قد تبدو الوقائع التي نقدمها خارج سياقها العام خصوصاً مع تنامي أزمتي الحدود والوجود في مسيرة الوطن الطارئة، ورغمها أقدمها للمجلس العسكري الذي تصرف قائده الأعلي المشير طنطاوي باعتباره خصماً شريفاً يمتثل لأحكام القضاء فلم يطعن علي الحكم الصادر ضده كرئيس للجمهورية لكن هناك في هيئة قضايا الدولة من حال دون وصول الأحكام المتتالية لعنايته حتي يشملها بالتنفيذ، الأمر الذي يهدر سيادة القانون ويهدد كيان الدولة ويعصف بأهم دعائمها. والأمر هنا أكبر من اعتباره شأناً شخصياً، لا إنها ظاهرة عامة تحولت بفعل ثقل الضالعين فيها إلي فضيحة تؤكد أنه لابد من تطهير مؤسسات الدولة من شبكة مصالح وفساد ذيول وأذناب النظام المخلوع. أتحدث عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 9/5/1102 في الدعوي رقم 2171 لسنة 64 ق لصالح عودتي لعملي رئيساً للهيئة العامة لمدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية وقدمنا الإعلان بالصيغة التنفيذية لهيئة قضايا الدولة التي بدلاً من العمل علي تطبيق القانون وتنفيذ الحكم كتبت لوزير البحث العلمي طالبة عدم التنفيذ متذرعة بأن هناك إشكالاً يوقف التنفيذ. وعليه لم يرفع السيد الوزير توصيته لرئيس الجمهورية طالبا استصدار القرار الجمهوري كما يقضي بذلك القانون المنشئ للهيئة، قدمنا كل المذكرات القانونية التي تؤكد أن الاشكال أمام المحاكم الغير مختصة لايوقف التنفيذ لكننا فوجئنا بمناورات السادة مستشاري الوزير وتحايلهم لوقف التنفيذ، ولم يكن هناك بد من العودة مرة أخري للقضاء الذي أصدر حكمه بصفة مستعجلة ضد رئيس الجمهورية ووزير البحث العلمي بتاريخ 6/7/2011 في الدعوي رقم 13108 لسنة 65 ق بوقف تنفيذ القرار السلبي بالإمتناع عن تنفيذ الحكم وتمكيني من تسلم عملي بمقتضي مسودة الحكم وبغير إعلان. جاء في حيثيات الحكم: "أن المادة 24 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 تنص علي أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الشعب ويكون الإمتناع عن تنفيذها من جانب الموظفين العموميين جريمة يعاقب عليها القانون" ذلك بنص المادة 123 من قانون العقوبات التي تقضي بالحبس والعزل علي من يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية. وجاء في أسباب الحكم أيضاً: "أنه لاينال من الإلتزام الدستوري بتنفيذ الأحكام التذرع بنتيجة إشكالات تتقدم بها الجهة الإدارية أو غيرها أمام محاكم غير مختصة حسبما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا". جاء أيضاً في أسباب الحكم: "أنه تلاحظ للمحكمة باعتبارها جزء من نسيج هذا الوطن أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من القضاء الإداري باتت مشكلة وأزمة خطيرة تواجهها مصر في وقت تنفتح فيه شعوب العالم إلي احترام دساتيرها التي هي عصارة كفاح الشعوب ضد الاستبداد وأن عدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري يعصف بقانونية الدولة بل بشرعيتها لأن فيه إهدار لأحكام الإعلان الدستوري الذي تعد نصوصه أساس شرعية النظام وإلا عدت الدولة مستبدة لاتحترم دستورها ولا قضائها، وأنه يتعين علي الجميع احترام وتنفيذ الأحكام القضائية وإلا لما كانت هناك حاجة أصلاً إلي خدمات القضاء والعدل بين الناس من جهة وبين الدولة وجهات الإدارة من جهة أخري وحلت محلها شريعة الغاب القوي يأكل الضعيف". ورغم كل هذا أصر السادة المستشارون علي عدم تنفيذ الحكم. إذن إهدار الأحكام القضائية تجاوز الخاص إلي العام وأصبح ظاهرة تستوجب إجراء عاجلاً لإيقاب عبث السادة مستشاري الوزراء بقيم العدالة وصحيح القانون، الأمر الذي يضع بعض الوزراء في حرج ومساءلة ويرسخ قيماً مغلوطة تسئ إلي قضائنا العادل ويخصم من رصيده بغية مصالح ضيقة نعف عن ذكرها بينما نملك مستندات دالة عليها ودامغة. الدولة لا تكون دولة بمفهومها القانوني إذا لم تحترم أحكام القضاء، فحجية الأحكام لاتتحقق إلا بتنفيذها، ولا يصح الإلتفاف علي الأحكام بحيلة الإستشكالات المذمومة التي أضاعت النظام السابق وأطاحت برموزه. ولقد كتب في ذلك الدكتور يحيي الجمل مقالاً بعنوان "مناقشة قانونية هادئة" نشرته المصري قبيل الثورة، جاء فيه: "أحكام المحكمة الدستورية العليا لها حجية علي الناس كافة، وعلي سلطات الدولة جميعاً، وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بأن الاستشكال في أحكام القضاء الإداري لا يكون إلا أمام محاكمها، وأن الاستشكالات التي ترفع أمام القضاء المدني أو القضاء المستعجل لا شرعية لها، ولا قيمة قانونية، ولا تزيد علي كونها عقبة مادية يجب عدم الالتفات إليها. هكذا حكمت الدستورية العليا، وهكذا حكمت المحاكم الأخري، وكل ذلك لابد أن يكون معلوماً بالضرورة للإدارات القانونية في الجهات التنفيذية. وهذه الاستشكالات مجردة من كل قيمة قانونية ولا شرعية لها، ولا يجوز أن توقف تنفيذ حكم صادر من جهات القضاء الإداري". إذن الاستشكال أمام قاضي التنفيذ ليس له أثر واقف علي تنفيذ أحكام القضاء الإداري التي هي واجبة النفاذ حتي لو طعن عليها، هذا بحكم المحكمة الدستورية والإدارية العليا ومجلس الدولة، ورغم علم الحكومة ذلك فهي تدفع من يستشكل لتعطيل تنفيذ الأحكام، الفضيحة هي أن يشارك في مثل هذه المآخذ غير النزيهة بعض السادة مستشاري الوزارات من مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة. ولأن الهدف لاينصرف إلي الطعن في أحد أو التشهير بأحد فلم نورد تفاصيل مالدينا وهو يشكل فضيحة في حق الوطن والعدالة وسيادة القانون ويسئ إلي الدولة والقائمين عليها ويلغي مفهوم الثورة والتغيير المرتجي. ثقتنا أن يبادر الوزير المحترم دكتور معتز خورشيد بإعادة الإعتبار لسيادة القانون وأن يرفع إلي السيد المشير توصيته بإصدار القرار الجمهوري تنفيذا للحكم.