حينما تصديت بقلمي في هذا المكان يوم 3 أغسطس للانفجار الإجرامي من جهادي ومتطرفي شمال سيناء مع بعض الفلسطينيين كنت في حالة ثورة ذاتية وشعور بالغضب الشديد أمام مقتل الشرفاء من رجال الجيش والشرطة وأمام الرغبة المجنونة والمحمومة من جانب الخارجين عن القانون لكسر هيبة الدولة. وكنت أسأل نفسي متي سيأتي رد فعل الدولة لتدافع عن كرامتها وكرامة شعب مصر، وأعترف أنني كنت قلقا أن يتأخر رد فعل الدولة فيصاب شعب مصر بالاحباط، وفقد الأمل في استرداد الأمن والأمان، ثم جاء دور الدولة في فترة زمنية وجيزة جدا بعد الحادث الإجرامي بالعريش وبقوة هائلة لتنزل إلي الميدان بأعداد كبيرة جداً من رجال الشرطة والجيش بعد عمل كل الترتيبات اللازمة التي تفرضها اتفاقية السلام كما أشرت في مقالي السابق. وفي مواجهة مباشرة مع مجرمي العريش، ثم أيضا القبض علي 12 من الجهاديين الذين افتخروا منذ أيام بهجومهم علي قسم شرطة العريش بملابسهم السوداء في المعركة التي دامت من العصر إلي الفجر وقتل فيها أيضا كثير من الأبرياء، وكان القتلة والخارجون عن القانون يحملون لافتات تشير إلي "كلمات الله"... وكلمات الله منهم براء. وفجأة شعرت بالاطمئنان والفخر بالمجلس العسكري وقيادات الأمن والشرطة وهي تنزل إلي الشوارع في العريش لتحمي شعبها ولتعلي كلمة القانون باعتقال من أجرموا وأذنبوا في حق شعب سيناء. وأقولها بصراحة فإن رد فعل الدولة وقيادتها بالمجلس العسكري أمام عدوان العريش جاء بعد الحزم الذي واجه به رجال الجيش والشرطة الفوضي والعبث بميدان التحرير التي حرمت أهل هذا الحي خلال شهور طويلة من الرزق ولقمة العيش. إذن مارست الدولة دورها ومسئوليتها في ميدان التحرير الذي أراد البعض أن يجعلوا منه دولة داخل الدولة، وفي شمال سيناءوالعريش التي أراد البعض أن يجعلوا منها "إمارة إسلامية" بعد أن أنكروا ذلك عقب رؤية العين الحمراء للدولة...! بقي تحرير الوطن بأسره من »جبروت البلطجية« وأنا أتابع ما يحدث علي أرض الواقع في وطننا العزيز من شماله إلي جنوبه، ومن شرقه إلي غربه، أري أمثلة مقلقة أمامي لا أذكر أن رأيت مثلها في طفولتي ولا في شبابي: -أري موظفي التأمين الصحي بأسيوط يقطعون الطرق الرئيسية المؤدية إلي وسط المدينة احتجاجا علي عدم صرف الحوافز، قطع الطرق بصفة عامة هو نوع من المخالفات والاعتداءات علي حركة المرور في الطريق العام والتي يعاقب عليها القانون. - وأسجل وقعة فريدة في شبين الكوم حين ذهب أهل وزملاء أحد البلطجية يرشقون بالحجارة مبني النيابة العامة وقسم الشرطة واعتدوا علي أحد الضباط الذي يمثل "الضبط والربط" في محاولة للإفراج بالقوة عن البلطجي. - ثم يتجرأ تجار المخدرات بالصفين بإلقاء قنابل المولوتوف علي نقطة الشرطة واشعلوا النيران فيها وقطعوا الطريق بين المنصورة والقاهرة للإفراج بالقوة عن المجرمين من تجار المخدرات. - حتي معلمو الأزهر بأسيوط يقطعون الطرق الرئيسية بالمدينة احتجاجاً علي عدم تثبيتهم بعد التعيين المؤقت، ولكن المسئولية هنا كانت لمجلس الوزراء الذي وعدهم بذلك دون أن يدرس إمكانيات الدولية الفعلية لتنفيذ هذا الوعد. بعد كل ذلك بقي ما نسمعه كل يوم عن اعتداء البلطجية علي الجمهور في حلوان و6 أكتوبر، وعلي طريق المحور والاستيلاء بالقوة والضرب علي أموالهم وسياراتهم وأشخاصهم. ولكن كلمة حق تجاه الشرطة التي عانت كثيراً في الشهور الماضية لأقول أن نسبة جرائم البلطجة قد تراجعت بفضل جهودهم وبسبب انفجار غضب الأهالي تجاه البلطجية، كما وقع قرب كفر الشيخ حينما قتلوا أحد المجرمين الذي عاث في الأرض فساداً في بلدهم وقطعوا جسده إرباً وطافوا به شوارع المدينة وكأن انفجار الأهالي كان يعني أن للصبر حدود. في مصر »قضاء« رفع هامته فحمي كرامتنا وأنا أتابع الإثنين جلسة محاكمة الرئيس السابق، وأسمع بأذني الصوت الحاسم، للمستشار أحمد رفعت وهو يدير باحترام واقتدار أصعب معركة أمام عشرات من المحامين الذين اعتدوا علي تقاليد المحاكم والمهنة. وسعدت وأنا أسمع المستشار الذي اختار أن ينحاز للحق دون خوف من لومة لائم وهو يصدر قراراً هاماً بمنع البث التلفزيوني ممارساً حقه المطلق والسيادي في مثل هذه القرارات. لقد أفاد هذا القرار في حرمان بعض المحامين المجهولين من الظهور علي الشاشة بأفكار وكلمات عبثية. وسيسعد هذا القرار أيضا الإعلامية الفرنسية "جان فيير مول" - المعروفة بدفاعها الدائم عن الحق العربي ، لأنها حزنت وهي تري المحاكمة تذاع تلفزيونياً. وعلي مسئوليتي الشخصية أقول ليتنا نرتقي بأنفسنا من الرغبة في الانتقام والسب والتشهير بمتهمين تعلمنا "أنهم أبرياء حتي يحكم بإدانتهم"..! اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون...