اهتم علم السلوك الإداري بموضوع سلوكيات الأفراد أو ما يسمي بعلاقات العمل لما له من تأثير مباشر وقوي بالإيجاب أو بالسلب علي بيئة العمل وعلي أداء وانتاجية الأفراد ونسبة دوران العاملين أو تغيبهم عن العمل وإنتمائهم وولائهم لمؤسساتهم. واهتم علم إدارة الموارد البشرية أيضا بكل ما يؤثر علي إنتاجية الأفراد، فلجأت المنظمات الكبيرة والمتعددة الجنسيات إلي إنشاء وحدات استشارية داخل منظماتها لدعم موظفيها معنويا ونفسيا أو استشعار الضغوط النفسية لدي الأفراد أوالمشاكل المسبقة من خلال عمل استقصاء دوري عن رضاء العاملين عن بيئة العمل بما فيها من علاقات الأفراد ببعضهم، ويندرج تحت علاقات العمل كل ما يؤثر في علاقات الأفراد بعضهم ببعض سواء الزملاء أو الرؤوساء أو المرؤوسين وسواء كانت هذه العلاقات رسمية تختص بالعمل نفسه أو غير رسمية خارج نطاق العمل، فسلوكيات الأفراد تشكل جزءا من البيئة الداخلية للمؤسسات بما فيها من لوائح وقوانين أو نظم خاصة بالعمل وأيضا الثقافة الغالبة علي المؤسسة التي يشكلها الأفراد سواء كانت تدار بالاسلوب التقليدي البيروقراطي أوبأساليب الإدارة الحديثة. ولقد شاع علي مدار السنوات السابقة أو منذ السبعينيات في مؤسساتنا في مصر ثقافة دخيلة علي سلوكياتنا المصرية الطيبة وهي "ثقافة الزونب" بين الزملاء وتفشت هذه الثقافة أكثر وأكثر في الفترة الأخيرة مع كثرة ضغوط الحياة بما فيها من أزمات اقتصادية وندرة في الوظائف والإمتيازات حلت علي الجميع وضعف العلاقات الأسرية والإيمانيات وزيادة المتطلبات والأعباء المعيشية، هذا بالإضافة إلي إضعاف الهوية المصرية لدينا بسبب تدني مستوي التعليم بمؤسساتنا التعليمية وانبهارنا بالثقافات الأجنبية الدخيلة علي ثقافتنا المصرية بسبب عقدة الخواجة المتأصلة فينا دون وجود رقابة قوية أو هيمنة من هيئة الدولة علي هذه المؤسسات الأجنبية، بالإضافة إلي الدور القوي الذي لعبه إعلامنا علي مدار السنوات السابقة في هدم قيمنا وثقافتنا من خلال الأعمال والنماذج الهابطة التي أهدرت السلوكيات، وتذكرت في تحليلي لأسباب ظاهرة »الزونب« لكتاب قرأته لأستاذي بالجامعة الامريكية الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد بعنوان "ماذا حدث للمصريين"، حيث اشار د.أمين من خلال استنتاجي أيضا لكتابه أن جزءا كبيرا مما حدث للمصريين في الفترة الأخيرة يرجع بالفعل إلي تغير في سلوكياتهم بسبب المتغيرات والضغوط التي آلت بهم علي مدار الخمسين عاما السابقة مما أحدث لديهم نوع من الخلخلة في تركيبة وسيكولوجية الشخصية المصرية فطرحت لنا سلوكيات غريبة ودخيلة علينا. فأصبح النجاح أوالتميز يحارب بقوة، وأصبح الإبتكارأو الإبداع يحارب أيضا بقوة في كل مجالات العمل، وأصبح الطموح أوالمتنافس هدفا لتدمير الأخرين له، وشاعت مصطلحات سوقية لدينا في أوساط العمل علي جميع المستويات وفي جميع الأوساط الأجتماعية لا تليق إطلاقا بشعبنا العريق ولا تساهم أبدا في رقيهم مثل "حديله سكه" أو "صعت عليه" أو" زحلقناه أو زنمبأناه" وبرع البعض في إبتكار ألوان مختلفة من »الزونب« متمثلة في إصطياد أخطاء الغير، أوالوقيعة بين الزملاء أو المدراء في العمل أو التقليل من شأن الشخص أمام المدراء أو الزملاء لمنع خيرما عنه،أو تقديم النصيحة للغير بعكس مصلحته، أوالظهور بوجهين مختلفين. الأمر الذي يتطلب منا جميعا صحوة مجتمعية لهذه الظاهرة المدمرة لسلوكياتنا وقيمنا، من خلال: 1- رجوع التربية للتعليم بمدارسنا وجامعاتنا مرة أخري والإهتمام بالقيم والأخلاقيات المجتمعية مع منح بعض السلطات للهيئة المختصة بالدولة للرقابة علي التعليم الأجنبي والأمريكي بمدارسنا وجامعت. 2- توعية الأجيال بأهمية خلق بعض الوقت للتواصل الأسري ولو بشكل مصغرعن ما كانت عليه منذ زمن من خلال اللقاءات الاسبوعية لأفراد الأسرة الكبيرة لما لهذا الترابط من دور قوي في دعم الأفراد نفسيا ومعنويا. 3- تنظيم دورات تدريبية للقيادات والعاملين بالمؤسسات المختلفة علي التعامل مع السلوكيات السلبية للأفراد داخل مؤسساتهم من خلال مواقف بعينها وتشجيع اللقاءات غير الرسمية والترفيهية بتلك المؤسسات لتوطيد علاقات الأفراد بعضهم ببعض . 4- الأهتمام بتقديم الأعمال الإعلامية الراقية التي تركز علي إحياء قيمنا وثقافتنا المصرية العريقة. وأختتم مقالي ببعض المأثورات عن السلوكيات: " في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق"، "ذوو النفوس الدنيئة يجدون اللذة في التفتيش عن أخطاء العظماء". وللحديث بقية في موضوع السلوكيات.