لن أتحدث عن الإعلام المصري. التليفزيون والإذاعة. زهقت. أنا من زمان من دعاة إلغاء وزارة الإعلام. لكن مادام هناك وزير فوجب الحديث. هذا البرنامج الجميل الذي ظلت الإعلامية الكبيرة حكمت الشربيني تقدمه علي مدي سنوات طويلة. " شعر وموسيقي " والذي تقريبا هو البرنامج الشعري الوحيد الذي صار له جمهور كبير في مصر والعالم العربي، ونالت عنه صاحبته تكريمات كثيرة في مصر وفي العالم العربي، واحتفلت به أقسام الآداب في جامعات كثيرة. لقد قدمت فيه أعلام الشعر القديم والجديد في مصر وخارجها بصوت أحبه كل الناس وصار عبر سنوات طويلة علامة علي إذاعة الشرق الأوسط. في الأسابيع الأخيرة تم إلغاء برامج كثيرة لكثير من الرواد، وخص الوزير لجنة من الإعلاميين الكبار الذين اعترض الكثيرون علي بعضهم باعتبار هذا البعض من فلول العهد السابق سواء بالموقع او بالإنتماء الحزبي. وأنا لست من الذين يفعلون ذلك. ليس لي معركة مع وزارة أتمني إلغاءها كما أني احترم إسهام من أعرفهم منهم، إسهامهم الثقافي والفني والإعلامي. وإذا كان بعضهم يوما في موقع المسئول ولم يقاوم الشر او الفساد حوله فالمهم إنه لم يساهم فيه، وظل إنتاجه الأدبي اوالإعلامي مستمرا وإن لم يدخل في معركة من أي نوع مع النظام، لأنه ببساطة لا يستطيع. فمنصبه مدين لرجال العهد البائد من صفوت الشريف إلي أنس الفقي. لقد قامت هذه اللجنة التي تشرف علي برامج التليفزيون والإذاعة بإلغاء برامج كثيرة من بينها برنامج "شعر وموسيقي " ولا أعرف ماذا يغيظهم من برنامج له كل هذا الحضور في مصر والعالم العربي. ثم أعادت اللجنة برامج لإعلاميين قدامي كثيرمنهم في عمر الاستاذة حكمت الشربيني وربما أكبر إذا كان الأمر أمر عمر، وهم آمال فهمي وفهمي عمر وحمدي الكنيسي ونادية صالح وأبلة فضيلة وعمربطيشة. وهم كلهم ممن تركوا آثارا، لا أثرا واحدا من فضلك،في المستمعين عبر الأجيال. وأنا واحد ممن يحترمونهم جميعا.ويعرف قيمتهم الثقافية والإعلامية. لكن أيضا برنامج شعر وموسيقي من البرامج التي لها أثر كبير في المستمع المصري والعربي. ولم أكن أحب من اللجنة المنظمة او المشرفة التي شكلها الوزير أن تفعل ذلك بالبرنامج. ولا تعيده وصاحبته كما أعادت غيره. لا يدهشني أن أحدا من الوزرء أو حتي الحكام لا يقرأ الشعر أو لا يحبه. أو لا يحب الموسيقي أو ليس لديه وقت لها. فلقد تعودنا علي ذلك منذ حكم مبارك حتي نهايته. خريطة الشعر والنثر والأدب عموما ضحلة في برامج الاذاعة والتليفزيون، بعيدا طبعا عن البرنامج الثقافي ضعيف الإرسال الذي لا يسمعه الا المثقفون، وبعيدا عن القناة الثقافية التي هي أيضا للنخبة اراد أصحابها ام لم يريدوا. لكن يدهشني أن يحدث ذلك وأسامة هيكل وزير للاعلام. هو الذي كان يدير برنامجا ثقافيا كبيرا في الأوبرا وهوالذي ليس بعيدا عن الأدب والادباء علي الأقل بحكم عمله الصحفي السابق. بل يدهشني أن من بين من قرروا ذلك اسما