الآن .. احبائي القراء، بعد أن وهن العظم مني، وارجو الا أصيبكم بالاكتئاب لتكرار هذه الحقيقة، وذلك لأنني أجد ان هذه طبيعة الاشياء ومآلنا جميعاً في آخر العمر. اصبحت أحلق بذاكرتي وعقلي مع ذكرياتي، الجميلة والثرية ولله الحمد. كنت اشاهد التليفزيون، كعادتي متابعة لقنوات الأخبار المختلفة لألم بما يحدث في العالم خارج نافذتي. وتوقفت يدي عند إحدي قنوات الافلام التي كانت تعرض فيلم »النظارة السوداء» للصديقة الغالية بولا أو النجمة الجميلة نادية لطفي ومن تأليف استاذي إحسان عبد القدوس. عندها.. تذكرت حواراً اجري معي منذ أكثر من ثلاثين عاماً عن الاستاذ إحسان وبحثت في أرشيفي وقررت ان انشر لكم جزءا منهُ ذلك لاحساسي بالواجب تجاه الأجيال الجديدة ليتعرفوا علي رموز مصر الثقافية بعد أن عزت الثقافة تعالوا معا لنبحر في الذاكرة. - ماذا يمثل لك إحسان عبد القدوس؟ انا اخترت احسان عبد القدوس أولاً كقارئة وكنت لا زلت تلميذة في الثانوي، اخترته عندما قرأت »لا تطفيء الشمس» و »في بيتنا رجل» و »أنا حرة» وقلت في نفسي: الكاتب ده بيكتب عننا حلو كده ليه؟ ده بيحترم البنت قوي. عندما عرفت الاستاذ إحسان - مع العدد الكبير من الكتاب الذين عرفتهم - كان من اصدق واشجع من عرفت والاكثر ثقة بالنفس وثقة بالله... عندما عملت مع استاذ احسان في سلسلة موضوعات في مجلة »آخر ساعة» ، وجدت ان لديه قدرة كبيرة علي الغفران، والغفران من سمات الاقوياء. اعطاني الاستاذ احسان الكثير دون ان ادري لأني تأملته بمشاعر التلميذة التي (تنهل) من الاستاذ، فلم يكن مجرد مصدر موضوع اعمل فيه معه، في السلسلة التي كتبتها في آخر ساعة تحت اسم »أوراق من حياة إحسان». ووقتها، قال لي أنه لم يتكلم بمثل هذا الوضوح وهذه الصراحة من قبل. فقد حكي بصراحة ودون ادعاء دون احساس بعطائه الغزير الذي يفيض علي كل من حوله. - عندما تصادق احسان مع جمال عبد الناصر، كانت صداقتهما بشروط احسان، صداقة مع احتفاظه بحق الاختلاف معه - في وقت لم يكن هناك من يجرؤ علي الاختلاف مع عبد الناصر - وهذا ما تعلمته منه ان اصادق الناس، مهما كان قدرهم، بشروطي وبندية وليس بشروطهم ومن يريد فمرحباً به أما عمن لا يحترم شروط الصداقة والاحترام، فلا مكان له في حياتي، وقد كان هذا من أهم الدروس التي تعلمتها من الاستاذ إحسان. وقد اثار انتباهي رأي احسان في الفن وذلك حين اجريت معه هو و »الفريدة» فريدة فهمي حواراً عام 1965 فعندما سألته عن فريدة، قال، إنها عندما تظهر علي المسرح اشعر أنها ابنتي أو أختي ولا أشعر بالاثارة، فقط اشعر بجمال الحركات الراقصة الفولكلورية المصرية. . وهنا ايضاً تعلمت من الاستاذ إحسان فلسفة الفن وتذوقه. جرفني الحديث حول الاستاذ احسان الانسان ولم اتطرق الي احسان الاديب والصحفي والمناضل الذي لا يتسع الحديث عنه في مقال وإنما في سلسلة من المقالات اما عن اعماله الادبية فهي تصلح مادة لرسائل الماجستير والدكتوراه سواء في الادب أو في التاريخ السياسي والثقافي لمصر. تحية الي احسان عبد القدوس. اليك اشواقي يا (استاذ).