»اللافت للانتباه.. أن العالم بكافة دوله ومناطقه، تعرض هذا الشتاء لموجات غير اعتيادية من البرد القارص.. فهل تغير المناخ في الأرض كلها؟!» وسط أجواء عاصفة شديدة القسوة في برودتها القارصة، قضينا أيام وليالي هذا الشتاء، منذ هبوبه علينا مع نهاية ديسمبر الماضي وطوال يناير الذي تلاه، وصولا الي فبراير الذي نعاني منه الآن،..، محاولين بشق الأنفس اتقاء ضرره وتوقي أخطاره، بالتماس الدفء وسط كم ليس بقليل من الملابس الثقيلة، التي نحشر انفسنا بين ثناياها نهارا، وأحمال من الأغطية والبطاطين نختبيء في طياتها ليلا،..، باحثين عن مأوي آمن يجنبنا قذائفه الانفلونزية شديدة الوطأة والمتربصة بنا من كل جانب باحثة عن ضحايا جدد في كل يوم. وفي معية هذه الأجواء المثلجة شديدة البأس، رحنا نتتبع أحوال الطقس وتقلب المناخ عندنا، وعند الآخرين من الشعوب والدول المحيطة بنا، وذلك بالتسمع لنشرات أخبار العالم بدوله وقاراته المختلفة،..، وهو ما بعث فينا بعض العزاء وأشعرنا ببعض الراحة، في ظل ما حملته لنا تلك الأخبار من تدهور شديد لأحوال الطقس في غالبية تلك الدول، إن لم يكن في كلها،..، بالقياس الي ما نحن فيه، والذي هو بالفعل يعد قليلاً بالمقارنة بالكثير الذي هم فيه. وفي ظل ذلك، كانت كميات الثلوج الكثيفة التي تتساقط علي مدن وبلديات لبنان الشقيق، والتي حولت جباله وسهوله وطرقه وشوارعه وممراته الي بساط ابيض، يمتد الي أقصي حدوده الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية،،..، وايضا ما حل بالعاصمة الأردنية »عمان» وغيرها من المدن الاردنية كبيرها وصغيرها، كان ينافس ما جري في لبنان،..، وكذلك الحال في بقية اراضي الشام، سواء في سوريا أو فلسطينالمحتلة. خلاصة القول أحوال الطقس هناك اكثر عسرا وسوءا مما نحن فيه، خاصة بعد أن صاحبت الثلوج أمطار رعدية غزيرة، وصلت الي حد السيول الجارفة في العديد من هذه المناطق، أدت الي خسائر جمة في الممتلكات والارواح، وإزداد الأمر سوءا بما نجم عنها من اجتياح لمخيمات ومعسكرات اللاجئين والنازحين من سوريا هربا من الواقع المر هناك في ظل العنف والاقتتال الداخلي. موجات ثلجية ورغم شدة معاناتنا من البرودة القارصة التي احاطت بنا في هذا الشتاء.. والتي كانت ولاتزال شديدة الوطأة علينا.. إلا أن اللافت للانتباه والمستوجب لاعمال الفكر والبحث والتوقف عنده بالفحص والدراسة.. هو ان العالم كله ودون استثناء بكافة مناطقه ودوله تعرض خلال هذا الشتاء الي موجات غير اعتيادية من البرد القارص. في ظل موجات من الطقس السيء أوبالغ السوء انتشرت في كل المناطق والدول والقارات دون استثناء. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، تسببت موجة الصقيع التي اجتاحت أوروبا خلال يناير الماضي في مقتل العديد من الاشخاص، وتسببت في اغلاق الطرق والمدارس وتوقف حركة القطارات في انحاء عديدة من القارة الاوروبية. وفي ذات الوقت اجتاحت عاصفة ثلجية عاتية اكثر من نصف الولاياتالمتحدةالامريكية، وتسببت هذه الموجات في العديد من الانهيارات الجليدية في اوروبا.. وامريكا ايضا ففي المانيا علي سبيل المثال أدت كثافة الثلوج الي الغاء العديد من الرحلات الجوية في ميونيخ وفرانكفورت وغيرهما.. وفي النمسا اضطر الجيش لإرسال مروحيات لإزالة الثلوج من قمم الأشجار للحد من خطر سقوطها علي الطرق والسكك الحديدية، وذكر المعهد المركزي للأرصاد الجوية هناك ان هذه الكميات من الثلوج لاتحدث الا مرة واحدة كل »30» أو »100» عام. أما في السويد والنرويج فقد تعرض شمالهما الي عواصف ثلجية قوية تعطلت الحياة فيهما علي الطرق تماما. ولم يكن الحال افضل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث اجتاحت عاصفة ثلجية عاتية منطقة »جبال روكي» والسهول الكبري، قبل أن تتجه شرقا ليغطي الجليد ممرا بريا يبلغ طوله الفاً وستمائة كيلو متر »1600»، مما أدي الي فوضي عارمة في حركة النقل بوسط امريكا،..، كما تم الغاء وتأجيل اكثر من ثلاث عشرة الفاً وثمانمائة رحلة جوية جراء هذه الموجة غير المألوفة. تغير المناخ! وما قصدته في سردي وذكري لما جري ويجري خلال هذا الشتاء قارص البرودة، في غيرنا من الدول العربية والاوروبية وايضا في الولاياتالمتحدة، هو أن ندرك أن العالم كله يتعرض لحالة واضحة من تغير المناخ، ولسنا نحن فقط من نتعرض لهذه الحالة،..