كبيرا في الشعر مثل فاروق شوشة. لا أريد أن اربط ما حدث بالسياسة الإعلامية التي مهما قال الوزير وعاد عن استقلاليتها فهي ليست مستقلة ولن تكون مستقلة مادامت هناك وزارة بالأساس. ستكون مستقلة يوم يتم الغاء الوزارة والتصرف في جميع القنوات أو الإذاعات باستثناء قناة واحدة وإذاعة واحدة تديرها الحكومة. وهذا حديث طويل. ويمكن لمن يريد أن يعرف كيف يكون الإعلام مستقلا أن ينظر في إعلام أي بلد راسمالي ليعرف، او ينظر في الإذاعات والقنوات المستقلة المصرية ويعرف، وان كانت هي أيضا تعاني من قبضة أمن الدولة ولاتزال تعاني من قبضات أخري. إلغاء برنامج شعر وموسيقي لا يرتبط بالعداء للثورة ولا يرتبط بالترويج للدولة. هو برنامج للروح الإنساني يرتفع به بعض الوقت الي سماوات من الجمال. وظل يفعل ذلك عبر سنين طويلة. فلماذا تفعلون ذلك،وماذا كسبتم بذلك من وقت أو من فكر أو من أي شيء. منكم لله.. وزير التعليم ووزير الصحة : بمناسبة الإضراب القائم للمعلمين سمعت وزير التعليم أكثر من مرة، وقرأت تصريحات له ولغيره، بأنه مع مطالب المعتصمين لكن ليس لديه ما يفعله، فأمر زيادة المرتبات ليس من قدرته بل هو أمر يتبع المحافظات ووزارة المالية.وبدأت بعض المحافظات تهدد المعلمين بالتحويل للشئون القانونية. وبدأت وزارة الصحة في الاستعانة بالأطباء الذين خرجوا الي المعاش وبدأت البرامج الموالية للحكم تتحدث عن التلاميذ وما ذنبهم وأن التدريس رسالة، وكذلك عن المرضي وذنبهم وأن الطب رسالة بينما هناك مدرسون يعملون برواتب لاتصل إلي مائتي جنيه. بعقود بالحصة والحصة جنيهان في بعض الأحيان. أما مرتب الطبيب الشاب حديث التخرج فهو لا يصل الي ثلاثمائة جنيه. في الوقت الذي تتبعثر فيه الملايين علي المستشارين وفي وزارة التعليم مستشارون من العهد البائد لا شيء يذكر لهم في أعمالهم السابقة. وأمر المستشارين في كل الوزارات أمر يحير، فما هي الغبقرية التي تجعل الدولة تصرف عليهم ستة مليارات جنيه سنويا كما صرح بذلك الباحث الاقتصادي الكبير عبد الخالق فاروق، أو أكثر من عشرين مليار جنيه كما سمعت من الصحفي الكبير نصر القفاص في برنامجه عن الصحافة. كيف والله هان الأطباء الي هذا النحو ولا يصل مرتب الواحد منهم الي مرتب البواب لا مؤاخذة. رأيت أمامي شبابا زي الورد من الأطباء علي الفضائيات يتحدثون عن هذه المرتبات الحقيرة وأصابني غم شديد. والوزيران المحترمان والمتحدثون عنهما يعلنون أنهم مع مطالب المعتصمين لكن لا يستطيعون شيئا. طيب لماذا لا يترك كلاهما المنصب بدلا من ان يكون هدفا للمعتصمين الذين لا يعرفون مسئولا غيره؟ ولماذا لا تخبر يا سعادة الوزير الحكومة بأنك لا تستطيع ان تكون في مواجهة المعلمين أو الأطباء لخطأ في سلوك الحكومة. لماذا يضع الإنسان نفسه هدفا للهجوم بمجرد ان يتولي منصبا. ماقيمة المنصب ؟ وزارة الإعلام تزهق برنامجا للروح ووزارتا التعليم والصحة تزهقان الأرواح.