كل عام ومصر بخير، كل عام ومصر حاميها الله ببركة الأنبياء الذين وطأت أقدامهم أرضها. وكما يحدث دائما، يمتد حبل أعيادنا في مصر في نسيج شديد القوة والندرة، فما أن مضت أيام رمضان وعيد الفطر باحتفالاتها، التي تختلف في مصر عن أي بلد آخر، حتي جاءت احتفالية شديدة الخصوصية تنفرد بها مصر فقط، دونا عن كل بلاد العالم وهو الاحتفال بذكري رحلة العائلة المقدسة إلي مصر والذي قررت وزارة السياحة إقامة رحلات سياحية تتبع مسار رحلة العائلة المقدسة وستضم هذه الرحلة وفودا سياحية من ثماني عشرة دولة. وعندئذ تذكرت كتابا لي منذ اثني عشر عاما قمت فيه بتحقيق مسار تلك الرحلة وكتبتها في إطار مبسط ليقرأها أطفال وشباب مصر ليتعرفوا علي حقبة مهمة تاريخيا ودينيا من تاريخ مصر، وقد رأيت أن أضع أمامك، عزيزي القارئ، مقتطفات من هذا الكتاب لنعيش معا أصداء تلك الاحتفالية. هذه الكنائس والأديرة التي ترصع خريطة مصر، شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، تلك الكنائس القديمة التي تعود للقرن الأول الميلادي.. كيف نشأت وما حكاية وصولها إلي أرض مصر؟ وما حكاية تلك الرحلة المعجزة؟ كيف استطاع المسيح الطفل عليه السلام وأمه مريم العذراء وحارسهما يوسف النجار القيام بهذه المغامرة في أوج الاضطهاد الروماني، حيث ما أن سمع الطاغية هيرودس بنبوءة ميلاد طفل نبي ملأ قلبه الفزع وأمر بقتل كل الأطفال الذكور حتي سن عامين، إلا أن الله أرسل ملكاً في رؤيا ليوسف النجار يأمره بالهروب بالنبي الطفل وأمه إلي أرض مصر. وفي موضع آخر من كتابي أحكي عن أسباب تعلقي وافتتاني بتلك المغامرة المقدسة منذ طفولتي في دكرنس بمحافظة الدقهلية، فقد كانت هناك شجرة بجانب مدرستي الابتدائية أطلق عليها »شجرة مريم» وهي شجرة ظليلة قصيرة تشبه شجرة الجميز ودائما ما كنت أري شرائط من القماش مربوطة في الأفرع وتتطاير مع الهواء، وحين سألت سيدة كانت تربط قطعة قماش قالت: إنها قطعة من ملابس ابنتي المريضة أربطها في شجرة مريم فتتطاير مع الفروع ويطيرمعها المرض ويترك ابنتي ثم استطردت قائلة: إن ابنتها تعالج علي يد طبيب إلا أنها تري أن البركة ستحل علي ابنتها من شجرة مريم العذراء وتشفي بسرعة. وقد حاولت في كتابي الإجابة علي الكثير من علامات الاستفهام التي علقت بذهننا نحن المصريين عن هذه الرحلة، كيف كانت؟، كم من الوقت مكثت العذراء ووليدها النبي في مصر؟ ما خط سير الرحلة وارتباطه بأقدم الكنائس في مصر. وقد مرت الرحلة بمشاق ومعجزات كثيرة ونجت العائلة المقدسة بإرادة الله وحده بعد أن عبرت الجبال وصحراء سيناء وصولا إلي مدن وقري مصر المختلفة. والحكمة من تلك الرحلة أنها لم تنقذ النبي الطفل فحسب ولكنها أنقذت الإنسانية بالدين الجديد الذي أرسله الله بالسلام والمحبة للعالمين وفي رحلتي مع تحقيق هذا الكتاب تتبعت تاريخياً ووثائقياً أول من قاموا بتدوين تلك الرحلة وقد كان أولهم البابا ثيوموليس بابا الإسكندرية في القرن الثالث الميلادي والذي يقال إن السيدة العذراء ظهرت له في رؤيا وأمرته بتوثيق الرحلة. هذا بالإضافة للمؤرخ تقي الدين المقريزي الذي حقق وأكد علي ما رواه وحققه البابا ثيوموليس. إلي جانب الحكاية التراثية المتداولة عبر التاريخ بين أهالي قري ومدن مصر وخاصة الصعيد. في النهاية، أرجو من المسئولين عن الهيئة العامة للكتاب إعادة طبع هذا الكتاب وتوزيعه مجانا علي المدارس وقصور الثقافة والمكتبات العامة لأن أبناء مصر أحق بالمعرفة حول هذه الرحلة المعجزة أكثر من غيرهم فأجدادهم عاصروها وشاركوا شرف وجود المسيح في مصر.