فتحت مراكز الاقتراع في إقليم كردستان العراقي أبوابها أمس أمام الناخبين في استفتاء تاريخي حول الاستقلال عن العراق, وسط ضغوط إقليمية ودولية شديدة علي الاقليم لإلغاء استفتاء يخشي من أنه سيؤدي إلي زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وسادت الأجواء الاحتفالية في المدن الكردية في حين دعي أكثر من خمسة ملايين ناخب للمشاركة في المحافظات الثلاث من إقليم كردستان العراق, "إربيل" و"السليمانية" و"دهوك", وكذلك في مناطق متنازع عليها بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية وبينها "خانقين" في محافظة ديالي, شمال شرق بغداد وكذلك محافظة "كركوك". وكما شهد التصويت الاليكتروني الذي قام به الأكراد المغتربون إقبالا شديدا, رصدت تقارير إعلامية إقبالا مرتفعا أيضا في المدن الكردية الرئيسية. وعلي الرغم من ان النتيجة التي يتوقع الاعلان عنها خلال ساعات - شبه محسومة, وستكون لصالح الاستقلال, الا ان الزعيم الكردي "مسعود بارزاني" رئيس الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي, أعلن في وقت سابق ان الاستفتاء لن يعتبر إعلانا تلقائيا للاستقلال, لكنه سيشكل نقطة الانطلاق "لمفاوضات جدية مع بغداد" حول هذه المسألة. وتقول حكومة الإقليم شبه المستقل إن الحكومة المركزية في بغداد والتي يهيمن عليها الشيعة لم تحترم الحكم الذاتي الذي حدث بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003 وأن الاستفتاء يقر بالمساهمة الحاسمة التي قدمها الأكراد في مواجهة تنظيم داعش بعد انهيار الجيش العراقي أمامه عام 2014. وتحدي "برزاني" الذي دعا للاستفتاء تحذيرات اقليمية وضغوط دولية شديدة, انعكست في إجراءات اتخذتها كل من العراقوتركياوإيران التي يشكل الأكراد جزءا من سكانها وتخشي من ان ينمي الاستفتاء النزعات الانفصالية لديهم. وكان برزاني الذي يريد من الاستفتاء تقوية موقفه التفاوضي مع بغداد, أعلن قبل ساعات أن "الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها". وقال "لقد توصلنا إلي اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي.. وأنه أيا كان ثمن الاستفتاء, فهو أهون من انتظار مصير أسود". وفي العراق, أمر رئيس الوزراء "حيدر العبادي" الأجهزة الأمنية أمس "بحماية المواطنين من التهديد والإجبار الذي يتعرضون له في المناطق التي يسيطر عليها" إقليم كردستان. وكان العبادي قد صرح عشية الاستفتاء أن التصويت يخالف الدستور وطلب من السلطات الكردية إلغاءه. وصوت مجلس النواب العراقي امس علي قرار يلزم رئيس الوزراء بنشر قوات في المناطق التي "استولي عليها الاكراد" منذ الغزو الامريكي عام 2003 وتعتقد بغداد أن التصويت قد يحدث انقساما فوضويا بالعراق في الوقت الذي يكافح فيه من أجل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين. وفي تركيا, أعلن الرئيس "رجب طيب اردوغان" انه سيغلق قريبا الحدود البرية مع إقليم كردستان وهدد بوقف صادراته النفطية عبر تركيا. وقال خلال منتدي في اسطنبول إن بلاده اتخذت الإجراءات اللازمة عند الحدود مع العراق, وأن المرور حاليا مسموح به فقط من تركيا إلي العراق. وقال إردوغان إن تركيا يمكنها أن تقطع خط أنابيب النفط الذي ينقل الخام من شمال العراق للعالم بما يمثل ضغطا إضافيا علي المنطقة شبه المستقلة بسبب الاستفتاء. لكنه لم يصل لحد القول إن تركيا قررت إغلاق تدفق النفط عبر أراضيها من كردستان. وتنقل مئات آلاف براميل النفط يوميا عبر خط أنابيب عبر تركيا من شمال العراق. ويبلغ متوسط انتاج كردستان العراق من النفط 600 الف برميل يوميا يتم تصدير 550 الفا منها إلي تركيا عبر ميناء جيهان. ومن جهته قال رئيس الوزراء "بن علي يلدريم" إن الرئيس التركي سيبحث مع طهران رد البلدين علي استفتاء الاستقلال عندما يزور إيران خلال أيام مع رئيس الأركان التركي. وكان أردوغان قد تشاور هاتفيا مع نظيره الإيراني "حسن روحاني" وأبدي قلقه من أن يسبب الاستفتاء فوضي إقليمية. كما أعلن يلدريم أمس إن تركيا تعتزم إقامة علاقات أوثق مع الحكومة المركزية العراقية بعد الاستفتاء. وقال إن تركيا تبحث خطوات فيما يتعلق بمعابرها الحدودية ومجالها الجوي ردا علي الاستفتاء, موضحا ان أنقرة لن تبدأ "مغامرات" ولكنها سترد إذا تعرضت مصالحها لأي تهديد. ومن ناحية أخري, حذر وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو" أمس من أن أنقرة ستتخذ "كل الإجراءات" بموجب القانون الدولي إذا أسفر الاستفتاء عن تهديدات للأمن القومي التركي. وحذر بيان أصدرته الوزارة من احتمال تورط "عناصر متشددة ومتطرفين" في أعمال تستهدف الأمن القومي بعد الاستفتاء. كما أكد البيان أن أنقرة ستتدخل عسكريا إذا تم استهداف التركمان في العراق في أحدث تحذير جراء الاستفتاء. وتعتبر أنقرة نفسها حاميا للأقلية التركمانية في العراق. كما دعا الوزير المجتمع الدولي لاسيما الجوار الاقليمي إلي عدم الاعتراف بنتائج هذا الاستفتاء متهما الأكراد بتهديد السلام والاستقرار في العراق وفي المنطقة بأسرها. وبحسب مصادر رئاسية فإن إردوغان قد أجري مشاورات هاتفية مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" حول الاستفتاء وأكدا أهمية سلامة أراضي كل من العراقوسوريا. وفي إيران, أعلنت السلطات إغلاق حدودها مع كردستان العراق. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية "بهرام قاسمي" أنه "بطلب من الحكومة العراقية, أغلقنا حدودنا البرية والجوية" مع الإقليم, واصفا الاستفتاء بأنه "غير قانوني وغير مشروع". وكانت إيران أعلنت عشية الاستفتاء حظر جميع الرحلات الجوية مع كردستان العراق حتي إشعار آخر. ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء عن مسؤول إيراني كبير قوله إن الرئيس روحاني بحث مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" مسألة الاستفتاء, و"أكدا علي ضرورة الحفاظ علي وحدة وأمن واستقرار المنطقة". وفي سوريا, قال وزير الخارجية "وليد المعلم" إن حكومته ترفض استفتاء إقليم كردستان و"نحن في سوريا لا نعترف إلا بعراق موحد ونرفض أي إجراء يؤدي إلي تجزئة العراق".