أثارت تصريحات د. أبو العزايم وهو شيخ الطريقة العزمية والكادر المنشق من المجلس الصوفي الكثير من الكلام والتعليقات بل والغضب أحيانا في الشارع المصري ولست أعرف حتي الآن الدافع الحقيقي الذي دفع ابوالعزايم الي الخوض في مستنقع ليس مؤهلاً للخوض فيه والدخول في معترك لم يكن في يوم من الايام من اهتمامات التيار الصوفي أو أهدافه. لقد حاول الشيخ القصبي تصحيح الأمور بقدر المستطاع ولكن التصريحات المتوالية لشيخ الطريقة العزمية تواصل صب الزيت علي النار وكأنه مصر علي الا يلتئم الجرح ومصر أكثر علي تفتيت الصف وضرب الوحدة الصوفية (47 طريقة).. وأبو العزايم يحاول دائماً تخويفنا مؤكدا أن عدد الصوفيين يتجاوز ال 51 مليونا. وقد يكون محقا في تحديد العدد ولكنه ليس محقا في أن لهذه الملايين أي تأثير فإن 09٪ منهم من الدراويش أو المجاذيب أو المغيبين أو الأميين وكل هؤلاء لاوزن لهم في عالم السياسة ولا تأثير لهم في توجيه الامور ولاوزن لهم في محاولة الضغط بهم في أي اتجاه.. وقد يكون من المفيد عرض بعض ملامح التيار الصوفي قبل الخوض في الموقف الحالي لابو العزايم. التصوف لم يبدأ اسلاميا وإنما هو أسلوب في الروحانيات انحدر من الهند إلي فارس ثم انتقل من فارس الي الإسلام بعد أن فتح العرب بلاد الفرس وقد امتزج التيار الهندي بالرهبانية المسيحية وخرج من هذا الامتزاج التيار الصوفي الاسلامي.. وقد شهد هذا التيار مجموعة من العلماء العظام في التاريخ الإسلامي وربط هؤلاء المفكرون أصول هذا التيار وتوجهاته بسلوك الصحابي الجليل الذي يعتبر امام الزاهدين وهو أبو ذر الغفاري. بدأت الصوفية كفكر ومنهج المفكر الفارسي السعدي الشيرازي وقد اعتمدت نظريته علي ان الانسان إذا استطاع التخلص من توجهات البدن ونزعاته فإن بإمكانه أن يفتح بذلك الباب لصفاء الروح، هذا الصفاء إذا تمت المحافظة عليه والمداومة فإنه سوف يصل إلي الاندماج في ذات الله فيصبح هو هو وتصبح أنت هو وهو أنت. وغير السعدي شهد التاريخ الإسلامي نجوما ساطعات، شهد الحلاج ورابعة العدوية وشهد محيي الدين ابن عربي وشهد ابو حامد الغزالي الذي تحول من الفلسفة إلي التصوف وغير هؤلاء كثيرون وضعوا قواعد الصوفية ومناهجها وتوجهاتها. هؤلاء الرواد منهم من دخل معارك ضارية وشرسة مع السلطة مثل الحلاج الذي أعلن أمام الخليفة أنه اندمج في الذات الآلهية وأشار إلي عباءة قائلا للخليفة ما في العباءة الا الله.. وكانت النتيجة ان تم ذبحه ومنهم من دخل معارك فكرية أكثر شراسة مع التيارات الفكرية الاخري مثل ابو حامد الغزالي الذي كتب عندما انتقل من الفلسفة إلي التصوف كتابه الشهير »تهافت الفلاسفة« وصراعه مع ابن رشد المفكر الاندلسي العظيم الذي رد عليه بكتاب »تهافت التهافت«.. هؤلاء الرواد العظام كانت لهم نظرتهم وكان لهم منهجهم وكان لهم غايتهم وكان لهم هدفهم وكان لهم فكرهم في العلاقة بين الخالق والمخلوق وما يجب ان يتسم به فكرالمسلم وسلوكه حتي يتوصل للحصول علي الجائزة الكبري وهي الجنة.. كثر الاتباع في بعض الاوقات وقل عددهم في أوقات اخري وتزايد عدد المشايخ مع مرور الزمن حتي وصلنا الي ابوالحسن الشاذلي والي المرسي ابو العباس والي السيد البدوي وظل التصوف برعاية هؤلاء تياراً محترماً وواضحاً يوالي انتشاره وزحفه خاصة داخل القري المصرية.. فالفلاح بفطرته رجل متدين وكل الفلاحين في كل العالم كذلك فحياتهم مرتبطة بالطبيعة وخالق الطبيعة الشمس والمطر الصيف والشتاء.. انساق ملايين الفلاحين المصريين - وأنا هنا اختصر الطريق فالحديث في هذا المجال يطول - انساق هؤلاء وراء بعض المشايخ فقد تعددت الطرق الصوفية وأصبح كل شيخ يشكل لنفسه طريقته الخاصة.بعض اصحاب الطرق وسع الله عليهم في الرزق فلم يكونوا يمدون ايديهم ولكن غالبيتهم كانوا يتلقون التبرعات من الاتباع وكلما زاد عدد الاتباع زاد الدخل حتي تحول بعضهم الي مليونيرات.. والطريق كانت بسيطة جداً كان الشيخ من هؤلاء يختار شخصا ما من قرية ما ويصادقه ويعطيه يقوم هذا الشخص بدعوة الشيخ الي قريته.. ينظم له »حضرة« والحضرة معناها أن يصطف الناس في صفين يتوسطهم الشيخ وهو دائماً له ذقن مهيبة ويطوق عنقه بمسبحة طويلة.. ويقوم الشيخ بالتسبيح والذكر علي ايقاع بعض الدفوف ويتمايل الرواد يمنة ويسرة ببطء أولاً ثم يتسارع الايقاع حتي يسقط بعضهم في غيبوبة وحتي يندمج الجميع في حالة من اللا وعي يؤكد لهم الشيخ أنهم بذلك اصبحوا في رحاب الذات العليا وتنتهي الحضرة باقبال من اقتنع بأخذ العهد علي يد الشيخ أن يكون من ابنائه ثم تختم الحضرة بالفتة و »هبر« اللحم ويتحدد يوم من أيام العام لتتكرر هذه العملية (وللحديث بقية). ولله الامر