عاد الخلاف ليتجدد حول خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة الانتقالية، بعد ان هدأ هذا الخلاف في اعقاب الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، والتي أعلن كل الفرقاء وقتها قبولهم بنتائجها. هناك من يريدون اعادة ترتيب أولويات هذه الخارطة بالدستور اولا ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولا يهم في هذه الحالة ايهما يسبق الاخر.. ذلك لان اجراء انتخابات برلمانية قبل الدستور سيجعل التنافس الانتخابي يجري بدون قواعد او اسس حاكمة وهؤلاء يخشون ايضا في ظل قصر الفترة المتبقية علي الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر سبتمبر ان تتمخض هذه الانتخابات عن سيطرة الاخوان علي البرلمان، مما سيجعلهم يتحكمون في صياغة الدستور الجديد القادم للبلاد في غيبة بقية القوي والتيارات السياسية الاخري من ليبراليين وقوميين ويساريين.. ولذلك يطالب هؤلاء باطالة بقاء المجلس الاعلي للقوات المسلحة في ادارة شئون البلاد ما بين سنتين وثلاث.. ونفر قليل فقط هو الذي ما زال متمسكا بالمجلس الرئاسي.. وفي غضون ذلك يتم انتخاب او اختيار جمعية تأسيسية تتولي اعداد الدستور الجديد.. وعلي الجانب الآخر المقابل هناك من يتمسكون بالترتيب الذي اخذ به المجلس الاعلي للقوات المسلحة وانتخابات برلمانية ثم رئاسية وبعدها الدستور وهؤلاء يرون ان هذا الترتيب يتوافق مع مصالحهم باعتبارهم الأكثر استعدادا من غيرهم علي خوض المنافسة الانتخابية ويستندون في دعم موقفهم الي نتيجة الاستفتاء التي جاءت بأغلبية تفوق ثلاثة أرباع الذين أدلوا بأصواتهم علي التعديلات الدستورية.. وحتي الان اعلن المجلس الاعلي للقوات المسلحة انه ملتزم بهذا الترتيب لأولويات المرحلة الانتقالية، وأنه يسعي لتسليم السلطة في اقرب وقت، ولا يريد البقاء فيها طويلا.. اي انه انحاز للمطالبين بالانتخابات البرلمانية أولا كما يري المطالبون بالدستور اولا، رغم ان المجلس بات يكرر كثيرا الان انه لا ينحاز لقوة سياسية دون بقية القوي السياسية الأخري. وبالطبع من المفهوم انه صعب علي المجلس الاعلي للقوات المسلحة اعادة ترتيب اولويات المرحلة الانتقالية بعد الاستفتاء الذي أيدت فيه الاغلبية هذا الترتيب، حتي لا يبدو انه يرمي برأي الاغلبية عرض الحائط.. ولا مجال هنا للقول بان الاعلان الدستوري الذي اعلنه المجلس لم يخضع كله للاستفتاء لان هذا الاعلان لم يتضمن مواد خاصة بعملية نقل السلطة، باستثناء الابقاء علي نسبة العمال والفلاحين في مجلس الشعب، وهي مادة ليست حاكمة في عملية نقل السلطة، فضلا عن انه متاح الغاؤها في الدستور الجديد اذا توافق الفرقاء علي ذلك.. ولكن من الصعب ايضا ان يضع المجلس الاعلي للقوات المسلحة نفسه في مواجهة قطاع واسع من القوي السياسية التي تخشي من الاسراع في الانتخابات البرلمانية، وهو الذي يؤكد دوما انه لا يفرق في التعامل بين كل القوي السياسية. وحلا لذلك او حلا للفتنة السياسية لماذا لا يتم البحث عن افكار جديدة لا تتجاوز نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية او نلغيها ولكنها في ذات الوقت تحاول طمأنة من يخشون انتخابات برلمانية سريعة وهم لم يستعدوا لها بشكل كاف مثل غيرهم من التيارات الدينية، خاصة الاخوان المسلمين الذين لهم باع طويل في تنظيم صفوفهم واستثمار قدراتهم، ولديهم خبرة انتخابية متراكمة؟ وهذه الافكار يسهل التوصل اليها اذا قرر جميع الفرقاء الخروج لأجل مصلحة الوطن من هذا الاستقطاب السياسي الحاد والذي يهدد مسيرتنا نحو دولة ديمقراطية مدنية عصرية.. هناك مثلا امكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية بضعة اشهر اضافية، لتجري مثلا في ديسمبر بدلا من سبتمبر.. ولن يكون ذلك خروجا علي الاعلان الدستوري الذي لم يحدد موعدا لهذه الانتخابات، انما تحدث عن بدء الترتيبات الخاصة بها في فترة لا تتجاوز ستة اشهر.. والتأجيل هنا سوف يمنحنا فرصة اطول لاعادة الامن، وبالتالي ضمان انتخابات بدون عنف او فوضي.. وهناك ايضا امكانية اضافة مادة للاعلان الدستوري تلزم البرلمان بتمثيل كل القوي والتيارات السياسية في اللجنة التأسيسية التي سيختارها البرلمان القادم لصياغة الدستور الجديد ومثل ذلك يأتي في اطار مسئولية المجلس الاعلي للقوات المسلحة الخاصة بحماية المطالب المشروعة للشعب في ديمقراطية سليمة.. وهناك كذلك امكانية التوافق علي اسس ومباديء حاكمة واساسية في الدستور، من خلال حوار بناء يشرف عليه المجلس الاعلي للقوات المسلحة بنفسه.. ووقتها سيكون صعبا علي اية لجنة تأسيسية مهما كان تشكيلها تجاهل هذا التوافق.. وفوق كل هذا هناك امكانية اجراء تعديلات ضرورية في قوانين الاحزاب ومباشرة الحقوق السياسية.. وذلك لتسهيل نشأة الاحزاب عددا ومالا ولضمان عدم استخدام الدين والمال في الانتخابات ومثلما صدرت القوانين بمراسيم تصدر التعديلات ايضا بمراسيم.