أثناء وجودي باليونسكو وقبل أن ألقي بكلمتي في مؤتمر عن "الرييع العربي والثورات العربية "وصلتني رسالة من مكتبي بالقاهرة تفيدني بخبر غمرني بالسعادة والفخر عن الوثيقة التاريخية للأزهر الشريف لتدعيم الدولة المدنية وتأكيد إمام الأستنارة الشيخ الدكتور أحمد الطيب علي أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية. وحينما أعلنت عن تلك الوثيقة أمام الحاضرين في مؤتمر اليونسكو عم الارتياح بين الحاضرين وعند خروجي من القاعة كان الخبر قد وصل إلي رئيسة اليونسكو ورئيس السنغال السابق عبده ضيوف ورئيس مجموعة الدول الفرنكوفونية ووزير خارجية بلغاريا والدكتور بطرس غالي رئيس لجنة حقوق الانسان الذي ناضل أعواما طويلة للربط بين حقوق الأنسان والدولة المدنية وللوفود عالية المستوي العلمي والثقافي .. وكان وقع الخبر علي الجميع ايجابيا.. بقي أن يعلم الجميع أن وثيقة الأزهر التاريخية كانت ثمرة تعاون بين قيادات الأزهر المستنيره وخبراء الفقه والتشريع الاسلامي بجانب كوكبة من مثقفي مصر .وكان علي رأسهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والعالم الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق عميد كلية أصول الدين السابق ورئيس المجلس الأعلي للشئون الاسلامية سابقا ، والدكتور كمال أبو المجد الذي جمع بين العلم والايمان والدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية اصول الدين بجامعة الأزهر سابقا والدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر الذي جمع في علمه بين جامعة الأزهر وجامعة السوربون .. أما كوكبة المثقفين فكان علي رأسهم الأخوه والأصدقاء الدكتور جابر عصفور والسيد ياسين الذين كلما زادوا سنا زادوا علما" وعمقا وفكرا وبجانبهم الكاتب المتفرد جمال الغيطاني والدكتور مصطفي الفقي الذي أثري تاريخ العلاقات الأسلامية والقبطية بكتاباته.وكذلك الدكتورة ليلي تكلا والكاتب الذي أثري المكتبة العربية عمرو عبد السميع والأخ العزيز سمير مرقص الذي بذل جهدا علي أرض الواقع أثناء الأحداث الأخيرة ليجعل من سماحة الأديان سدا أمام التطرف والعنف ، والزميلة نعم الباز التي ساهمت بكتاباتها في تحليل مجتمعنا . حوار الثقافات وحوار الأديان ومما أسعدني بصفة شخصية هو أن أري في وثيقة الأزهر التاريخية تأكيدا علي أهمية الربط بين الحوار الثقافي والحوار الديني بحكم اختيار الشخصيات الدينية واساتذة الثقافة والقانون والمجتمع جنبا إلي جنب.. فسر سعادتي أن المؤسسة التي أرأسها في باريس كان أسمها المؤسسة الدولية لحوار الأديان وتعليم السلام ، ومنذ عامين عقدت الجمعية العمومية لكي أغير النظام الأساسي وأصبح أسم ومضمون جمعيتنا هو "المؤسسة الدولية لحوار الثقافات وحوار الأديان وتعليم السلام " لكي نربط عضويا الأديان بالثقافات.. وحينما يربط الأزهر الشريف في وثيقة بين الاعتبارات الدينية والأعتبارات الثقافية فهو أختيار واضح للانحياز للمسلك الحضاري وللمصالح الوطنية العليا.. ليس سرا علي أحد أن القوي الوطنية الحقيقية تريد أن يكون "مالقيصر لقيصر ومالله لله "... وأن يكون "الدين لله والوطن للجميع.." أن الدولة الدينية تحمل خطر عصر الاظلام وإثارة القلق بين إخواننا أقباط مصر.. وأقولها بكل صراحة إن المجلس العسكري عليه واجب مقدس تجاه هذا الوطن وهو أن يضع في صلب الدستور القادم أن القوات المسلحة هي "جهة الضمان الدستوري الشرعية" لحماية مبدأ "الدولة المدنية" من أي انقضاض عليها.. من حق أمتنا أن تفرح بأن شرعية دور القوات المسلحة لحماية الدولة المدنية ستلتقي مع شرعية الأزهر الشريف بما أقره في وثيقته التاريخية لتبني مبدأ الدولة المدنية.. تحدد الوثيقة قواعد الحوار فتقرر بوضوح أهمية "الاحترام التام لآداب الأختلاف وأخلاقيات الحوار وضرورة أجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين وأستخدامه لبعث الفرقة والعداء بين المواطنين".. حينما نقرأ هذه الفقرة نجد أنفسنا نتذكر قول رسول الله صلي الله عليه وسلم "اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون". تأييد الوثيقة لمشروع أستقلال الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء التي كانت قائمة قبل مجمع البحوث وأختصاصها بترشيح وأختيار شيخ الأزهر.. هل لنا ونحن نقرأ هذه الفقرة أن نتأمل الأمام الأكبر الشيخ الطيب وهو يوقع علي هذه الفقرة "بيد لا ترتعش" وهو يتنازل عن التعيين الذي تم بخصوصه وأنه لا يخشي قواعد الترشيح والأختيار والأنتخاب القادم.. بارك الله في عالمنا الجليل وامامنا الأكبر الذي انحاز بصدق للديمقراطية فشرف الأزهر وشرف مصر كلها. العرابي ... رجل صحيح ... في مكان صحيح اختيار العرابي وزيرا للخارجية يستحق من العقلاء توجيه شكر خاص للمجلس العسكري ولرئيسه المشير محمد حسين طنطاوي لحسن الأختيار نحن في احتياج في هذه المرحلة بالذات لرجل مثله ليكون بمثابة "رجل صحيح في مكان صحيح" لاسيما حينما نعرف الأسلوب العسكري في الاختيار الموضوعي لمثل هذا النوع من القيادات في المواقع الحساسة للتعامل مع العالم الخارجي.. من حسن حظنا أن الاختيار الكبير الذي مر به هذا الرجل كان اساسا في المانيا التي يعتمد تقييم الآداء فيها علي المنهج"البرجماتيكي" أي العملي للأمور.. وإنني علي ثقة أيضا ان مؤسسة الأمن القومي ستكون راضية للتعاون مع العرابي في الدوسية الشائك الأسرائيلي المصري والفلسطيني الفلسطيني، لأن معرفتي بهذا الرجل جعلتني أشعر بأنه متمكن من مدرسة الأمن القومي National Security كما تفهمها وتعلمها الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو مزيج من علم الدبلوماسية وحس الأمن القومي.. تمنياتي له بالتوفيق والنجاح لاسيما في التغييرات التي سيقوم بها ليخرج بيت الخارجية من أطاره التقليدي إلي آفاق جديدة.