كل المؤشرات تؤكد انه بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتزامه نقل السفارة الأمريكية إليها لم يعد في استطاعة الولاياتالمتحدة أن تقدم نفسها كوسيط عادل في عملية السلام بعد انحيازها الشديد لاسرائيل بالشكل الذي اصبحت فيه طرفا في الازمة. هذا الموقف ظهر واضحا في اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بان الولاياتالمتحدة لن يكون لها دور في العملية السياسية بعد الآن لأنها منحازة كل الانحياز لإسرائيل وأكد عليه مستشاره نبيل شعث بقوله إن الفلسطينيين لن يقبلوا أي دور أمريكي بهذا الشأن بعد الآن.. وأيضا كبير المفاوضين صائب عريقات عندما قال إن الولاياتالمتحدة قد ألغت دورها في عمليةِ السلام باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ورغم ان البعض اعتبرها مجرد ردود افعال قد تتبدد بتقادم القرار الا ان حالة الغضب العربي غير المسبوقة وبيانات الشجب والاستنكار والاستياء التي صدرت من عواصم عربية وعالمية في ردها علي قرارِ الرئيس الأمريكي تؤكد ان الدور الامريكي اصبح محل شكوك وفقد مصداقيته لان القرار نسف مفاوضات حل الدولتين وكل عمليات السلام التي كانت تديرها أمريكا منذ اتفاقية أوسلو عام 1993. وأكد أنه لن يكون بإمكان أمريكا أن تطلق مساراً آخر للسلام. شواهد كثيرة التراجع الامريكي عن دور الوسيط كانت له شواهد كثيرة بدأت بتوقف مسار المفاوضات منذ فترة طويلة تزيد علي سبع سنوات مع تغاضي الإدارة الامريكية السابقة والحالية عن التوسع المطرد في عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية وإصرار الجانب الإسرائيلي بموافقة امريكية علي وضع شروط مجحفة لاستئناف المفاوضات علي رأسها اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة.. كما ظهر في الإصرار الأمريكي مؤخرا ضد تعيين سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق كمبعوث للأمين العام لليبيا خلفا لمارتن كوبلر والضغط علي الأمين العام للأمم المتحدة لإسقاط التقرير الصادر عن منظمة الإسكوا الذي وصف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بأنه يشبه حالة الأبارتايد في جنوب أفريقيا، والتصدي للقرارات الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان حول فلسطين والذي تاكد ايضا في الشهر الماضي بإغلاق مقرات منظمة التحرير الفلسطينية بالعاصمة الأمريكيةواشنطن للضغط علي السلطة الفلسطينية للقبول بالشروط الأمريكية لعلمية السلام. وموافقة مجلس النواب بالإجماع لتبني قانون يوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ما لم تتوقف عن دفع رواتب شهرية لاسر فلسطينيين يقومون بعمليات عسكرية ضد إسرائيل. الموقف الاخير طرح تساؤلات كثيرة حول من يمكنه أن يلعب دور الوسيط؟ والدور الذي يمكن أن يقوم به وتاثيره علي طرفي الصراع للوصول إلي تسوية.. والاهم هل يمكن أن تترك الولاياتالمتحدة هذا الدور؟ من البدائل المطروحة للنقاش ان تعود القضية للأمم المتحدة لتكون الراعي الأول للقضية الفلسطينية، وفي إطارها يتم بحث كل عمليات السلام وكيفية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي علي أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية.. معروف ان موقف الأممالمتحدة من القدس واضح وتم التعبير عنه مرارا من قبل وهو ان القدس جزء من مفاوضات الوضع النهائي وقد اظهرت الأممالمتحدة الاسبوع الماضي استعدادها للقيام بدور الوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل، بعد اعلان الرفض الفلسطيني القبول باستمرار واشنطن في لعب هذا الدور حيث اعلن فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية لديها الإرادة لكي تقوم بدور الوسيط الساعي إلي إشراك الأطراف المعنية في العملية السياسية. ورغم نفي وجود أي مبادرات جديدة من قبل الأمين العام أنطونيو جوتيريش لإحياء المفاوضات بين الطرفين الا انه ليس واضحا كيف يمكن ان تقوم المنظمة بدور الوسيط في الوقت الذي تتجاهل اسرائيل كل القرارات التي اصدرتها فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي. حضور قوي البديل الثاني هو أن تلعب روسيا دورا اكبر في هذا الاتجاه.. فرغم ان روسيا لديها حضور قوي حاليا في الشرق الأوسط وفرضت وجودها بقوة دبلوماسياً وعسكرياً في المنطقة من خلال تدخلها في الازمة السورية، هذا الدور دفع بالبعض لأن يري دوراً روسياً محتملاً قد يتصاعد في الفترة المقبلة في عملية السلام الا ان اسرائيل قد لا تستجيب لهذا التدخل وبالتالي لن تقبل إسرائيل بأي دور لروسيا كوسيط رئيسي بين الطرفين وإن قبلت فسيكون دوراً مساعداً وبموافقة الولاياتالمتحدة. ويري الجانب الفلسطيني ايضا في الاتحاد الاوروبي وسيطا محتملا قد يلجأ إليه لدعمه، ولكن هل يمكن ان تستجيب اسرائيل لواسطة الاتحاد؟ الحقيقة ان ما ينطبق علي روسيا او الصين ينطبق علي الاتحاد الأوروبي حيث تعتبره اسرائيل جهة مؤيدة لحقوق الفلسطينيين وله مواقف مضادة للمواقف الإسرائيلية، مثل معارضة عملية الاستيطان ورفض دور إسرائيل في القدسالشرقية. وبالتالي لن تقبل إسرائيل بقبول وسطاء آخرين في عملية السلام يمكن ان يقلل من المكاسب التي حصلت عليها بديلا للولايات المتحدة التي تحافظ علي مكاسبها ولهذا فان إسرائيل لن تستبدل واشنطن بأي وسيط اخر. ولهذا لا يستبعد المحللون ان تعود الامور إلي ما كانت عليه وعندما تهدأ الأمور وتعود أمريكا وسيطاً من جديد. حيث يزور مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي مصر وإسرائيل الأسبوع المقبل.. وهي زيارة تثير تساؤلات حول ما يمكن ان يطرحه علي الأطراف العربية التي سيلتقي معها خاصة أنه من المستبعد أن يقدم الرئيس الأمريكي علي التراجع عن قراره الأخير وتروج إدارة ترامب حاليا لخطة سلام سيتم نشرها أوائل العام المقبل تؤكد علي أن تجاوز جعل القدس عاصمة لإسرائيل سيساعد في كسر الجمود في عملية السلام المتوقفة منذ 2014. وهو ما يؤكد ان الفترة القادمة ستشهد دوراً أكبر لأمريكا في المفاوضات التي ستقدم خريطة طريق للحل النهائي، رغم رفض الجانب الفلسطيني لهذه الرؤية!!