استغربت كثيرا لتعليقات البعض علي تصريحات السيد اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية التي عبر فيها عن رؤيته الشخصية »بأن من قُتل من المواطنين يوم 82 يناير في ميدان التحرير شهيد، واما من قتلوا امام اقسام الشرطة فهم بلطجية ولا يمكن اعتبارهم شهداء«. ولقد اسفت اكثر لان بعض تلك التعليقات انزلقت بعيدا عن حق ابداء الرأي، إلي تجاوز حد اللياقة وادب الحوار بصورة يمكن ان تقع تحت طائلة القانون، وتعد اساءة لرجل من رموز الوطن ذي قيمة ثقافية مرموقة، قبل ان يكون صاحب مكانة امنية متميزة. ورغم ان تصريحات الوزير كانت واضحة دون التفاف، وصادقة دون مواربة، وتلقائية دون اغراض، إلا ان البعض انحرف بالمعني، وهاجم الوزير متهما إياه، بأنه حدد معيار التفرقة بين الشهيد وغيره علي مجرد مكان الوفاة! وللاسف الشديد، فقد لاحظت ان هذا البعض انتقد وهاجم إما عن سوء فهم، وهذا مقبول، وإما عن رغبة في التقرب للشارع باثارة المشاعر وهذا مرفوض. وعموما فإن ما يمكن فهمه وادراكه من تصريحات واحاديث وزير الداخلية في هذه المسألة ان الذين تظاهروا سلميا، وبدوافع وطنية بحتة، للمطالبة بحقوق مشروعة، ثم قتلوا بسبب ذلك التظاهر فانهم يعدون شهداء ايا ما يكن من قتلهم، وهؤلاء يرمز لهم بمتظاهري ميدان التحرير.. واما من قتلوا في ذات الاحداث ولكن لاسباب اخري لا تمت للاهداف الثورية النبيلة بصلة، فلا يمكن الاعتقاد بانهم شهداء، وهؤلاء يرمز لهم بمن قتلوا امام اقسام الشرطة. وهذا المعيار برمزيته ومدلوله، يصح الاخذ به عند النظر في تصنيف كل من قتلوا خلال تلك الاحداث في عموم مناطق الجمهورية. من هنا اعتقد ان اللواء منصور عيسوي لم يخطئ فيما ذهب اليه، بل انه قد اصاب عين الحق والحقيقة، مكتفيا بطرح معيار عام يستند إلي الشريعة والقانون، دون التعرض لواقعة بعينها، أو شخص بذاته. وتجدر الاشارة في هذا السياق، إلي ان كثيرا من اقسام ومراكز الشرطة التي جرت حولها تظاهرات سلمية، فلم تتعرض منشآتها لجرائم السلب والاعتداء والتخريب، لم تقع امامها واقعة قتل واحدة. كما انه وعلي جانب اخر، فإن مقتضيات العدالة، بل ودواعي الامن القومي، كانت ومازالت توجب اتخاذ اجراءات البحث والتحري والتحقيق والمحاكمة في مثل تلك الجرائم التي تعرضت لها آلاف المنشآت والممتلكات العامة، بسائر انحاء الجمهورية، وتقدر خسائرها المحققة بنحو عشرين مليار جنيه. ان هذه الاجراءات سوف تكشف كثيرا من غموض المشهد السياسي، وستغير كثيرا من الرؤي والمواقف، لنصل بإذن الله بمصرنا الغالية، الي بر الامن والاستقرار.