سطور من قسمة الغرماء. روايتي التي نشرت طبعتها الأولي 4002 عن دار الساقي في لندن. أتوقف أمامها لأن الحال الذي كتبت عنه ما زال مستمراً. ربما أصبح أكثر صعوبة. نثار صوتين فقط من رواية أصوات كثيرة: ستموت الجميلة بأحد وبائين: الكوليرا أو الطاعون. سيقضي علي أجمل صبايا العصر خطران: الإرهاب أو الفساد. حملة المدافع يرهبون من يتصورون أنه عدو الله. مع أنهم أعداؤه. والذين يسكنون القصور يرفلون في ناتج الفساد وعوائده. يوزعون أنجر الفتة علي أنفسهم. ليس بالتساوي. ولكن حسب استحقاق كل منهم. ليس مهماً أن في الوطن من يموت من الجوع ومن يموت في الوقت نفسه من التخمة. الإرهابي يحتاج إلي الفاسد حتي يكون مبرراً لإطلاق مدفعه. والفاسد في أمس الحاجة إلي الإرهابي حتي يغطي علي فساده. لو لم يوجد الإرهابي لاخترعه الفاسد. ولو لم يوجد الفاسد لصنعه الإرهابي. نطقت ببعض هذه العبارات بصوت عال غصب عني من دون أن أقصد. تم هذا سهواً. من سمعني ضحك وقال: - خذوا الحكمة من أفواه ... رفعت العصا في وجهه حتي لا يكمل الجملة. فلست مجنوناً. مجنون من يقول عني مجنون. وليس بعاقل من يعجز عن إدراك العمق الذي وصل إليه عقلي. قلت له: - العصا لمن عصا. قال لي: - بل العصا لمن تكلم بما لا يرضيك. هل تعرف هذه المسكينة ماذا ينتظرها؟! كيف ستواجه مصيرها؟! عندما تصبح عجوزاً بمفردها ولم تجد من يرعاها. وكيف ستواجه ملاك الموت عزرائيل الذي يقبض الأرواح؟ سيكون ما حولها عالم بائسا ومثيرا للشفقة. لا يزورها أحد ولا يسأل عنها جنس مخلوق. والموت لن يأتي مثل هذه الجميلة سوي في ساعات الليل الأخيرة. ولن يكون هناك في الصباح من يطرق بابها حتي يكتشف أن أجمل ما خلق الله قد أصبح ميتاً. كنا نفاخر بالأهرامات وأبي الهول ونهر النيل. نقول عندنا ثلاث من عجائب الدنيا السبع. قسمة عادلة. نحن لدينا ثلاث والدنيا كلها فيها أربع. ولكن ها نحن الآن عندنا ما هو أفضل: الإرهابي والفاسد معاً. تجمعا معاً في وقت واحد ومكان واحد. فأصبحا أكثر حليفين في عصر التحالفات الكبري. وهل يمكن عند الآخرين ما عندنا؟ قال تعالي: إن عذابها كان غراماً. الجنرال عفارم شيخ سني. خطيب المسجد القريب من البيت. قال في الميكروفون الذي لا مهرب منه ولا مفر من صوته أبداً. الميكروفون المركب فوق المسجد. ما من مسجد إلا وفوقه أكثر من ميكروفون. قال الشيخ إما في خطبة جمعة أو في درس ديني: إن قتلي حوادث السيارات في مصر أكثر من مائة ألف قتيل في السنة. أي إرهاب يتكلمون عنه؟ هل قتل الإرهاب الذي يحملونه كل مشاكل البلاد ليل نهار عشر هذا الرقم؟ ما كرهت في حياتي سوي الميكروفونات التي تحرم الإنسان من نومه ومن يقظته. بعد ترقيتي لمنصب المدير في شركتي. صدَّروا لي قضية الدين: لا ولاية لمسيحي علي مسلم حتي لو كان ذلك في شركة صغيرة. لسنا الدولة المصرية حتي يتكلموا عن الولاية. لماذا يضخمون كل شئ؟ ويصلون به إلي الحد الأقصي. الولاية هي الولاية. هكذا صرخ واحد منهم في وجهي. حتي لو تم ذلك في مؤسسة لا يعمل فيها سوي إثنين. القضية لا تعرف التجزئة. واصلوا الصراخ حتي لو كان ذلك في اتحاد ملاك عمارة. كيف يصبح عبود بقطر جرس رئيساً علي محمد وأحمد وعبد الله؟. شعرت بأن الموضوع يتضخم وتوقعت أنه سيكبر. وقد يتحول إلي مشكلة عويصة. عندما بدأت أسمع إسمي يتردد يوم الجمعة من الميكروفونات المعلقة فوق المساجد في كل مكان. وأصواتها المزعجة لا تفرق بين مسلم ومسيحي. ابتداء من المسجدين القريبين من الشركة. وانتهاء بالمساجد التي تحيط بالبيت. ثم وصل الأمر إلي مساجد بعيدة سواء عن العمل أو عن البيت. ربما كانت منتشرة في أسيوط المحافظة وليست أسيوط البندر أو المدينة. عبود جرجس بقطر وعلي غلاف الرواية الخلفي كتب الناشر: - يضطر عبود جرجس إلي الهجرة من مصر مُخلفاً وراءه زوجته مرام وابنه الوحيد ماجد. يرسل لهما عبود ما لا يكفيهما من الأموال عبر صديقته القديمة الفنانة مهرة عبد الجليل التي انفصلت عن زوجها مصطفي نور الدين، ضابط الجيش. تعتزل مهرة الفن وترتدي الحجاب وتخسر تحويشة العمر في مغامرة توظيف أموال، ويُحال مصطفي إلي الاستيداع كضحية للاسترخاء العسكري لأن أكتوبر آخر الحروب، ولا يجد ملاذاً سوي المسجد. وجوه من رحلة التعب المصري. مغتربون في مجهول الخارج وغرباء في غير معلوم الداخل. مخلوقات تطل علينا عبر حكاية الخسارة التي يدفع ثمنها الجميع. تُناجينا، تحكي لنا، تأخذنا إلي شوارع مصر الخلفية، إلي المسكوت عنه في المشهد المصري. ها هي العلاقة الملتبسة بين المسلمين والأقباط، حيث الإشكالية الغائبة في النص الروائي المصري برغم حضورها الطافح في واقع الحياة في بر مصر، تطل علينا عبر أصوات المهزومين. "قسمة الغرماء" رواية تشتبك مع مصر الراهنة عبر كتابة لا تنقصها شجاعة المواجهة. وهي رواية ذات طرح ونفس جديدين، تحاول الاقتراب من شروخ الروح التي أصابت المصريين وواجهتهم بالسؤال المخيف: ما الذي أوصلنا إلي المربع الأخير؟ وما الذي جعل مستقبل هذه البلاد وراءها وحوّلها إلي شظايا وأطلال لما كان؟