أكثر مايريح أعصابي ويبهجني ويبعد عني كل مظاهر الضيق والخنقة والتوتر هي حالة الطرق.. السير فيها أصبح متعة لاتضاهيها أي متعة.. التنقل لقضاء مشاوير مهما كانت بعيدة لا تشكل أي عناء.. المشوار الذي تقدر أن تقطعه في ساعة تقطعه في عشر دقائق والطريق الذي تتصور أن تعبره في ساعتين تجتازه في غمضة عين.. حالة من السيولة المرورية تجعلك تشعر أنك في الجنة .. تخرج للطريق أنيقا متفائلا مهندما تعود علي نفس هيئتك سالما دون أن يمسسك سوء. لاينال منك مقعد غير نظيف بالأتوبيس ولاترهقك ساعات طويلة يقطعها في زحام خانق ممل يتصبب فيها عرقك وتخرج نادما علي كل ما دفعته لكوائها وهندمتها.. لن تضطر لقصر خروجك علي أضيق الحدود من وإلي مكان عملك.. علي العكس ستجد الخروج متعة.. لن تتأخر عن أداء واجب عزاء . ولن تقصر في حق مريض يفرض عليك الواجب زيارته ولن تتردد في زيارة أهلك في أي وقت تشاء لا في الأعياد والمناسبات الاجتماعية فقط.. لن تحمل لتحركك هما ولن تشعر أبدا بالتردد وأنت تقرر أداء تلك الواجبات.. مشوار واحد فقط لن يشعرك بالأزمة والتعب ويقضي علي كل ما فيك من طاقة ترجع بعده مجهدا غير قابل علي التعامل مع البشر.. علي العكس تماما ستخرج وترجع سالما معافي وبكامل صحتك وأناقتك أيضا.. وربما لاتتأخر عن ترضية زوجتك بالنزول مرة ثانية وثالثة وعاشرة لشراء احتياجات البيت ومطالب الأولاد.. ستفعل كل ذلك مبتسما بشوشا راضيا بلا تعب ولاملل .لدرجة تغريهم لطلب المزيد من الخروج والفسح والسهر تلبيها بكل أريحية وهدوء فكل خطوة في الشارع تحمل لك متعة وكل مشوار تقضيه تكمن فيه بهجة وسعادة وراحة.. هي الجنة بعينها.. لم يخرجني منها سوي ضجيج الركاب ونعيق كلاكسات السيارات وخنقة وزحام الطريق.. يبدو أني غفوت في محاولة هروب من جحيم الواقع ملتمسة وهما من الراحة في حلم جميل.