لا أعرف تحديدا ما الذي يحدث وما السبب وراء تلك الحالة من العصبية والنرجسية والقسوة التي يتعامل بها بعض كبار الأطباء مع مرضاهم .. عصبية تصل إلي حد الصراخ ونرجسية تصل إلي حد العجرفة والتعالي والغرور وقسوة تصل إلي حد التوبيخ والاستهزاء والتهكم والسخرية.. يفعل ذلك مع مريض ضعيف في أوهن حالاته بلا حول ولا قوة. ضاقت السبل به واشتدت آلامه وخذله جسده فبات لا يقوي علي شيء.. ومثل غريق يحتضر يمد يده اليائسة عله يجد بين يدي ذلك الطبيب ذائع الصيت طوقا للنجاة.. وبدلا من أن يقدر الأخير حالته وبدلا من أن تأخذه الشفقة والرحمة بحاله وبدلا من أن يشحذ كل طاقته للتخفيف عنه إذا بكلماته تأتي كسوط جلاد.. سريعة متلاحقة قوية تشل معها أي محاولة للاستفسار أو الفهم بطبيعة الحالة المرضية أو حتي تنبيهه إلي أعراض يشعر بها أو مضاعفات تطرأ عليه .. كل ذلك لا وقت للطبيب لسماعه وإن سمعه يمر سريعا ولا يتوقف عنده كثيرا. لا وقت لديه لإضاعته في تفاصيل يراها غير مهمة غير عابئ بما يحدث بعد ذلك نتيجة ذلك التعجل.. فالمريض مجرد حالة من آلاف يطرقون عيادته لايهمه حجم التعب الجسدي ولا المادي الذي يتكبده ولا يهم بث الطمأنينة وتهدئة خوفه وجزعه ومده بأمل الشفاء.. كلها أمور باتت ثانوية يتعامل معها الأطباء علي أنها تدليل لا وقت لديهم لعمله!! الغريب أن صورتهم تلك تنقلب للنقيض عندما يتصدرون شاشات التليفزيون، ابتسامتهم لا تغيب وصوتهم هادئ حنون وسعة صدرهم تتسع لكل التساؤلات مهما بدت ساذجة أو مملة أو حتي مكررة.. ولا يفته عقب كل إجابة التأكيد علي أهمية العامل النفسي في الشفاء!! ذلك العامل الذي أول من يتجاهله نفس الطبيب عندما يستنجد به مريض طرق عيادته فإذا به أمام رجل بلا قلب لاهم له سوي جمع المال.. يراهن علي زيادة مرضاه مهما بالغ في رفع قيمة الكشف.. يوقن أن كفاءته وخبرته وتميزه سترغم المرضي علي التمسك به واللجوء إليه.. فأصبح أقرب لتاجر جشع بل أشد بشاعة لأن تجارته اللاإنسانية تروّج علي آلام المعذبين الضعفاء .