وقفت الظروف بالمرصاد في وجه تلبيتي لدعوة سفير كوريا الجنوبية في مصر لكي أحضر الاحتفال بالعيد الوطني لبلاده، فعلي امتداد خمس سنوات أو يزيد كنت أتلقي سنوياً هذه الدعوة وأعتذر عن عدم الحضور لأسباب غالباً ما كانت تتعلق بوجودي خارج الوطن في ذات التوقيت!. لذا كانت هذه أول مرة أدخل فيها بيت السفير الكوري البديع في ضاحية المعادي، مساء الإثنين الماضي، لأسهم في هذه المناسبة التي توافق ذكري تأسيس أول مملكة في كوريا، وهي مملكة "تشو سون" القديمة التي أنشأها الملك "دان كون" في عام 2333 ق . م. وقف جونج جون يون، سفير جمهورية كوريا، يستقبل كبار ضيوفه بترحاب بالغ، وإلي جانبه عقيلته في زي بلادها التقليدي. وبعد المصافحة يدلف الضيوف إلي حديقة مترامية الأطراف تمنح متنفساً لهذا البيت المُشّيد علي الطراز الكوري ذي السقف المائل كأسقف القصور القديمة التي زرناها في كثير من المدن الكورية. وما أن يطمئن السفير إلي وصول كبار ضيوفه، وفي مقدمتهم: اللواء أ ح حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية العسكرية، عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والدكتور عبد القوي خليفة، محافظ القاهرة، والمفكر الدكتور يحيي الجمل، النائب السابق لرئيس الوزراء، حتي ينطلق السلام الوطني لمصر ويعقبه السلام الوطني الكوري، ويبدأ جونج جون يون في إلقاء كلمة تتسم بقدر كبير من الوعي بما يجري من متغيرات علي أرض مصر قبل كوريا، إذ يشير فيها إلي أهمية ثورة 25 يناير وما تمخضت عنه، وكذا ما يحدث في المجتمع الكوري من نهضة وتطور ملحوظين. وأشاد السفير الكوري بعبقرية الشباب المصري الذي انتزع مستقبله من فم الطغاة: "في سياق ثورة يناير، تظهر الإمكانات الكبيرة للشعب المصري، علي عكس بعض البلدان الأخري في الشرق الأوسط التي لا تزال أنظمتها مقاومة بلا هوادة للمطالب المشروعة لشعوبها من حرية وديموقراطية وحقوق أساسية للإنسان. فقد أنجز الشعب المصري ثورته بطريقة سلمية لافتة، وبأقل خسائر بشرية، مما استحق إعجاب العالم أجمع. من جهة أخري ذكر السفير أنه علي الرغم من أن تاريخ كوريا يمتد لأكثر من 4000 عام، تمكنت خلالها بلاده من الحفاظ علي هويتها الثقافية الفريدة مع تحقيق تقدم ونمو اقتصادي سريع ومبهر خلال نصف القرن الماضي، فحتي مطلع السيتنيات من القرن العشرين كان نصيب المواطن الكوري من الدخل القومي 80 دولاراً فقط، وفي العام المنصرم وصل هذا الرقم إلي أكثر من 20 ألف دولار. وأصبحت كوريا الآن صاحبة الاقتصاد الخامس عشر الأعلي علي مستوي العالم، واحتلت المستوي السابع لأكبر تجارة في العالم، ومن المنتظر أن يبلغ حجم تجارتها الخارجية، هذا العام، تريليون دولار. وتعتبر كوريا مشاركا فاعلا في بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية مع الدول العربية وإفريقيا بما فيها مصر التي أصبح حجم التجارة البينية لها مع كوريا، خلال العقد الماضي، 3.2 مليار دولار. وتتزايد الاستثمارات الكورية في مصر لتبلغ أكثر من 1.2 مليار دولار في مجالات الإلكترونيات، والسيارات، والمنسوجات، والتنقيب عن النفط والغاز. ومن خلال برامج المساعدة الإنمائية علي مدار العديد من السنوات، بذلت الحكومة الكورية قصاري جهدها لمساعدة مصر في تطوير البنية التحتية في مجالات:الكهرباء، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وكذا تسهم كوريا في تنمية الموارد البشرية في مصر، وقد وجهت الدعوة إلي 800 مصري لحضور برامج تدريب مختلفة علي أرضها. كما تولي كوريا قضايا البيئة في بلادنا اهتماماً بالغاً.