[email protected] يبدو أننا مقبلون علي مرحلة صعبة للغاية، وليس ذلك من قبيل التشاؤم، إنما هو الواقع القادم بكل تفاصيله، وها هي مقدماته، حيث لا أحد يستطيع أن ينكر تعثر الآراء حول خارطة الطريق أو معالم الطريق إلي الديمقراطية، ومن المؤكد ان عثرة الرأي ترد، أي تقتل مشروع مصر الكبير للنهضة والتقدم بعد نجاح ثورة يناير في الإطاحة برموز النظام ووضعهم في السجون »احتياطيا« حتي الآن، وقد ارتبت كثيرا فيما أراه يجري بين أيدينا ومن خلفنا، ولا أكاد أصدق أن رفاق »الميدان« يولون الأدبار ويقاطعون يوما للغضب يستحق أن يشهدوه لأهميته القصوي في إذاعة نبأ الثائرين بأنهم لايزالون هنا، وأن القوي الأخري التي ساندت الثورة بحق وبصدق لاتزال هي الأخري علي عهدها بإعادة القراءة للأمور والتروي والتمحيص واستعادة قوة تدفق الثورة في مسارها المنطقي المنشود، كأنما أصابني هلع قديم كنت أصده عن نفسي يوم أري علي سبيل الأمثال صفقات تعقد بين النظام الساقط وبين معارضين، صنعوا علي عين هذا النظام وكثيرا ما لاقي منهم تأييدا لم يكن ليحصل عليه من داخل حزبه المنحل، بنفس الحرارة والارتماء، ولم أك أتصور أن تستدير القوي التي أعلنت يوما ذوبانها في الشعب وانحيازها لحريته، وأنها لا تسعي إلا لتأكيد هذه الحرية وتنظيفها من أي وسخ يصيبها، ولا يمكن أبدا أن تظل فزاعة رواعة تقلم الأظافر علي خلاف في الرأي أو تأديب من ليس علي دينها أو ديدنها هذه المخاوف كم مرت علي الخاطر فأصبحت ألما في النفس يعاود حتي اللحظة الحالية، ويقض مضجع الأحرار مهما كانت التطمينات، ومهما كانت المصادر التي تأتينا منها. ومن المحزن حقا ان تبدأ هذه الشروخ مبكرة والثورة لا تزال في مهدها، ولا أبالغ ان قلت انها في مهب الريح والعواصف والأنواء، وأنه من المنتظر علي قارعة الطريق ثورة مضادة أخري سوف تخرج علينا من كل خطايا النظام الساقط، فهي تلبد وراء ستار وتتخفي قدر المستطاع حتي تفاجئنا في أول اختبار حقيقي لصمود الثورة وصلابتها واستمرار زخمها، ولا أنكر أنني أتوجسه وأخافه بل أكاد أجزم انه قريب جدا كما أراد المجلس العسكري أن يكون في سبتمبر المقبل، أي علي بعد خطوات من عثرات كثيرة في الحوار وفي الاقتصاد وأهم من ذلك في الأمن الذي طال غيابه وأصبح بعيد المنال إذا استمرت الأمور علي هذا الحال. والمسألة في اعتقادي لا تكون هكذا، ولا ينبغي أن نتهجي حروفها وهي عربية كما يفعل التلاميذ الفشلة من اليسار إلي اليمين أو نترك بعض الحروف لعدم الدراية بها، فالعبرة بالوصول بسفينة الوطن إلي بر الأمان الذي يجب أن يكون هو بداية صحوتنا ونهضتنا وتقدمنا، لا هي مسألة الدستور أولا أو العملية الانتخابية برلمانية أو رئاسية، فالأول في يقيني يجب أن يكون أمان الوطن وسلامة أراضيه، ووحدة شعبه في وقت عصيب، لا يصح أن نبدأ فيه بالصراعات السياسية التي أحيانا تغلب مصالح فئة بعينها أو حزب أو جماعة علي مصلحة الوطن العليا، وقد اتضح انه في الأفق غيوم كثيرة وعلي الأرض خلافات واسعة وأمراض مزمنة مستشرية تحتاج إلي وقت طويل لتشخيصها وعلاجها علي أساس سليم. ولا أشك أن دعوة أولي الألباب إلي أمر كهذا، فيه تقدم مصالح الوطن التي بدونها لا يكون وطنا علي كل حزب أو جماعة، أيا كانت وكيف كان موقعها من قلب الثورة ودورها، ولا أجد مبررا واحدا أن تتفضل فئة أو جماعة علي غيرها بأنها كانت مفجرة الثورة أو صاحبة باع كبير فيها أو أنها حمت الميدان من هجمات الخيل والبعير وأصحاب الفيل، هذا كثير جدا علي مصر أن يختطفها أحد باسم الدين أو غير الدين أو أن يعيرها أحد بما قدم لها من تضحية، هي قليلة مهما عظمت ويأتينا اليوم ليكيد كيد السياسة ويمكر مكر الخوارج ويبدأ حربا مبكرة، من المؤكد أنها ستجهض كل ما فعلناه وما أراده الشعب المصري بأسره، صاحب الثورة الأصيل. ليس من العيب أو من غياب الهيب أن يعيد المجلس الأعلي النظر في موعده الذي وعد بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، فإن الشعب يثق به وثوق الأحرار الذين أشاحوا تماما ان يصيب رصاصهم قلب مصري خرج ليطلب الحرية مسالما من أول لحظة، ليس هناك من يشك في أن الوطن بحاجة إلي قواته المسلحة علي حدوده لتحميه وتحافظ علي استقلاله، ولا أحد ينكر أن سيناء عارية وأن المجتمع الدولي الذي رعي الديكتاتورية السالفة في مصر وأيدها بكل قوة وأمدها بالسلاح والعتاد لتقمع الشعب وتسكته، كان وراء ان تظل سيناء رهينة الخوف والفزع وأن تظل مكانا بلا ملامح يمكن ان يصيب مصر منه المكروه الذي لا نريده، نعم نحن نرغب في أن يتفرغ جيشنا لمهمته الرئيسة التي هي أساس كل شيء، ولكن القدر وضع هذا الجيش برجاله في مهمة أصعب بكثير من مهمة حراسة الحدود، وذلك بشكل مؤقت، فالجبهة الداخلية مزقها النظام الساقط قبل أن يرحل، وتركها مهلهلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني، ينخر السوس في بنيان كثير من مؤسساتها ويتغلغل فيها فساد بغيض، ولهذا فإننا بدون شك نحتاج إلي وقت أطول لإعادة بناء هذه المؤسسات التي بدون بنائها بناء سليما لن تستقر لنا ديمقراطية ولن يهدأ لهذا الشعب بال.