إذا أردنا تقييم معركة اليونسكو تقييماً موضوعياً فيجب أن ننظر إليها من عدة زوايا : أولاً : الزاوية العربية للعرب سبعة أصوات في هذه المعركة، أربعة منها رشحت نفسها، وهي مصر وقطرولبنانوالعراق. وهذا يدل علي ماوصلت إليه الدول العربية من التفكك. وقد انسحبت العراق من المنافسة، ثم انسحبت لبنان بعد أن تأكدت أن أصواتها لن تتجاوز أربعة، وبقيت مصر وقطر. والمهم أن مصر لم تحصل إلا علي معظم الأصوات العربية، بل ذهبت هذه الأصوات لقطروفرنسا. وهذا يبين لنا أن العرب يقولون لمصر كلاماً معسولاً، لكن أغلبهم وقت الجد يلعبون ضدها. ثانياً : الزاوية الإفريقية لإفريقيا سبعة عشر صوتاً، وقد أعلنت إفريقيا أن المرشحة المصرية هي مرشحة إفريقيا، لكنها عند التصويت لم تبر بوعدها، بدليل أن كل ماحصلت عليه مصر في الجولة الأولي 11 صوتاً، بما فيهم صوتها. وهناك احتمالان لتفسير ذلك : أن الدول تراجعت عن وعودها حيث إن التصويت يتم سراً، أو أن المندوبين حصلوا علي رشاوي وصوتوا بشكل مخالف لتعليمات بلادهم. ثالثاً : الزاوية القطرية كانت قطر تحلم بأن تكرر مافعلته في كأس العالم في اليونسكو، وكتبت وسائل الإعلام الفرنسية عن المال السياسي الذي قدمته قطر. ورغم أي شيئ فإن وجود قطر كان سبباً في تفتيت الأصوات. ولكي تحقق قطر هدفها اختارت رجلاً تعلم في مصر، ومتزوجا من مصرية ليكون الهجوم المصري عليه صعباً، ولم تتردد في التعاون مع إسرائيل لصالح مرشحها، والمعروف أن تميم زار إسرائيل مؤخراً، ولا شك أن مساندة المرشح القطري كانت من أهم أهداف هذه الزيارة. بعد هذا استخدمت قطر مصدر القوة المتاحة لديها لمساندة مرشحها وهو الرشاوي السياسية. لكن الجدير بالذكر أن الصهيونية العالمية لعبت ضد قطر في النهاية من أجل المرشحة اليهودية. رابعاً : الزاوية الصهيوأمريكية منذ سنوات رشحت مصر فاروق حسني لهذا المنصب، وبعد أن خاض التجربة قال إن الخصم الذي واجهه لم يكن المرشحة البلغارية بوكوفا، بل كان أمريكا وإسرائيل، فقد تآمرا معاً كي لايصل عربي لرئاسة هذه المنظمة الدولية، وذكر أنهما لايمكن أن يسمحا لمصري برئاستها حتي لايقف في وجه ممارسات إسرائيل في القدس ونهب التراث الفلسطيني. والمعروف أن حسني مبارك تحدث لنتنياهو بخصوص عدم الوقوف في وجه فاروق حسني ووعده بذلك، لكنه قال له إنه لا يستطيع السيطرة علي الصهيونية العالمية. وقد أكدت هذه الجولة للمرة الثانية أن الصهيونية العالمية تلعب الدور الأساسي في المعركة. أما انسحاب أمريكا فقد كان الهدف منه ضرب المرشحين العربيين لصالح المرشحة اليهودية، إذ أعلنت بوضوح أنها انسحبت احتجاجاً علي زيادة النفوذ العربي في اليونسكو. باختصار : وقفت الصهيونية العالمية وأمريكا في طريق مصر للمرة الثانية. خامساً : زاوية فرنسا تقدمت فرنسا للترشيح في آخر لحظة، وربما دُفعت لذلك دفعاً، لتكون خصماً قوياً أمام مصر، وتسحب منها أصوات الدول الفرانكفونية. ولاشك أن مرشحتها اليهودية حظيت بدعم الصهيونية العالمية. ولولا التفكك العربي ما فازت فرنسا. سادساً : زاوية مصر كان هدف مصر هو الفوز بمنصب المدير العام لليونسكو، وتحركت جيداً لتحقيق هدفها، بدليل أن عدد أصواتها كان أكبر من أصوات دولة عظمي مثل الصين ودخلت في تصفية مع فرنسا. وشارك الجميع في الحملة، ابتداءً من رئيس الدولة، وسعت في المحافل الدولية لجمع التأييد لمرشحتها. واعتمدت مصر في تحركها علي أنها صاحبة التاريخ العظيم، ومالكة ثلثي آثار الدنيا، والقوة الإقليمية المهمة في ظل اضطراب دول المنطقة، لكنها وقعت ضحية التفكك والنفاق العربيين، وخيانة بعض الدول الإفريقية، وألعاب الصهيونية العالمية وأمريكا ضدها، لكن رغم كل ماحدث فيجب ألا تستسلم مصر، وأن تعيد الكرة، وألا تترك الساحة خالية أمام الصهيونية وأمريكا.