في سماء القاهرة مدينة الألف مئذنة تصدح كل يوم عند موعد كل صلاة ، وعلي كل مئذنة أصوات تتلألأ وتصدح بكلمات الأذان العذبة ، لتعلن موعداً جديداً للقيا الله ، وفي كل ركن وزاوية تجد القرآن الكريم أنيساً ودوداً له حضور مهيب وراحة نفسية لا توصف تبدأ مع بسم الله الرحمن الرحيم ولا تنتهي عند صدق الله العظيم. وكمصريين لا ننسي أبداً صوت الشيخ محمد رفعت وقراءته العذبة للقرآن كل صباح في الإذاعة المصرية ، والتي نبدأ يومنا معها ومع سور القرآن وآياته ورفعه للأذان في رمضان عند موعد الإفطار .. وجهاز الراديو في حقل الفلاح البسيط والسيارات العادية والفارهة وفي المحلات وعلي أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وشاشات التليفزيون كلها يخرج منها أصوات أعظم من قرأوا القرآن في مصر. والقرآن الكريم هو جزء في الحياة اليومية للإنسان المصري استماعاً أو قراءة. فمع ساعات الصباح الأولي لا يكاد يخلو شارع مصري أو حارة أو دكان أو سيارة من أصوات أشهر المقرئين المصريين.فصوت الشيخ المنشاوي والحصري وعبد الباسط عبد الصمد والبهتيمي ومحمود علي البنا ومصطفي اسماعيل حفرت لها في الوجدان الشعبي مكاناً أثيرًا. ومن حيث اتباع قواعد الترتيل والتلاوة من ترقيق وتفخيم وإضغام وغنن ومد فهؤلاء القراء أسسوا مدرسة في اتقان وجمال التلاوات بمختلف رواياتها. لهذا رحبت بنشر كتاب "نجوم العصر الذهبي لدولة التلاوة" للدكتور نبيل حنفي وأسعدني للغاية أن أقدمه هدية لكل قراء سلسلة "كتاب اليوم" في رمضان - عدد أغسطس 1102 - الذي يفارقنا هذه الأيام ويترك داخلنا حنيناً لا ينتهي لأيامه الجميلة وبركاته العديدة.فالكتاب من نوعية الكتب التي يجب اقتناؤها والاحتفاظ بها في مكتبة كل بيت حيث تضم صفحاته سيرا مختصرة لحياة شخصيات سكنت أصواتها وجداننا وذاكرتنا ، ويحكي الكاتب رحلة عشقهم للقرآن الكريم.فقد اختار الدكتور نبيل حنفي محمود رواد دولة التلاوة الذين أسسوا بقوة وحلاوة أصواتهم وقدراتهم الفذة مدارس عريقة لقراءة القرآن الكريم ويقول الكاتب إن الاهتمام بقراءة القرآن وتأسيس دولة التلاوة في مصر جاء مع الدولة الفاطمية التي اهتم خلفاؤها بقراءة القرآن بالألحان في المناسبات المختلفة مثل المولد النبوي الشريف ورؤية هلال رمضان وخلال لياليه. واستمدت الدولة قوتها من الكتاتيب التي انتشرت في كل قرية ومدينة في مصر تعلم القرآن وتلاوته لتخرج نشئا يرتبط منذ الصغر بكلمات الله وجمال آياته . ولا يمكن أن ننسي أن إذاعة القرآن الكريم كان لها الفضل الأكبر في نشر وتأسيس واستمرار هذه المدارس العظيمة في تلاوة القرآن الكريم وكذلك في ربط المواطن المصري بأصوات هؤلاء القراء الرواد الذين أصبحوا نجوماً في هذا المجال لكل منهم مريدون ومستمعون ومعجبون. فلا تجد مصرياً إلا وله نجم أثير يحب أن يستمع إلي صوته وهو يقرأ آيات القرآن الكريم أو يؤذن للصلاة ومن أكثر القراء الذين عاشوا في قلوب المصريين رغم رحيلهم عن دنيانا الشيوخ: محمد رفعت ومحمود خليل الحصري وعبدالباسط عبدالصمد ومحمود علي البنا وكثيرون غيرهم. لذلك أنصح قرائي الأعزاء باقتناء هذا الكتاب المهم ذي الأسلوب الجميل الشائق عن حكايات نجوم عاشوا في قلوبنا بفضل القرآن الكريم.