كنت أتمنى أن يتصدر هذا العنوان نشرات الأخبار، والصفحات الأولى فى جرائدنا اليومية، وبرامجنا التليفزيونية، وأن تنقل عنا وكالات الأنباء العالمية هذا الخبر.. انتهت الأمنية التى يبدو أنها ستظل فى عداد الأمنيات. لن أتحدث هنا عن الفن الردىء الذى يغيب الوعى أو ينشر البلطجة ويقدم نماذج سيئة للشباب من الفهلوية، والانتهازية، لأن هذه النماذج هى الاستثناء وتجاهلها هو أول طريق لمحاربة هذا الإسفاف الذى لا محل له من الإبداع أو هكذا نتصور، فهى فى النهاية موجات تبدأ فجأة وتختفى بالسكتة الفنية. وليس هدفنا هنا أن نفضح أحدهم لأنه تهرب من الضرائب ومن حق المجتمع عليه، فالدولة كفيلة بهؤلاء وتلاحقهم، ولكننا نتحدث عما هو أكثر إنسانية وأكثر مسؤلية تجاه أهل هذا الوطن وناسه، تجاه المستقبل وبناء (بكرة) وسط صعوبات وتحديات وملفات كثيرة ترهق كاهل ال100 مليون مصرى فى لحظات تحول تاريخية نمر بها وسط منطقة هى الأكثر سخونة فى العالم، بما يستدعى ضمير كل واحد فينا أن يكون حاضرا، مساهما، مشاركا ببعض ما نملك، هل ينتظر القادرون من نجوم الفن تمثيلا وغناء (بشكل خاص) دعوة لمساندة بلدهم ؟! كيف ينظرون لتلك الدول العربية التى ساعدت مصر وهم يكتفون بموقف المتفرج ؟! سجل الفن المصرى يكتظ بأسماء كثيرة كانت تتنافس لدعم الدولة، أثناء الأزمات لم يتغيب الفنانون، لن ينسى التاريخ ما قدمته السيدة أم كلثوم من حفلات فى الداخل والخارج لدعم المجهود الحربي، ولم تكتف كوكب الشرق بهذا الدور بل راحت تشجع الفنانين على المشاركة فى هذه المبادرة، كانت تتنقل بين محافظات مصر لجمع التبرعات، عبدالحليم حافظ تبرع بأجر جميع حفلاته للجيش المصرى بعد نكسة 67، ولم تكن هذه المشاركة لتمنعه من مساعدة أهل قريته فأدخل اليها الكهرباء على نفقته، وبنى بها وحدة صحية لخدمتهم ورعايتهم، وساهم فى بناء مستشفى المبرة بالزقازيق فضلا عن مشروعات خدمية كثيرة . فى محاولة مبكرة لكسب تأييد الشعب ودعمه ومساندته للضباط الأحرار وثورة يوليو أطلق الرئيس محمد نجيب فكرة قطار الرحمة لتوعية الجماهير وحثها على التبرع وإقامة الحفلات والتبرع بإيراداتها لصالح الدولة، واندفع النجوم جميعهم يتسابقون إيمانا ببلدهم وإدراكا لدورهم فشاركت قائمة طويلة فى هذا الماراثون فى حب الوطن ممن لا نستطيع حصرهم الآن ( فاتن حمامة، أمينة رزق، محمد فوزى، مريم فخر الدين، ليلى مراد، شادية والتى تبرعت عقب اعتزالها بكل ثروتها للعمل الخيرى وأقامت مجمعا يضم مستوصف طبى، وكمال الشناوى، وشكرى سرحان.. هذه بعض النماذج التى جندت نفسها طواعية لخدمة بلدها وملايين المصريين الذين منحوهم المحبة والنجومية، هذه المبادرات الوطنية كانت تنم أيضاً عن ذكاء توفر فى هؤلاء لأن مافعلوه يضيف الى رصيدهم الفنى تقديراً أدبياً ومعنوياً لن يغفله التاريخ، لعل هذا الذكاء هو ما يفتقده الكثيرون من نجومنا الآن فضلا عن حالة اللامبالاة التى يتعاملون بها مع الوطن. قد يدافع البعض قائلا إن بعضهم بالفعل يقومون بمبادرات من هذا النوع ويتبرعون فى صمت بعيدا عن ضجيج الاعلام والتفاخر والتباهي، ولكن الإعلان فى هذه الحالات أجدى وأنفع للناس من باب دعم الفكرة والترويج لها ليساهم الجميع باعتبار الفنان نموذجا وقدوة، وإذا كان هناك من أقدم على خطوة فليعلن أمام الرأى العام لنشكر تقديرا واحتراما، فلا أحد منا ينكر على أهل الخير صنيعهم إن أعلنوا طالما النوايا خالصة والله وحده من يحاسب ويكافىء. هل سمع نجوم الفن الذين يتقاضون الملايين ويرفضون الإفصاح عن أجورهم مسنودين فى هذا على موالسة بعض المنتجين، هل سمعوا عن حاجة مصر إلى بناء 250 ألف فصل تعليمي، هل بلغهم نبأ عشرات المستشفيات التى تحتاج إلى أجهزة لإجراء عمليات جراحية، هل فكر أحدهم للمشاركة فى دعم حملة 100 مليون صحة ولو دعما أدبيا ومعنويا ودعائيا لتوعية المصريين بأهمية وقيمة ما تقوم به الدولة للارتقاء بمستوى جودة الحياة؟! سمعة الفنانين الآن على المحك وكم أتمنى أن ينتصروا لضمائرهم وقيم الابداع التى ينادون بها وألا يتحصنوا بأبراجهم العالية فهى لا تسمن ولا تغنى عنهم من الجماهير شيئاً إذا جاء الطوفان.