، هذه واحدة. أما الثانية فهي أن نحمد الله كثيرا علي نعمته علينا ورفقه بنا، حيث لم نتعرض لما تعرض له غيرنا سواء في دول الجوار الاقليمي، أو حتي في دول العالم القريبة أو البعيدة عنا. ولكن بالرغم من ذلك، علينا أن نلتفت بالجدية الكاملة لهذا المتغير الذي طرأ علينا، بحيث أصبح لافتا للانتباه بقوة وربما ايضا مثيرا للقلق، أننا أصبحنا نتعرض لموجات متكررة من البرد القارص، التي اخذت تتوالي علينا وتجمد اطرافنا لأيام ولأسابيع طويلة. وفي الواقع فإن هذه الموجات المتوالية من البرودة غير المألوفة بالنسبة لنا، مثلت مفاجأة غير سارة ومتغيرا غير مرحب به منا، وأصبحت مثار تساؤل عام وواجب حول ما إذا كانت انذارا عمليا بتغير جسيم في المناخ في مصر.. بحيث أصبح هذا المناخ مائلا للتطرف أو متطرفاً بالفعل، بعد أن كان مناخا معتدلا طوال الاعوام والمواسم التي اعتدنا عليها. واحسب أن هذا التساؤل أصبح جديرا بأن يوضع موضع الاعتبار، وأن يخضع للبحث الجاد والعلمي منا في مصر، بمعني انه يجب أن تعكف مراكز البحث المتخصصة عندنا علي دراسة وبحث هذا الأمر، وان يخضع الطقس والمناخ عندنا لبحث مدقق، في اطار ماطرأ من متغيرات ملموسة ومدركة في مناخ الكرة الارضية بصفة عامة وفي مناخ منطقتنا بصفة خاصة، وفي مناخنا نحن بالذات علي وجه أخص في مصر ووادي النيل. ظاهرة غريبة وهنا يجب التنويه انني في اشارتي الواضحة للتغير الذي أصاب المناخ، ومطالبتي ببحثه وفحصه من جانب العلماء والمتخصصين،لا أسعي الي اثارة قلق البعض أو اثارة الخوف في نفوس القراء.. ولكني أريد أن يكون واضحا في أذهاننا أن هناك توقعات علمية لعلماء ثقاة في عالمنا هذا، تؤكد أن هناك متغيرات جسيمة وقعت بالفعل للمناخ المحيط بهذا الكوكب الصغير الذي نعيش عليه، المسمي بالأرض. وقبل أن نذكرما وصل إليه العلماء من توقعات واستنتاجات يرونها مؤكدة من وجهة نظرهم بناء علي الدراسات التي أجروها، هناك من الشواهد والوقائع ما يجب أن نلتفت اليه ونخضعه للتدقيق والتفكير، حتي نكون علي بينة مما يحيط بنا،..، وفي المقدمةمن هذه الشواهد والوقائع اللافتة للانتباه، تلك الظاهرة الأحدث في توقيتها، والتي فوجئنا بها منذ أيام وصدمتنا جميعا واصابتنا بالدهشة وعدم التصديق،..، حينما هجمت علينا نهاية يناير الماضي وبداية فبراير الحالي موجة حارة، بل شديدة الحرارة هبطت علينا من حيث لانحتسب في عز فصل الشتاء،..، بل في قلبه تماما، وهو ما يتناقض مع ما كان سائدا قبلها من طقس بارد قارص البرودة، ويتناقض ايضا مع عودة الطقس شديد البرودة بعدها مباشرة،..، حيث ارتفعت درجة الحرارة فجأة بأكثر من عشر درجات ثم عادت وانخفضت بعدها بأكثر من عشر درجات. وعلينا أن نتذكر أن هذه الظاهرة غير المألوفة كانت قد وقعت ايضا العام الماضي في ذات التوقيت بنهاية يناير وبداية شهر فبراير،..، وهو ما لم يحدث قبل ذلك علي الاطلاق. رؤية العلماء وإذا ما عدنا إلي كلام واستنتاجات العلماء، فلابد أن نذكر أن الخبراء والعلماء في مجال المناخ يرون أن هناك قدرا كبيرا من التغير في المناخ في العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا علي وجه الخصوص، هي التي تدفع بهذه الظواهر والشواهد الي الوجود. ويقولون، أن هذه الشواهد وتلك الوقائع هي التي تقف وراء موجات البرودة القارصة وغير العادية، التي تتعرض لها مصر ومنطقة الشمال الافريقي في شتاء هذا العام والذي سبقه، وهي نفسها المسئولة عن موجات الحرارة الشديدة وغير العادية، والرطوبة الشديدة ايضا، التي تعرضت لها مصر وشمال افريقيا في صيف العام الماضي،..، وفي ذلك لعلنا مازلنا نذكرما تعرضنا له بالفعل من موجات حر شديدة في الصيف الماضي، والتي بلغت ذروتها في اغسطس وسبتمبر، ووصلت الي معدلات قياسية في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة وهذا الذي يقوله العلماء يجب ان يشغلنا جميعا ومن الضروري أن يشغل قبلنا بال وفكر كل علماء البيئة والمناخ والطقس عندنا، وكل المهتمين بشئون المياه والري والزراعة والمطر والتصحر عندنا ايضا. واحسب أن تلك قضية بالغة الأهمية لنا جميعا حيث ان تغير المناخ، وما يتبعه من تغير الطقس يؤثر في كمية الامطار أي في المياه المتساقطة علينا، ويؤثر بالتالي في الري والزراعة وكافة شئون الحياة.