وهل كنا ننتظر بعد كل ما نحياه ونراه ونعيشه من حولنا أن ننتج ونبدع فنا رفيعا يرقي بوجدان الشعب ويسمو بمشاعره ويهذب أخلاقه.. أكنا نتوقع مما يقدمه محمد رمضان أن يكون حفلا استعراضيا يضاهي مسارح برودواي أو ليالي الأوبرا المصرية القديمة أو حتي ما كانت تقدمه صالة الست بديعة مصابني؟.. أكان الحشد المتجمع بقاعة حفلات المنارة بالتجمع الخامس لرؤية فن محمد رمضان الاستعراضي يتوقع غير ما قدمه رمضان؟.. بالتأكيد هو حفل مناسب لنفس المدينة التي بانت عوراتها بسقوط بعض الأمطار فوقها منذ عدة سنوات..! كأننا نيام لا نري كيف بات القبح يلفنا ويتسرب عبر مبانينا وشوارعنا.. أنسينا كيف سحبت الأرصفة من تحت أرجلنا لتحتل كراسي المقاهي مواطئ أقدامنا.. وبخفة وأمام أعيننا وبلا أي مواربة تم تدمير ذائقتنا حتي صارت عمائر مدننا مثالا لفساد الذوق وبات القبح خبزنا اليومي وتواري الفن الرفيع وبات البحر من ورائنا.. لماذا نغفل أن تدني الذوق وفساد الأمزجة هو التطور الطبيعي للتواطؤ المتعمد وما يصحبه من إهمال ورفع شعارات الأنامالية؟.. وننزعج بعد كل ذلك وكأن حفل محمد رمضان وسط هذه المدينة ووسط هذا الجمهور الغفير منبت الصلة مما أصبحنا نراه عبر شوارعنا ونسمعه في فضائياتنا وكأن صوت محمد واستعراضاته فقط ووقوفه علي المسرح عاريا أفسد الذوق العام وليس نتيجة له.. أليس جمهور رمضان أتي طوعا منتظرا طلة نجمه المفضل..؟! هذا الجمهور تم إعداده علي مهل حتي يتذوق ما يراه وما يملي عليه ولا يجد غضاضة في سماع بحبك يا حمار.. كل ما يقدمه هذا الممثل في حفلته عاريا بات علامة فارقة ودالة علي ما وصلنا إليه.. ولذلك لا أجد مبررا أصدقه للانزعاج من هذا الحفل ومحاولة استنفار نقابة الموسيقيين لمنعه من الغناء.. كأن الجماهير الهادرة التي أنارت سواد الليل بموبايلاتها لترصد تراقص نمبر وان وحواليه الفتيات الفاتنات فاسدة الذوق.. ونسينا من دمر ذائقة هؤلاء الشباب وجعلهم يتجرعون العلقم بنفس راضية مرضية بعدما كان عبد الوهاب وأم كلثوم علامة فارقة علي ذوقنا.. وكان أثرياء مصر يقتنون اللوحات الفنية ويتبارون في ملكيتها.. وتحول أغنياؤنا لمتعهدي هذه الحفلات الاستعراضية ويستوردون راقصات من ذوات اللحم الأبيض من الخارج.. إنهم أغنياء من سلالة الانفتاح الاقتصادي وتجارة العملة. كل شيء بات منسجما مع حفلات استعراضنا.. ملايين من التوك توك تسير بلا أي تنظيم أو رقابة.. وتتصالح الحكومة مع المباني المقامة بلا تراخيص.. طبيب يجري عمليات جراحية في مستشفي حكومي ولم يحصل علي الثانوية العامة.. مشايخ فضائيات يتزاحمون أمام الكاميرات للإفتاء في أي شيء وكل شيء.. ودار الإفتاء تتفرغ لتؤكد حرمانية كذبة أبريل.. وتفشل أولي محاولات امتحان التابلت ويصرح الوزير بأننا نحارب من الطابور الخامس.. ونقابة التمثيل تلعب أدوارا ليس من حقها وتصدر أحكاما بالخيانة العظمي علي اثنين من أعضائها.. ومؤتمر القمة العربي يشجب ويدين قرار ترامب بتهويد مرتفعات الجولان.. بعد كل هذا لا أدري لماذا الانزعاج.