يعرف العراقيون جميعاً ان بلدهم مستباح منذ أبريل 2003 من القمة الي الحضيض. مئات الاجهزة الاستخبارية والمخابراتية والامنية والتجسسية والصهيونية تصول وتجول في البلاد من جمارك "ابراهيم الخليل" في أقصي الشمال علي الحدود مع تركيا الي جمارك "أم قصر" في أقصي الجنوب علي مياه الخليج العربي. بل وتمتلك هذه الاجهزة مقرات في أفضل مناطق العاصمة والمدن الرئيسية تحت واجهات منظمات دولية وحقوق الانسان والبيئة والتنمية والديمقراطية والاعمار والحماية والصيانة. ووصل الأمر الي استخدام الدين ستاراً لتغطية النشاط التخريبي والارهابي الايراني في العراق وخاصة في مدن المزارات الدينية. واكتسبت هذه الاجهزة والمنظمات "شرعيتها" من الاحتلال الامريكي وحكوماته العميلة التي يفخر كثير من وجوهها بأن لهم اتصالات وتعاملات مع المخابرات الاجنبية بدأت في الخارج قبل الاحتلال بسنوات وتوطدت في ظل الاحتلال في الداخل. وليس سراً ان لبعض هذه الاجهزة مقرات رسمية داخل المنطقة الجرباء المسماة بالمنطقة الخضراء سواء خلف أسوار بعض السفارات أو مقرات قيادة عمليات قوات الاحتلال الامريكي. وما دفعني الي كتابة هذا المقال هو اعترافات مثيرة للجاسوس الاردني عميل الموساد الصهيوني بشار ابراهيم أبو زيد الذي اعتقلته المخابرات المصرية بعد ثورة 25 يناير الماضي لتضيف نصراً مخابراتياً جديداً ومهماً الي سجلها الحافل في الصراع الدائر مع الموساد الصهيوني. فقد كشف هذا الجاسوس ان الكيان الصهيوني يتجسس علي جميع المكالمات الهاتفية من والي مصر والعراق والسعودية وليبيا والجزائر ولبنان وايران واليمن وسوريا من خلال شرائح الهواتف المحمولة "السيم كارت" لرصد كل ما يدور فيها سواء عبر الهواتف أو الانترنت. وهذا الجاسوس سيئ الحظ فعلاً، اذ إنه لو كان يعمل في بغداد، وليس في القاهرة، لما اهتم لأمره أحد من المسئولين في عشرات الأجهزة الامنية المشغولة باعتقال العراقيين الوطنيين المعادين للاحتلالين الامريكي والايراني. والدليل علي ذلك ان هناك ألافاً من الجواسيس والعملاء والوكلاء سواء من مزدوجي الجنسية أو من الاجانب يمارسون أنشطتهم علناً ولهم حرية الاقامة والتنقل والعمل والحماية.. بل والحصانة أيضاً، ليس في المحافظات الكردية فقط، وإنما في كل المحافظات الأخري وفي مقدمتها العاصمة بغداد.. وفي السفارات العراقية في الخارج أيضاً. وذكرت النيابة المصرية ان الجاسوس المذكور، وهو مهندس اتصالات متخصص بالاقمار الاصطناعية والشبكات الالكترونية، اتفق مع الموساد علي تمرير المكالمات الدولية والتنصت عليها وتسجيلها وارسالها الي الكيان الصهيوني من خلال أجهزة حديثة خاصة بذلك، ويشمل ذلك بالاضافة الي مصر كلاً من العراق والسعودية وليبيا والجزائر ولبنان وسوريا واليمن وايران.. أي انها شبكة تجسس دولية أطاحت بها المخابرات المصرية. لقد ألقت السلطات المصرية القبض خلال السنوات الأخيرة علي عشرات الجواسيس وشبكات التجسس الصهيونية في مصر وقدمت المتهمين الي المحاكم، لكننا لم نسمع ان حكومات المنطقة الخضراء في بغداد اعتقلت جاسوساً واحداً من بين عشرات الالاف من الجواسيس الذين صاروا فعلاً طابوراً خامساً له صوته ودوره وألاعيبه ومؤامراته في العملية السياسية العرجاء والفتنة الطائفية والنعرات العنصرية. وذكر لي أحد السياسيين العراقيين ان جواسيس تل أبيب كانوا يحضرون بموافقات رسمية محاكمات رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين! لو قلنا لأي مسئول في الحكومة العراقية الحالية ان هذه الشبكات التجسسية تلحق أضراراً بالغة بالمصالح الوطنية والقومية للعراق والوطن العربي، فانه لن يتردد في الرد: أي مصالح وطنية وقومية.. أي بطيخ؟! ومعه حق في ذلك، لان أجهزة "الموساد" الصهيوني و"اطلاعات" الايرانية فضلاً عن المخابرات المركزية الامريكية تمتلك كل مفاتيح المعلومات في هذا البلد المنكوب بالاحتلال وحكوماته. فلم يعد التجسس في العراق خيانة وطنية، لكنه صار مهنة تفتح لاصحابها صالة كبار الزوار في مطار بغداد.