والايمانيين - وتوجد هناك علمانيتان لا علمانية واحدة، الاولي الجزئية التي يعني بها فصل الدين عن الدولة، والثانية العلمانية الشاملة التي لا تعني فصل الدين عن الدولة فحسب، انما فصل كل القيم الانسانية والاخلاقية والدينية ليس فقط عن الدولة بل عن الطبيعة وحياة الانسان في جانبيها العام والخاص، بحيث تنتزع القداسة عن العالم ويتحول إلي مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الاقوي. وتعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة »فصل سلطة الكنيسة عن الدولة في الغرب« هو الاكثر شيوعا في العالم، وتعني فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسات السياسية للدولة، وتنحصر عمليات العلمنة في المجال السياسي والاقتصادي ايضا في بعض المجالات وتستبعد شتي النشاطات الانسانية الاخري أي انها تشير إلي العلمانية الجزئية. وهذه العلمانية الجزئية اذا اضيف لها فصل الدولة عن المؤسسة العسكرية فهي تعني بالتمام والكمال الدولة المدنية. وعلي نقيض الدولة المدنية تأتي الدولة الدينية التي لا وجود لها في التاريخ الاسلامي كما اجمع رجال الدين واساتذة التاريخ. وهناك فصل للدين والكهنوت عن الدولة في كل المجتمعات الانسانية تقريبا إلا في بعض المجتمعات الموغلة في البساطة والبدائية حيث نجد رئيس القبيلة هو النبي والكاهن واحيانا سليل الآلهة، وطقوس الحياة اليومية طقوس دينية كما هو الحال في العبادة الاسرائيلية القديمة، اما في المجتمعات المركبة فهناك تمايز بين السلطات وحتي في الامبراطوريات الوثنية التي يحكمها ملك متألّه فهناك تمايز بين هذا الملك المتألّه وكبير الكهنة وقائد الجيوش. ومن ثم فإن فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة ليست عملية مقصورة علي المجتمعات العلمانية فقط بل موجودة في معظم المجتمعات المركبة، والدولة هنا تعني الاجراءات السياسية والاقتصادية ذات الطابع الفني أو شراء الاسلحة أو مناقشة الميزانية وهي امور لايعرفها سوي الفنيين لذا فليس بامكان رجال الدين مشايخ أو قساوسة ان يفتوا فيها. ومن المنظور السطحي مناقشة العلمانية في اطار نقل الافكار أو التأثر بالحضارات الاجنبية فلكل مجتمع ثقافاته، يقبل ما يشاء ويرفض ما يشاء وتستطيع الدولة اصدار قوانين تفرض رقابة صارمة علي الانحرافات ان وجدت. وكمثال صارخ للعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ومدي تأثير التحولات الاجتماعية نجد ان الاتحاد السوفيتي كان دولة ذات عقيدة علمانية شاملة ذات طابع مادي إلحادي، اما الولاياتالمتحدة فهي علي العكس تسمح بحرية العقيدة والتبشير وبها عدد هائل من الكنائس وحتي عهد قريب لم يكن بامكان احد من اعضاء النخبة الحاكمة ان يجاهر بإلحاده أو سلوكه الجنسي غير السوي غير المقبول اجتماعيا ويحتفظ بمنصبه الرسمي في نفس الوقت، ولايزال كثير من الساسة يحرصون علي حضور الصلوات يوم الاحد بل ان الدولار الامريكي يحمل عبارة »نحن نثق بالإله«. وعلي العموم يجب ألا نحكم علي الدولة المدنية بما تنقله وسائل الاعلام ونشاهده من ظواهر العلمنة من افلام وملابس واطعمة جاهزة وخلافه من السيارات الفارهة والمولات التجارية فقد نجد بلدا يصنف باعتباره اسلاميا »مثلا« لان دستوره هو الشريعة الاسلامية مع ان معدلات العلمنة فيه قد تكون اعلي من بلد دستوره ليس بالضرورة اسلاميا لكن معظم سكانه لايزالون بمنأي عن مظاهر العلمنة. وهنا تبرز مصر بتدينها وثقافتها الخاصة المميزة التي تستطيع مقاومة كل ما هو سييء وتطبيق الشريعة كما يجب ان تكون. وبالرجوع إلي القواميس العربية نجد ان كلمة مدَّن »المدائن«: بناها »تمدَّن« عاش عيشة اهل المدن واخذ باسباب الحضارة، وكلمة »المدنية«: الحضارة واتساع العمران »المدينة« المصر الجامع جمعه مدائن ومدن. واسم يثرب مدينة الرسول »صلي الله عليه وسلم« غلبت عليها.