تجلس أمامها بهدوء تبدو علي درجة عالية من التركيز.. عيناها مثبتتان علي الإبرة ويدها تمتد بثبات وإتقان ليتم تمرير الخيط بسهولة.. يبدأ إيقاع ماكينة الخياطة بطيئا حتي تطمئن أن كل شيء يسير وفق تصميمها ثم ماتلبث أن تزداد ضرباتها شيئا فشيئا ليعود ثانية للهدوء تدريجيا تقص الخيط الأخير بينما ترفع مزهوة ثيابنا الجديدة.. نلتقطها بفرحة خاصة عندما تتزامن مع قدوم العيد.. كان هذا هو حالي مع أبناء جيلي والأجيال السابقة عندما كانت الأمهات ماهرات في فنون التفصيل بعضهن عن هواية وأخريات عن تعلم ودراسة في مدارس التربية النسوية المتخصصة في تعليم الفتيات مهارات مختلفة من بينها التفصيل. لم تكتف الماهرات منهن بذلك بل طورن أنفسهن فيما بعد من خلال مجلات متخصصة أشهرها »البوردا» والتي تضم من بين صفحاتها أجمل وأرق وأحدث التصميمات مرفق بها باترونات كاملة تسهل عليهن كثيرا المهمة فتخرج من بين أيديهن أجمل الثياب.. لم يكن بالطبع الأمر سهلا وكان يتطلب قدرا من الجهد والوقت والتركيز يشكل عبئا علي كاهل وعقل الأمهات وإن كانت نتائجه المبهرة أحيانا تعوض قدرا من ذلك الإرهاق. لكن مع تغير الزمن وكثرة الهموم وخروج المرأة للعمل وتعقد الحياة اختفت ماكينة الخياطة تدريجيا من بيوتنا وفتر حماس الأمهات وضاق خلقهن بتفاصيل الحياكة المرهقة ووجدن في الملابس الجاهزة وسيلة أضمن وأجمل وأقل إرهاقا حتي وإن كانت أكثر تكلفة.. عقود طويلة مضت ليحل الجاهز محل التفصيل.. لكن يبدو أن دوام الحال من المحال وهاهي ماكينة الخياطة تحاول أن تستعيد مجدها وكأنها أبت أن تتنازل عن مكانتها فبدأت في الظهور متصدرة إعلانات تدعو الفتيات لتعلم التفصيل. جاءت كحل بديل بعدما قفزت أسعار الملابس الجاهزة لأرقام فلكية وباتت عصية علي التحمل.. جايلك ياغالية.. هكذا انطلق لسان حال البعض في محاولة للتغلب علي الأزمة. ودايما الشاطرة بارعة في الغزل ولو برجل..