فاجئني صوتها المستجدي الذليل وهي تستدر عطف حبيبها لكيلا يرحل »أبوس إيديك حبيبي.. بلاش تبعد حبيبي» استفزتني الكلمات التي اخترقت حواسي لتشعلها غضبا صاخبا تضاءل معه صخب المارة وضجيج الشارع المزدحم الخانق.. رددت بقلب أم وحكمة عجوز علي أعتاب الستين »وليه تعملي كدة في نفسك يابنتي!! إنت فاكرة بكده بتحافظي عليه.. طيب افرضي قبلت إيديه ورجعلك إيه يضمنلك إن بعد فترة يُملك وتضطري تتحايلي وترجعي تبوسي إيديه عشان يرجعلك.. هانت عليك كرامتك فلاتتوقعي أن يكون أكثر رحمة عليها منك.. بل علي العكس سيكون جرحك وإهانتك أسهل عليه كثيرا مما تتصورين».. كتمت غيظي مهدئة نفسي بتلك الأغاني التي تفتحت مشاعرنا عليها.. مفعمة كانت بعواطف جياشة ورغم مابها أحيانا من لوعة وهزيمة وجراح لكنها في الغالب كانت تخلو من تلك المذلة والخنوع واستجداء العواطف أو ربما كنا ننفر منها ولاتعلق كثيرا في ذاكرتنا.. تعلمنا من أغاني الست أم كلثوم أن لقلبك عليك حقا حتي لو خذلك الآخر واكتشفت أن حبك من طرف واحد انسحب بهدوء .محافظا علي كرامتك وصونا لكبريائك.. مهما استبد بك الشوق والحنين واللوع »فعزة نفسي منعاني» يأتيك صوتها مشجعا ومؤازرا وداعما »كي لاتبوح».. ورحلت الست وتغير الزمن وتعاقبت الأجيال وأفرز كل جيل أغاني من سمته. لم يعد لمشاعر الحب تلك القدسية.. صار رخيصا مبتذلا.. أو ساديا أو منكسرا ذليلا أو متطاولا متبجحا أو لاعنا. فسمعنا أحدهم يدعو علي حبيبه »أشوف فيك يوم علي اللي إنت عملته فيا» وأخري »إتقي ربنا فيا بزيادة خاف عليا» شايلاك في عيني ومطلع إنت عيني» ويصرخ ثالث »وجعتك ده إنت توجع بلد في إيه هو إنت إشتريتني حسيبك واخسرك للأبد دا كان ناقص تموتني».. كلمات كالحجارة بل هي أشد قسوة تعكس قلوبا غليظة جافة تستفزنا فنترحم علي زمن كان أقسي انتقاما للقلب الجاحد »حاأسيبك للزمن».. وأشد عقاب ورد اعتبار »قول للزمان إرجع يازمان وهات لي قلب لاداب ولاحب ولا انجرح ولاشاف حرمان».. الله يرحمك ياست.