إن التشريع يسمح لك أن تأكل مما تملك، أو تأكل مما لا مالك له كنبات الارض غير المملوكة لأحد إلا أنك قبل ان تأكل لابد أن تنظر في الطعام لتعرف هل هو مما أحل الله أم لا؟ وتكلم الله في رزق الأقتيات، فجعله للناس جميعا عندما قال: »يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا» »من الأية 168 سورة البقرة» وتكلم الله سبحانه مخاطبا المؤمنين في شأن هذاالرزق، فقال: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ» »من الأية 172 سورة البقرة» وبعد ذلك شاء الله أن يديم علي المؤمنين به قضية التكليف فحرم عليهم الطعام والشراب والنكاح في أيام رمضان، وهي حلال في غير رمضان، وأحلها الله في ليل رمضان، وإذا كان قد أرشد أن كل حركة في الحياة هدفها بقاء الحياة واذا كان بناء الحياة يتوقف علي الطعام، وهو أمر ضروري لكل انسان، وإذا كانت الحياة تمتد وتتوالي باستبقاء النوع، فيبلغ الرجل وينضج ويصير أهلا للإخصاب، وتبلغ المرأة وتنضج وتصير أهلا للحمل، فإذا كانت كل المسائل السابقة لازمة للجميع، فلابد من تشريع ينظم كل ذلك. إن التشريع يسمح لك أن تأكل مما تملك، أو تأكل مما لا مالك له، كنبات الأرض غير المملوكة لأحد، إلا أنك قبل ان تأكل لابد ان تنظر في الطعام لتعرف هل هو مما أحل الله أم لا؟ والتشريع لا يسمح لك أن تأكل من نبات الأرض المملوك لغيرك، ويحرم عليك أن تصطاد حيوانات مملوكة لغيرك، فالتشريع يحترم الجهد الذي تحرك به مالك الأرض ليزرع النبات أو ليربي الحيوان، فلا تقل: إن ذلك النبات في الارض وأنا آكل منه، أو أن ذلك حيوان موجود أمامي وأنا اصطدته. إن الحق يضع التشريع لينظم الحركة في المال المملوك للغير بعد أن نظم الحركة في المال غير المملوك والطعام غير المملوك، فإذا سبقك إلي المال غير المملوك أو الطعام غير المملوك إنسان، أو تحرك إنسان بحركة في الوجود فاستنبط مالا صارت هناك قضية أخري لا تتعلق بذات المأكول، ولكن بملكية المأكول، فقد بين الله سبحانه: أن كل عمليات اقتياتك في الحياة عملية لا يمكن أن تستقل بها أنت، فلابد من اختلاط حركة الآخرين معك، فأنت لا تأكل إلا مما يكون في أيديهم، وهم لا يأكلون إلا مما يكون في يدك. فالفلاح مثلا يبذر البذر، ولكنه يحتاج إلي الصانع الذي يصنع له الفأس، ويصنع له المحراث، ويصنع له الساقية، والذي يصنع ذلك يحتاج الي من يعلمه، ويحضر له المواد الخام، إذن فلو سلسلت الأشياء التي توصلك إلي الطعام لوجدت حركات الكون كلها تخدم هذه المسألة، وهكذا نجد أن الأكل من المال المتداول أمر شائع بين البشر، ويريد الله أن يضبطه بنظام فقال سبحانه: »وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَي الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» وما دامت أموالي فلماذا لا آكلها؟ إن الأمر هنا للجميع، والأموال مضافة للجميع، فالمال ساعة يكون ملكا لي، فهو في الوقت نفسه يكون مالا ينتفع به الغير.