في نهاية عام 1979 جاء الكاتب الأمريكي الشهير أرثر ميلر إلي القاهرة في زيارة سريعة .. كانت الحياة الثقافية تستقبل ميلر باعتباره مدافعا عن العرب وخاصة الفلسطينيين وكاتبا تقدميا اشتهر عنه انتقاده الدائم للسياسة الأمريكية تجاه شعوب العالم الثالث وربما كانت قصة زواجه بأسطورة السينما العالمية مارلين مونرو هي التي حفزتني وقتها للسعي إلي لقائه فقد كنت مستغربا أن يتزوج مفكر وكاتب في حجم ميلر بممثلة اشتهرت بأنها ملكة الإغراء في السينما العالمية .. وأعترف أرثر ميلر بأنه كان زواجا فاشلا وقيل وقتها انه زواج العقل والجنس ! تعرض ميلر للتحقيق امام مكتب التحقيقات الفيدرالي بتهمة الشيوعية ومعاداة أمريكا مع عدد من الكتاب والمشاهير فيما عرف بلجنة تحقيق النشاط المعادي لأمريكا عام 1955 وأضيف ميلر إلي القائمة السوداء لهوليوود ومنعت الحكومة الأمريكية الفرق المسرحية الأمريكية من عرض مسرحيته "كلهم أبنائي" خارج الولاياتالمتحدة عام "1949". وفي مسرح الطليعة الآن تعرض مسرحية ميلر (ساحرات سالم) أو البوتقة أو المحنة وهي احد أشهر أعماله التي كتبها عام 1953 وقدمت في أكثر من فيلم سينمائي منها فيلم (ساحرات سالم) الذي كتبه الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر عام 1957مقتبسا عن المسرحية التي ربط فيها ميلر بين الحرب الباردة والمكارثية وبين محاكمة ساحرات سالم وهي قرية تقع في ضواحي مدينة بوسطن بمقاطعة نيو أنجلند في شمال شرق الولاياتالمتحدةالأمريكية وتضم مهاجرين بروتستنت هاربين من انجلترا لعدم قدرتهم علي فرض أفكارهم المتشددة علي الملك والشعب، فأسسوا في شمال شرق القارة الأمريكية (انجلتراالجديدة) متزمتة الفكر يسود فيها الاعتقاد في السحر والخرافة والشعوذة ويباد فيها السود الأفارقة والهنود ويحرم فيها الغناء والرقص وكافة فنون المتعة الحسية وتكبت المشاعر الإنسانية بحجة معاداتها للقيم النبيلة ، ويمنع علي الأطفال اللعب بالدمي لأنها تستخدم في التعاويذ وتعامل المرأة باعتبارها قرينا للشيطان وأبرز صور إغواء الرجل للسقوط في الخطيئة ولذا كان من السهل أن تقاوم الفتيات هذا الحصار المضروب عليهن بالرقص ليلا وسط الغابات وبانتشار مرض الصرع الذي أصاب بعضهن ولم يكن الطب يعرف حقيقته وقتها لم ير رجال الدين الكنسي المتزمتين فيه غير مس من الشيطان يصيب النساء والفتيات الصغيرات وخاصة الفقيرات وعقدت المحاكمات تحت سيطرة رجال الدين وحكم بالإعدام علي العديد من الفتيات الفقيرات حتي وصل الأمر لنسوة ورجال من علية المجتمع، فما كان من السلطات إلا الوقوف في وجه المتزمتين وحفظ القضية !. كان زمن الواقعة التي استدعاها »ميلر« في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي هو نهايات القرن السابع عشر.وكان هذا الاستدعاء عقب موجة ضخمة من سيطرة الفكر المحافظ ، المدعوم من رجال الدين برزت في أوج الحرب الباردة بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية بداية من عام 1950واستمرت خلال الحرب الكورية بين الأمريكان والسوفييت واتهم خلالها كل ليبرالي بأنه كافر وكل تقدمي بأنه شيوعي وكل صاحب رأي بأنه ضد الدولة والنظام والشعب ، وأدين عدد من الكتاب منهم توماس مان وبريخت وشارلي شابلن وإليا كازان وكذلك أرثر ميلر لدفاعه عن حرية الفكر والرأي باعتبارهما من أسس الفكر الرأسمالي . وما أشبه الليلة بالبارحة الآن في مصر وظهور أفكار التخوين والفكر الوهابي المنغلق .. نحن أمام نفس الحدث بكل مساوئه لذا من الضروري تسليط الضوء علي هذه المسرحية في الأسبوع القادم إن شاء الله. وشرا للدكتور حسن عطية الذي اتحفنا بمقال رائع في جريدة »مسرحنا« حول ساحرات سالم.