في أغلب الشوارع احتل الباعة الجائلون الرصيف، وصحيح أن تواجد هؤلاء الباعة في الشوارع والميادين الرئيسية يسيء للوجه الحضاري لمصر، ويثير الفوضي، إلا أنه من ناحية أخري مثال صارخ للعشوائية في تعاملنا مع الأشياء، فنحن المصريين نتميز بسمات خاصة لا أعتقد أن هناك شعبا آخر يتميز بها، ومن أهمها عشق الكراكيب والعشوائيات، ولننظر علي أرض الواقع لنتأكد من حبنا الشديد للعشوائيات: شيدت مناطق مصر الجديدة ووسط البلد والزمالك وجاردن سيتي والمعادي، قبل مناطق ومدن كثيرة نعرفها أنا وأنت، شاهد الفرق في فن العمارة والتنسيق الحضاري، انظر إلي نهر النيل، المصريون القدماء تركوا لنا الكثير من النصوص التاريخية التي تدل علي أهمية نهر النيل في حياتهم، أما نحن الأحفاد، فنتعامل مع النيل علي أنه مرتع للنفايات، انظر إلي أسطح المنازل والعمارات، وما أدراك ما بهذه الأسطح من كراكيب لا نحتاج إليها، غير أننا لا يمكن أن نستغني عنها، وفي حياتنا أمثلة كثيرة لعشق العشوائية، فكثيرة هي الأماكن التي تم بناؤها ومنها منطقة حدائق الأهرام بالجيزة علي سبيل المثال، وكان حلم من سكنوها الهدوء، وهدفهم من السكني فيها رغبتهم في التميز، والهدوء، في مكان أوهمهم القائمون عليه أن البناء فيه بشروط، وأن هناك أماكن محددة للخدمات، وأنه لا مجال للمجاملات، وأن المكان سيتحول إلي جنة وحدائق وبساتين، ولكنهم ومع مرور الوقت اكتشفوا أن حلمهم الجميل بدأ في التحول إلي عشوائية، وربما أسوأ من ذلك، ولو نظرت حولك لحالة الطريق لوجدت العشوائية في أروع صورها، فوضي في كل مكان، والمثال الصارخ - أسوق هذا المثال لأني أمر عليه يوميا- عند تقاطع شارعي 26 يوليو والجلاء، في منطقة الإسعاف قلب القاهرة، الباعة الجائلون يحتلون الأرصفة، ومن يحاول منعهم ويقول لا للفوضي يواجه بما لا يحمد عقباه، سيارات السرفيس تقف في نهر الطريق وتعطل المرور ومن يعترض ويقول لا، يواجه من سائقيها بسيل من الكلام المباح، تحت شعار صحيح أنها أسواق ومواقف عشوائية، ولكنها بحثا عن الرزق الحلال.