الابتعاد عن الوطن ألم يحز في النفس، يخفف منه دائما ان هناك عودة معلومة، ومدركة في الحس الواعي، ومؤكدة في عمق ومسارات السراديب الكامنة في اللاوعي،...، اما الإبعاد بالقسر أو الإرهاب والقهر، فهو عذاب مقيم، ممزوج بمرارة الحزن الساكن في عمق الوجدان المقهور، يزيد من مرارته وقسوته خفوت الأمل في الرجوع والعودة. ولكن الحنين للوطن، والشوق الدائم للعودة إلي أحضانه، تظل تراود كل مغترب في يقظته وحلمه، مهما طال الزمن، ومهما استطال أمد الفراق، ويظل الأمل يداعب النفس في نهاية قريبة للاغتراب، وعودة مرجوة ومتمناه لأحضان الديار. هذا هو الألم الذي تحسه وأنت تطالع الكلمات والجمل الصادقة التي يضمها كتاب الصديق والزميل »مازن محمود الشوا« الذي صدر منذ ايام بعنوان »سنرجع يوما« وفيه يتحدث عن وطنه السليب فلسطين، ويترك لمشاعره العنان كي تتفق معبرة عما يعتمل في نفسه من شوق وحنين لوطنه. يقول الشوا في بداية كتابه: »بالرغم من مرور ثلاثة وستين عاما علي نكبة فلسطين، ورحيلنا المؤلم عن مدينتنا الحبيبة بئر السبع وإقامتي في غزة اثنين وعشرين عاما، ثم إقامتي في مصر العزيزة لأكثر من اربعين عاما.. إلا أنني مازلت أحن الي مدينتي ببيوتها، وشوارعها، وأهلها،...، أحن إلي بيتنا وحديقته الجميلة، بورودها، وزهورها، وعبيرها«. ويضيف: »مازلت أحن إلي مدينة الخليل التي دخلنا إليها طلبا للنجاة من عنف وإرهاب العصابات الصهيونية، وقت النكبة،...، أحن إلي الحرم الابراهيمي الشريف، والمدرسة الابتدائية التي اقمنا فيها، والعائلات بالخليل وأهلها كلهم، الذين أكرمونا وخففوا عنا الألم والمعاناة،... ولازلت أحن إلي مدينة غزة، بشوارعها، وجامعها العمري الكبير، ومدارسها، ورمالها، وكل مافيها،...، وحنيني مازال كبيرا ودائما الي مدينة القدس الشريف، ومسجدها الاقصي المبارك، ومسجد قبة الصخرة المشرفة«. وهكذا نجد الكتاب معزوفة حنين الي الوطن يعزفها من اضطرته جريمة العصر للاغتراب عنه تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الغاشم،...، ولكنه رغم كل الألم والمعاناة لم يفقد الأمل في العودة، ويؤكد في كل صفحة من كتابه علي معني واحد »سنرجع يوما«.