[email protected] هي لحظة فارقة التي يمر بها الوطن، تحمل كل المتناقضات بين طموحات ارتفع سقفها لتطال عنان السماء حملتها أجنحة 25 يناير بعد عقود طالت كادت أن تزهق الروح المصرية. وبين سعي محموم لاسترداد مصالح تجذرت وتوحشت سقطت أو كادت مع نظام لم يصمد يترنح أمام ثورة شعب عادت إليه روحه ويسعي لاسترداد وعيه، وبين قوي رجعية متربصة تتمترس وراء مزاعم لها شكل التدين لتدغدغ بها مشاعر البسطاء تتحين لحظة الوثوب علي السلطة ومقدرات الوطن. هي لحظة تقدمت فيها قواتنا المسلحة الصفوف لتحمي ثورة شعب هي منه وهو منها، حرص فيها المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي تأكيد سلمية الثورة وشرعيتها، وعلي تأكيد انتقالية المرحلة ومرحلية دوره وأنه يرتب أوراق تسليم الحكم لسلطة مدنية حقيقية لا ترتد إلي أنساق الديكتاتورية بتعدداتها التي شهدها الوطن ثلاثاً، مدنية تتحدد عبر ضوابط دستورية واضحة ومحددة يضمنها الجيش ويحرسها.. وحتي لا يتحول الحلم إلي كابوس علينا ان نتوقف مع انفسنا نعيد قراءة واقعنا لنحدد أين نقف وإلي أين نتجه، حتي لا يتوه منا الطريق، وأنا هنا أطرح تساؤلات لا أملك لها إجابات قاطعة، عبر رصد الواقع منها سؤال عن طبيعة العلاقة بين المجلس الأعلي الحاكم وبين النخب المثقفة وعلي رأسها النخب الإعلامية والقضائية والتي تشهد في ثنايا الأحداث بعضا من التشوش، وقد يضبطها دعم ثقافة الحوار بغير اسقاط أو تربص وتحفز وشخصنة، فالحوار لغة ونسقاً وخياراً هو مدخلنا لتواصل يأخذنا إلي غد أفضل. ومنها سؤال عن ترتيبات المستقبل القريب، ومدي موضوعية التمسك بمنتوج الاستفتاء الأخير فمن حيث الشكل قد يجد فريق التمسك سنداً قوياً ولكننا في فترة تتغير معالمها كل يوم وربما كل ساعة تتكشف فيها ابعاد جديدة للواقع وصراعات القوي فيه، ولما كان الهدف هو صيانة خيار الدولة المدنية وتجنب الصراعات غير الآمنة والعبور بسلام الي ما بعد الفترة الانتقالية، فالأمر يتطلب إعادة قراءة للترتيبات تلك، فالاستفتاء تم في لحظة بعينها كان الغليان فيها قائماً والارتباك وقل الضبابية أيضاً، وربما لهذا وفي ضوء كل الملابسات المستجدة وما أفرزه الواقع اصبح من الضروري أن نتفق علي ان يأتي وضع الدستور الجديد أولاً، ومن خلاله يأتي البرلمان والرئيس تباعاً، وينقلنا هذا إلي آلية الحوار الوطني بمعناه الواسع وقد اجتزنا تجربتين توفرت لهما كل ضمانات دعم نجاحها ومع ذلك انتهيتا إلي غير نتيجة ايجابية وشهدتا "خناقات" وصدامات وربما فوضي كادت ان تصل إلي ما هو أسوأ، فهل مازلنا مصممين علي هذه الأنساق الحوارية العتيقة التقليدية والبيروقراطية؟، لماذا لا نختبر دعوة المجتمع المدني لتدشين جملة حوارات داخل مراكزه وجمعياته ومؤسساته تُصعَّد الي حوارات جغرافية ومناطقية ثم ينبثق عنها مؤتمرات علي مستوي المحافظات تفضي إلي مؤتمر قومي عام ينطلق من محاور محددة واهداف بعينها. ولعل السؤال المؤرق يدور حول التعاطي مع حوادث الإخلال بالأمن العام ومعايير اعتبار بعضها حوادث تحال الي الحلول العرفية علي فداحتها وبعضها جرائم تحال الي المحاكم المدنية وبعضها الي المحاكم العسكرية، بينما لا يلتفت الي بعض رابع أو خامس، السؤال بل الأسئلة هل من قواعد محددة تنتج هذه المفارقات والاختلافات؟، هل ثمة علاقة بينها وبين حالة الفوضي من جانب والتذمر والحنق في جوانب أخري؟. وعلي الرغم من اتفاقنا علي حاجتنا إلي تبني نسق الحوار والمكاشفة والمصارحة والتواصل مع نبض الشارع والتي تترجم في صور كثيرة لعل ابرزها جلسات الاستماع التي يجب ان يدعي اليها الأطياف ذات الصلة بالشأن المطروح قبل اصدار مراسيم القوانين التي تشكل ملامح المرحلة المقبلة وتلقي بظلالها علي مستقبلنا المنظور والبعيد، فالملاحظ أن هذه المراسيم تصدر مباغتة وبغير استطلاع آراء المخاطبين بها، ومنها علي سبيل المثال قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وما اثير حولهما من جدل بين القبول والرفض.. تبقي الإشارة إلي أن الديمقراطية ليست كتلة مصمتة تطلب لذاتها وتطبق كما لو كانت نظرية علمية بل هي خيار افضل السبل لتحقق مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب، استرشاداً بتجارب سابقة نتجنب منها ما انتج سيطرة تيار فاشي امتطي الديمقراطية ليقفز الي السلطة ويجر العالم بأسره الي الدمار (المانيا والحزب النازي نموذجاً).