كم أتمني أن يعطي قطاع الأعمال السياحي مزيداً من الاهتمام للمصلحة الوطنية الاقتصادية. لا أحد يعترض علي حق المستثمر في كل أنشطة هذا القطاع من تحقيق الربح المناسب دون الإخلال بالمقومات الأساسية لصناعة الأمل بالنسبة لمصر. يأتي ذلك إيماناً بحجم المعاناة والخسائر التي تحملوها نتيجة الأحداث الخارجة عن إرادتهم وهو الأمر الذي يشغل بالهم لتعويض جانب مما خسروه لضمان استمرار نشاطهم. هذا الأمر لا يجب بأي حال أن يدفعهم لبيع مصر »بتراب الفلوس». عليهم أن يعلموا أن التعافي من آثار هذا السلوك غير الاقتصادي يحتاج بعد ذلك إلي جهود هائلة ووقت طويل. مواجهة مثل هذه التداعيات تحتاج إلي تدخل الدولة بالتعاون والتنسيق مع غرفتي السياحة والفنادق واتحاد الغرف السياحية لإصلاح المنظومة السياحية. في نفس الوقت فإنه مطلوب من الدولة تقديم كل ما يمكن من مساعدات وتسهيلات لإقناع هؤلاء المستثمرين بالتأني والصبر قبل إقدامهم علي التدني بأسعار برامج زيارة مصر. ليس خافياً أن الدخلاء علي صناعة السياحة من فئة »اخطف واجري» الذين دخلوا هذا المجال في وقت الرواج هم الذين يمارسون هذه السياسات المدمرة للنشاط السياحي بأكمله والإضرار بالاقتصاد القومي.
لا جدال أن هذه المعاملات غير المهنية تحط من قيمة مصر سياحيا ويترتب عليها هروب سياح الإنفاق العالي نتيجة تدني الخدمات التي أصبحت تقدم لتليق بانحطاط مستوي المشاركين في برامج هذه السياحة الغاية في الرخص. هذا الاتجاه تصاعد بشكل لافت للنظر وهو ما كان سبباً في تراجع السياحة الثقافية التي لا يوجد لمصر منافس في قيمة وتوافر مقوماتها لدينا. معظم الشركات السياحية تعمل علي التسويق والترويج للسياحة الشاطئية وهو شيء مرحب به ولكن عليهم إدراك ان ما ينفقه سائح الرحلات الثقافية يساوي علي الأقل سبعة أو عشرة أضعاف ما ينفقه سائح البرامج الرخيصة. لا يشفع لهذه البرامج السياحية الاعتقاد بأن كثرة السياح المشاركين يمكن أن يعوض تدني القيمة التي يدفعونها. ان استهلاك هذه الفئة للمنشآت الفندقية يفوق كثيرا ما يتم دفعه. إن علي قطاع الأعمال السياحي أن يؤمن بأن تسيير الأعمال لا يتحقق بكثرة أعداد السياح وإنما بقدر القيمة التي يتم تحصيلها لصالحه وصالح الاقتصاد القومي. الحقيقة أن ما يجري حاليا يجعلنا نتحسر علي أيام نشاط شركات السياحة المحترمة التي كانت متخصصة في السياحة »الايليت». إن تكلفة السائح الواحد في هذا البرنامج كانت لا تقل عن أربعة أو خمسة آلاف دولار وفقاً لسعر الدولار أيام زمان بالجنيه المصري.
عملية إصلاح المسار السياحي يحتاج من وزارة السياحة تشديد إجراءات السماح بتأسيس شركات سياحية أو فندقية لغير المهنيين والمتخصصين. من ناحية أخري فإن علي قطاع الأعمال السياحي التحرك لتنقية صفوفه وعزل الخارجين عن القواعد المهنية الذين لا يحافظون علي قيم وكرامة ومصالح صناعة السياحة المصرية. في هذا الشأن عليهم استبعاد شركات السياحة التي تعمل لحساب الشركات الأجنبية »بالرأس» بقيمة محددة علي كل سائح يتم تقديم الخدمات له. كما أنه يدخل ضمن مسئوليتهم المشتركة مع وزارة السياحة التصدي لأصحاب شركات السياحة الذين يعملون علي تدمير السوق لضرب الأسعار لحساب شركات السياحة الأجنبية. إذن وعلي هذا الأساس فإنه يصبح واضحاً أن حل أزمة السياحة يعتمد بشكل أساسي علي التفاهم والتوافق والتنسيق بين وزارة السياحة وقطاع الأعمال السياحي وهو ما يجب العمل علي تعظيمه.